عن مئوية الجامعة الأمريكية فى القاهرة

وليد محمود عبد الناصر
وليد محمود عبد الناصر

آخر تحديث: الثلاثاء 5 فبراير 2019 - 11:50 م بتوقيت القاهرة

بدءا من فبراير 2019، وعلى مدى العام، ستنطلق سلسلة طويلة ومتنوعة من الفعاليات المتعددة والكثيرة لإحياء مئوية الجامعة الأمريكية بالقاهرة، بمناسبة مرور قرن كامل على إنشائها وافتتاحها، وسيكون الانطلاق من القاهرة بالتأكيد ولكن الفعاليات سوف تمتد لتشمل العديد من مدن مصر وكذلك مدن العالم، داخل الوطن العربى وخارجه، والتى يوجد بها تواجد مكثف لخريجى هذه الجامعة، سواء من المصريين أو من أبناء جنسيات عربية وأجنبية أخرى، على مدى تلك السنوات المائة.
وللجامعة الأمريكية فى القاهرة تاريخ وباع طويل، ليس فقط فى قطاع التعليم العالى، بما يتضمنه من الدراسات الجامعية والدراسات العليا على حد سواء، كما فى قطاع البحث العلمى، الذى تزداد أهميته يوما بعد يوم، ليس فقط فى مصر بل فى العالم بأسره، بل وفى أداء دور فكرى وثقافى بشكل عام بالإضافة إلى الدور العلمى الأساسى والفعال خلال فترات طويلة من تاريخ مصر على مدى قرن كامل، كما أعلت الجامعة من شأن التدريس للعلوم والآداب والفنون على أرضية منهج يعلى من قيمة حرية الفكر والبحث العلمى والتعبير عن الرأى بسبل حضارية والتحاور البناء، بما فى ذلك داخل قاعات الدراسة والعلم، وفى تخصصات كثيرة زادت، بل وتضاعفت، كما تفرعت، بمرور الايام والسنين، وأيضا عبر جميع الأنشطة المتصلة بالدراسات الأكاديمية، سواء فى شكل ندوات أو مؤتمرات أو ورش عمل، أو من خلال أنشطة الكثير من مراكز الأبحاث والدراسات، والتى نشأت على مدى العقود داخل صفوف الجامعة، وصارت تغطى عددا كبيرا من الموضوعات التى باتت تطفو على السطح وتحتل أولوية متقدمة وتحظى باهتمام متزايد على جدول أعمال العلاقات الدولية وعلى الساحتين الإقليمية والمحلية.
وعلى مر تاريخها الطويل، تخرج فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة الآلاف، من المصريين والعرب والأجانب، كثيرون منهم باتوا أعلاما وقامات فى مجالات تخصصهم وعملهم، واحتلوا مكانة مرموقة فى مجتمعاتهم وحظوا باحترام شعوبهم وبلدانهم، ونظرا لإدراك هؤلاء بقيمة وأهمية التعليم الذى تلقوه خلال سنوات دراستهم فى الجامعة ودوره فى بناء شخصيتهم وتطور تفكيرهم، فقد سعى البعض منهم إلى رد الجميل، أو على الأقل جزء منه، للجامعة بعد بلوغهم أرقى المناصب وأرفع المراتب، وذلك عبر المساهمة فى الحفاظ على تفوق الجامعة وتميزها من خلال تبرعات لبناء مبانى لكليات الجامعة وفصول الدراسة بها، وأيضا لتوسيع وتحديث مكتبتها العامة والفرعية، وبناء المعامل وقاعات المحاضرات والاحتفالات، وتحديث الأنشطة الرياضية بالجامعة والتوسع فى مجالات الدراسة والتخصص فيها عبر إنشاء كليات وأقسام جديدة. وهنا يذكر للجامعة أنها غذت منذ الصغر فى داخل نفوس وعقليات طلابها، الذين أصبحوا فيما بعد خريجيها، مبدأ المساهمة الطوعية فى العمل العام وإيجاد تقليد مفتقد فى الكثير من المنشآت التربوية والمؤسسات التعليمية، ليس فقط فى مصر، بل فى المنطقة العربية ككل، وهو ما يشبه «وقف» عوائد لمنشآت عقارية أو لأنشطة مؤسسات اقتصادية بغرض الإنفاق منها على تلك المؤسسات، وذلك بالرغم من أنه من الناحية التاريخية فإن فكرة العمل الطوعى فى العمل العام وفكرة «الوقف» بغرض تمويل أعمال خيرية، وتحديدا فى مؤسسات التعليم، نمت وترعرعت وشهدت أطوارا متعددة تزامنت مع تطور الحضارة العربية والإسلامية فى حقبها المتتالية ومراحلها المتعاقبة.
وفى ضوء حقيقة الارتفاع المطرد فى المصروفات الدراسية للجامعة الأمريكية فى القاهرة منذ منتصف عقد السبعينيات من القرن العشرين، فقد بحثت الجامعة دائما عن سبل موازية لإيجاد التمويل من خلال منح دراسية تقدمها شركات أو مؤسسات اقتصادية أو غيرها بغرض تمكين الجامعة من استقبال طلاب يتمتعون بقدر عال من التميز والكفاءة فى نهاية مراحل تعليمهم المدرسى ولكنهم قد لا يملكون القدرة المالية على تلبية مصروفات الجامعة. وحدث تقدم ملموس فى هذا المجال على مدى السنين، ولكن بالتأكيد فإن الباب مفتوح لزيادة إمكانيات الجامعة فى استقبال عدد أكبر من هؤلاء الطلاب. كذلك، وفى السياق نفسه، واجهت الجامعة تحديا تمثل فى أن بعض هؤلاء الطلاب المنضمين لها من المتفوقين والنابغين قد لا يكونوا بالضرورة يجيدون اللغة الإنجليزية، وهى لغة التدريس فى الجامعة، وبالتالى تم تطوير برامج محلية وعبر شراكات مع جهات أكاديمية خارجية لضمان سرعة اكتساب هؤلاء للغة الإنجليزية بما يحقق الاندماج لهم فى أجواء الدراسة بالجامعة بشكل سريع.
ولا شك أن انتقال الجامعة الأمريكية فى القاهرة من حرمها الجامعى التقليدى فى قلب ميدان التحرير بوسط مدينة القاهرة إلى حرمها الجامعى الجديد فى القاهرة الجديدة منذ عقد من الزمان فتح آفاقا جديدة للتوسع فى مجالات الدراسة وتخصصاتها وفى مختلف الأنشطة الجامعية من ثقافية ورياضية وفنية وغيرها، ولكنه فى ذات الوقت مثل تحديا جديا فيما يتعلق بالارتفاع الضخم فى نفقات تسيير الحرم الجامعى الجديد مما دفع بدوره إلى زيادة فى المصروفات الدراسية الأمر الذى فاقم من العبء المالى على من يود أن يدرس بالجامعة، وسيبقى الحل الممكن والعملى هو استمرار البحث عن مصادر جديدة وإضافية لتمويل المزيد من المنح الدراسية للطلاب المتفوقين.
ولا يعنى ما تقدم أنه ليس فى الإمكان أفضل مما كان أو أن كل الأمور على ما يرام وفى أكمل حال فى الجامعة، فلا زال هناك الكثير من التوقعات والطموحات والآمال، سواء من داخل الجامعة ذاتها أو من المجتمع المصرى الذى تعيش فى محيطه وتتفاعل معه. وبداية فى هذا السياق نذكر أن هناك العديد من أنشطة ما يسمى بـ«خدمة المجتمع» داخل الجامعة ولكن المجال مفتوح للنظر فى كيفية التوسع فيها لكى يستفيد المجتمع المحيط أكثر من المجالات التى تملك فيها الجامعة الخبرات اللازمة والقدرة على العطاء، كذلك فإن هناك للجامعة فرعا جزئيا فى مدينة الجونة، ولكن الآمال موجودة فى فتح فروع، ولو جزئية أيضا وفى مجالات تخصص محددة، فى مدن مصرية أخرى. ومن جهة أخرى، هناك تطلع لمزيد من التوسع فى الاختصاصات التى تشملها الجامعة بما يلبى احتياجات أكبر من جانب من يرغب فى الدراسة بها، وبما يواجه المنافسة المتصاعدة التى تجدها مع جامعات أخرى تسعى أيضا لتطوير نفسها، سواء داخل مصر أو فى الوطن العربى الكبير، بالإضافة إلى استمرار وجود التطلع لأن تنتقل الجامعة إلى منح درجات الدكتوراة، بالإضافة إلى درجتى البكالوريوس والماجستير الموجودتين بالفعل، فى جميع المجالات التى يتم تدريسها داخل أسوارها.
وفى الختام، كان ما تقدم مجرد قراءة لبعض ملامح مسيرة ودور الجامعة الأمريكية فى القاهرة على مدى قرن من الزمان، عبر التركيز على دورها التعليمى والأكاديمى، كما حملت هذه القراءة رؤية تجمع بين الموضوعية والذاتية فى ضوء أنها تعكس منظور إنسان درس وتعلم وتخرج من داخل جدران اثنتين من أهم وأعرق جامعات مصر والوطن العربى وإفريقيا والشرق الأوسط، وهما: جامعة القاهرة، التى احتفلت بمئويتها منذ أحد عشر عاما، والجامعة الأمريكية بالقاهرة التى تحتفل بمئويتها هذه الأيام.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved