صحفيو الحرب الخاصة

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الثلاثاء 5 فبراير 2019 - 12:15 ص بتوقيت القاهرة

فتح حكم قضائى أصدرته محكمة أمريكية قبل أيام ملف الصحفية الأمريكية مارى كولفين التى قتلت أثناء تغطيها الحرب فى سوريا لصالح صحيفة «صنداى تايمز» البريطانية، وأعاد إلى الأذهان مسيرة الصحفية المهنية، وجانبا من حياتها التى جرى تجسيدها فى فيلم سينمائى باعتبارها «رمزا للشجاعة» ونموذجا «للباحث عن الحقيقة والمدافع عن حقوق الإنسان».
الحكم الذى حمل الحكومة السورية مسئولية مقتل كولفين فى فبراير عام 2012 أثناء تواجدها فى معقل للميليشيات المناهضة للنظام السورى بحى بابا عمرو فى حمص، دفع بوزير الخارجية البريطانى جيرمى هانت إلى أن يغرد على موقع «تويتر» قائلا: «مارى كولفين قتلت على أيدى نظام الأسد. حكم هذه المحكمة الأمريكية يوجه رسالة مهمة مفادها بأن الصحفيين يجب أن يقولوا الحقيقة أينما كانوا».
وفى غياب أى ممثل للدفاع عن موقف دمشق، قالت القاضية أيمى بيرمان فى حكمها إن الحكومة السورية «ضالعة فى عملية قتل مواطنة أمريكية خارج إطار القانون»، وأمرت بتعويضات قالت وكالة رويترز إنها لن تقل عن 302.5 مليون دولار.
الموقف السورى من القضية جاء فى وقت سابق على لسان الرئيس بشار الأسد الذى اعتبر فى مقابلة مع شبكة «إن بى سى نيوز» أن كولفين تتحمل مسئولية مقتلها، لأن بلاده فى حرب وهى دخلت إلى سوريا «بطريقة غير قانونية وعملت مع الإرهابيين»، بعد تسللها عبر الحدود مع لبنان على دراجة نارية بمساعدة مهربين.
طبعا لن ينتهى الجدل بشأن المتسبب فى موت الصحفية الأمريكية، لأنه يعكس فى جانب منه ثمن صراع الصحفى لنقل ما يدور فى وسط ساحة مفتوحة على كل الاحتمالات، ذروتها الموت، وأدناها التعرض لخطر الاحتجاز، وهو ما حاول فيلم «حرب خاصة» أو «A PRIVATE WAR »، الذى يجسد رحلة المراسلة الحربية مارى كولفين فى عالم الصحافة ومغامراتها.
الفيلم الذى عرض فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى الأخير، وأسعدنى الحظ بمشاهدته بالمسرح الكبير بدار الأوبرا، لعبت النجمة البريطانية روزاماند بايك فيه دور كولفين، وأخرجه ماثيو هاينمان الذى سعى لتقديم جانب من حياة المراسلة الحربية التى قضت سنوات تضع عصابة سوداء حول عينها اليسرى التى فقدتها عام 2001 خلال تغطيتها الحرب فى سيرلانكا.
وعلى مدى نحو ساعتين استعرض الفيلم صولات وجولات كولفين فى أفغانستان وليبيا والعراق وتيمور الشرقية، عارضا رؤية غربية تقليدية لطبيعة الصراع فى الشرق الأوسط، مع مسحة إنسانية للبطلة التى تغامر من أجل «مصلحة البشرية»، على حساب حنينها للاستقرار وتكوين عائلة.
البطلة، كما جسدتها روزاماند بايك على الشاشة، كانت مسكونة بركوب المخاطر، وربما تحول الأمر لديها إلى مرض نفسى يدفعها إلى المناطق الملتهبة، كما تنجذب الفراشات إلى النار، وهذا ما حدث بالضبط مع كولفين التى كانت تتحايل على الصعوبات حد اختراق القوانين للوصولها إلى بؤر الصراع، فكان حتما أن تفقد حياتها على نحو ما جرى.
قد تكون كولفين صادقة فى سعيها إلى الحقيقة، وربما تكون مريضة بركوب الأخطار، غير أن الفيلم الذى شاهدته، كان متحاملا بشكل كبير على النظام السورى، وقد تتطابق رؤيته للأحداث فى جانب منها مع نظرة السياسة الأمريكية، خصوصا، لما يدور فى منطقة الشرق الأوسط، وبدت بعض المشاهد واقفة فى طابور إدانة العرب، وإن استحق بعضهم الإدانة، من دون تحميل الغرب أى مسئولية عما يدور.
فى الفيلم ظهرت البطلة، التى عرفت عن قرب الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، والليبى معمر القذافى، متنقلة فى الربوع العربية من العراق إلى ليبيا إلى سوريا، من دون أن تسأل نفسها سؤالا: كيف وصلت المنطقة لهذا الدمار؟، وألم يكن لأبناء عمومتها فى الغرب يد فيه؟!
بالقطع لا نحمل الصحفية الراحلة مسئولية خراب المنطقة، لكن صناع الفيلم يتحملون جزءا من إخفاء الحقيقة عندما لا يشيرون إلى الدور الغربى فى الأحداث، التى جعلت الصحفيين يفقدون حياتهم، وحريتهم، وهم يلهثون لنقل جانب من حقيقتها إلى العالم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved