فى تعميم الاكتئاب

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الثلاثاء 5 مارس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

لم يعد للاستفسار معنى ولا الخوض فى التحليل النفسى المعمق، هناك حتما حالة عامة من الوجوم، ربما هو ليس كذلك أو ربما هو فقط الخوف الممزوج برائحة تعفن اللحظة أو سكونها القاتل.. كلما بحثت عن وجوه من وجوه الاصدقاء أو حتى عن صوته أو صوتها انتقلت لك حالة التثاؤب واصطفاف الاسئلة عند حافة القلق.. كلهم اتفقوا كعرب من الماء الى الماء حتى اولئك الذين رحلوا بعيدا قبل تلك اللحظة من 2011 هم ايضا ما لبثوا وان تقمصوا اللحظة العربية أو انتقلت لهم العدوى.. عدوى تعميم الاكتئاب!

 

كانت النصيحة القديمة تقول إن الاكتئاب معدى كالطاعون فكلما اقترب من مجموعة راح فى الانتقال المنمق وبشكل من الخفة لتصبح كلها موبوءة به.. حينها كان الأسهل أن ترحل بعض الشىء أو تأخذ خطوتين ونفسا عميقا وقرارا قد يكون الأصعب إن لم أستطع أن انتشلهم من الاكتئاب فعلى اذن أن انط من المركب حتى لو كان فى ذلك مخاطرة أخرى هى خسارة أصدقاء مقربين أو ربما تبدو فى شكل من أشكال الخيانة او التخاذل عن تحمل المسؤولية تجاه الاصدقاء المصابين به.. بذاك المرض ليس النفسى بل ربما المزاجى!

 

•••

 

نعود لسيرة الاكتئاب، لذاك الذى أصبح يرسم تفاصيله على وجوه العامة حتى المشرقة منها، هى فقط القادرة على اخفائه خلف مساحيق من الكذب الحلال خوفا من أن تفضحها عينها الحزينة أو ربما كلمة عارية تمر عبر ثرثرة أحاديث المساء.. حتى ذاك الهدوء كالجداول يخفى خلفه خوفا من القادم.

 

كنت عند ضفة ذاك النهر والسماء صافية والقمر بدرا وليلها يشع نورا، وفجأة حضر السواد مجددا، راح الحضور يردد عبارات الخريف القادم فى مرادفة الربيع الذى لم يستمر طويلا، وخوفا من فصول لا تغير جلدها بل تكرر طلى الأيام بالسواد رغم شمس مارس/أذار التى اقتحمت أيامنا دون مقدمات.. وهناك على مقربة من العوامة التى اصطفت فيها الكراسى وفناجين الشاى والقهوة ودخان النارجيلة تأتى صور مختلفة لشباب وشابات على مراكب مزركشة كخلفيات عربات النقل الثقيلة تحمل الوان الطيف وتطريزات القادمين من مدن الصفيح وموسيقى الطرب الشعبية تصدح والفتيات الناعمات المتدثرات فى أغطية للرأس والبنطلونات «المحزقة» فلا مانع من أن تلبسى ما شئت حينما تغطين رأسك فقط! الفتيات يتراقصن على ايقاع الموسيقى الصاخبة.. ينظر الجالسون فوق تلك العوامة الفارهة بينهم وبين المركب بضع خطوات مائية ورغم ذلك ينفصل العالمان عن بعضهما البعض بسنين ضوئيه.. اولئك لازالوا يحلمون بالقادم لانه لا حاضر عندهم وربما لذلك فقد قاوموا عدوى الاكتئاب وهؤلاء المتنعمين بكل ما لذ وطاب منغمسين فى واقع لا يوحى لهم الا بالسواد.. يهربون من سواده الى المقاهى والمطاعم وربما بعض من المداعبات البريئة وغير الجارحة ولكنهم ما يلبثون أن يعودوا الى غرفهم المغلقة وأيامهم المزدحمة بصخب المدينة والجرى المستمر وكثير من الخوف.

 

الجالسون فوق العوامات وعيونهم مسترخيه خلف الدخان الكثيف يتساءلون بحسد «من أين لهم بكل هذا الكم من الفرح او البهجة؟» وأولئك هناك على المراكب المزركشة منغمسون فى اللحظة، يلقون نظرة سريعة على موائد اولئك أو ربما على بلوزة لامرأة أو فستان «محندق»، ربما عينهم تتربص ببعض اللحمة المتراكمة على الموائد او تغريهم بعض الملابس وتبقى هذه اللحظة هى الأقصر ما يلبثوا وأن يعودوا الى حالتهم من الرقص كلا منهن تظهر مواهب لا تستطيع أن تبرزها إلا فوق الماء وبعيدا عن أعين العارفين فى الأزقة الضيقة والأحياء التى أعياها الفقر حتى أصبح الاكتئاب رفاهية لا يملكونها!

 

•••

 

الاكتئاب لا يقترب من تلك الأحياء القلقة فقط على رغيف العيش الذى رحل وصحن الفول الذى ندر واللحمة التى لم تعد تزين حتى الاعياد والمواسم والماء الملوث حتى منه المعلب والمختوم بأسماء شركات كبرى.. أما السمك فقد ندر حتى للصيادين المبحرين بحياتهم فى مياه العرب!! إذن فليس لك سوى ظلك، تقول، تلاحقه حتى لا يصاب هو الاخر بالضجر منك أو ربما أيضا بالاكتئاب مثلك. من قال ان ظل الشىء هو نفسه؟؟

 

 

 

كاتبة من البحرين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved