الفلسطينيون باقون والأرض لهم

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 5 فبراير 2020 - 10:30 م بتوقيت القاهرة

رغم تسابق القيادات العربية إلى الترحيب وإعلان تقدير «الجهود الأمريكية الرامية إلى تحقيق السلام» القائم على سرقة الأراضى الفلسطينية والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها ومنحها لإسرائيل الغاصبة، ورغم انطلاق الأصوات التى تدعو القيادة الفلسطينية إلى قبول الطرح الأمريكى، بدعوى أنها لا تملك إلا الرضوخ والاستسلام، فإن النظرة المتجردة لجوهر الصراع بين الفلسطينيين والمغتصبين الإسرائيليين وتطوره على مدى العقود الماضية تقول إن إيمان الشعب الفلسطينى بحقه وتمسكه بأرضه استطاع تغيير قواعد الصراع فى مناسبات عديدة فى الماضى ومازال قادرا على ذلك فى المستقبل.
هذا الكلام ليس شعارات جوفاء، لكنها حقيقة اعترف بها رئيس الوزراء الإسرائيلى الراحل إسحق رابين، فرغم أنه كان صاحب نظرية تكسير عظام الفلسطينيين عندما كان وزيرا للدفاع أثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى فى الفترة من 1987 إلى 1991، إلا أنه برر قبوله لاتفاق أوسلو للسلام واستعداده للانسحاب من مساحات واسعة من الأراضى المحتلة بقوله «أدركت أن هناك حدودا لما يمكن أن أحطمه من عظام»، وبالتالى لم يكن هناك مفر من الجلوس مع الفلسطينيين وتقديم التنازلات لهم.
وإذا كانت مصر قد احتاجت إلى شن حرب شاملة عام 1973 لإجبار الإسرائيليين على الجلوس على مائدة المفاوضات، فإن الفلسطينيين فى انتفاضتهم الأولى نجحوا فى ذلك باستخدام الحجارة فقط.
الشعب الفلسطينى يبدى قدرة نادرة على التمسك بأرضه وحرصا استثنائيا على البقاء فيها رغم كل جرائم الاحتلال ضده، وهو ما تعكسه الإحصائيات الفلسطينية والإسرائيلية، حيث زاد عدد الفلسطينيين فى الضفة الغربية وقطاع غزة بنسبة 27% إلى 4.78 مليون نسمة خلال عشر سنوات من 2007 إلى 2017، بعد نموهم بنسبة 30% خلال السنوات العشر السابقة، وهو ما جعل عددهم فى أراضى فلسطين التاريخية التى تضم الضفة الغربية وقطاع غزة والأراضى المحتلة عام 1948 (إسرائيل حاليا) يصل إلى 6.49 مليون فلسطينى على أقل تقدير مقابل 6.5 مليون يهودى، الأمر الذى دفع لجنة الشئون الخارجية والأمن فى الكنيست الإسرائيلى إلى عقد اجتماع خاص لمناقشة ما يعتبره الإسرائيليون القنبلة السكانية الفلسطينية.
ويقول ديلا فيرجولا الأستاذ فى الجامعة العبرية بالقدس إن هذه الأرقام تقول للإسرائيليين «إذا كنتم تريدون دولة يهودية، فلابد أن تكون هناك دولتان ولابد أن تنسوا حلم أن تكون كل أرض إسرائيل فى أيد يهودية».
الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين ذو طبيعة خاصة جدا، لا يخضع لحسابات القدرات العسكرية، ولا حتى القوة الاقتصادية فقط والتى لا يملك الفلسطينيون منها شيئا كثيرا، لكن هناك عوامل أخرى تميل لصالح الفلسطينيين فى مقدمتها تمسك الشعب الفلسطينى بأرضه وتكاثره فيها بمعدلات قياسية واستعداده لمقاومة الاحتلال بكل الوسائل بدءا بالحجر وانتهاء بالعمليات الاستشهادية.
وإذا لم يكن الفلسطينيون يملكون اليوم ما يضغطون به على إسرائيل وحلفائها فى العواصم العربية والغربية للحصول على حقوقهم، فلا يجب أن يوقعوا أى وثائق تتنازل عن تلك الحقوق، حتى لا يشرعنوا الاغتصاب الإسرائيلى، ويحافظوا على حق الأجيال القادمة فى السعى وراء استرداد هذه الحقوق.
لن يخسر الفسطينيون شيئا برفض صفقة «الشيطان الأمريكية» التى يقول عنها الحكام العرب إنها «تستحق الدراسة المتأنية» لأنها ببساطة لا تقدم لهم شيئا، فحياتهم بعد قبول الصفقة ستظل رهينة فى يد الاحتلال الإسرائيلى الذى سيحتفظ بالسيطرة على كل شىء فى الأراضى المحتلة، والاحتلال الإسرائيلى لن يغادر الأراضى المحتلة لكنه سيحيط بها من جميع أطرافها، فى المقابل سيتنازل الفلسطينيون عن أراضيهم، ويقطعوا الطريق على حق الأجيال القادمة فى المطالبة بها.
أخيرا إذا لم يكن القادة العرب مستعدين لمساندة حق الشعب الفلسطينى والتصدى للعدوان الإسرائيلى، فلا أقل من ألا يحاولوا الضغط على الفلسطينيين حتى يوقعوا اتفاقيات تقر بسرقة أراضيهم وتشرعن السطو على حقوقهم لأن «آبانا الذى فى البيت الأبيض» يريد ذلك.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved