اشمعنى

باسم يوسف
باسم يوسف

آخر تحديث: الثلاثاء 5 مارس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

هل تناقشت واختلفت مع من يصنفون انفسهم كإسلاميين من قبل؟ بالطبع حدث ذلك، سواء وجها لوجه أو على صفحات التواصل الاجتماعى مثل تويتر وفيس بوك وغيرها. هل لاحظت تكرار نمط معين؟ هل لاحظت انه حين يفشل فى الدفاع عن المواقف المخزية سواء لحزبه او جماعته او شيوخه فهو يشن عليك هجوما مضادا تبدأ بكلمات مثل: إشمعنى؟ ماتشوف الناحية التانية. انت ليه ساكت على فلان و مركز معانا؟

 

حدث ذلك معى أكثر من مرة فى البرنامج الذى أقدمه. وكانت معظم الانتقادات التى توجه لى: ما تشوف البرادعى، انت يعنى ساكت على صباحى ليه. وطبعا كان اكثر سلاح يواجهون به البرنامج «أتحداك أن تتكلم على القساوسة». «لو راجل تجيب سيرة الكنيسة» الخ الخ.

 

الحقيقة استوقفنى هذا المنطق الغريب. ليس منطق اشمعنى فى حد ذاته. ولكن أن يخرج هذا المنطق ممن يدعون أن الاسلام هو المرجعية الأخلاقية لهم.

 

فمن أجمل آيات القرآن: «وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى»

 

هذه الاية الرائعة تأمرنا ان نلتزم نحن بالاخلاق الحسنة والسلوك الحميد حتى لو ابتعد الاخرون عنها. لا يهمك اذا ظلم الاخرون وابتعدوا عن العدل. المهم ان نعدل نحن.

 

ويقول رسولنا الكريم: «لا تَكونوا إمَّعَة تَقولوا إن أحسَنَ النَّاسُ أحسَنّا وإن ظَلَموا ظَلَمنا ولكن وَطِّنوا أنفُسَكُم إن أحسَنَ النّاسُ أن تُحسِنوا وإن أساؤوا أن لا تَظلِموا».

 

هاهو هدي نبوى يأمرك بأن تعامل الناس بأخلاقك لا بأخلاق من تختلف معهم. لذلك فحين أعرض في برنامجى بعض النماذج السيئة لمن يتكلمون باسم الدين ويشترون بآيات الله ثمنا قليلا ويسيئون لمظهر الدين بكلامهم وكذبهم وسوء أخلاقهم، أجد الكثير من الشباب المنتمى لهذا التيار بل والكثير من الاعلاميين على شاشات هذه القنوات المسماة خطأ بالاسلامية. أجد هؤلاء  بدلا من أن يقوموا هؤلاء أو يعتذروا لخطئهم فى حق الدين، بدلا من هذا يتحدوننى ويتحدون غيرى، أن  نتكلم عن القساوسة أو الكنيسة.

 

إن هذا السلوك يعطى مؤشرا خطيرا لطريقة تفكير هؤلاء. فهم بدلا من أن يعترفوا بأخطاء هؤلاء الناس وبدلا من أن يدافعوا عن ديننا الحنيف بالتبرؤ منهم اختاروا أن يكتفوا بأن  يطالبونى بالكلام عن أديان الآخرين ووجدوا فى هذا ضالتهم وسعادتهم. معنى ذلك أنهم بدلا من أن يستحوا من هذه الأخطاء المرعبة وبدلا من أن يقوموا أنفسهم طالبوا بوضع الاخرين فى مفرمة السخرية حتى لا يشعرون انهم وحدهم «الملطوطين». وهنا تخرج الكلمة السحرية «إشمعنى».

 

فلسان حالهم يقول : «يعنى مش مشكلة ان العيوب دى موجودة فى خطابنا الدينى، بس والنبى شوف الناحية تانية برضة عشان ننبسط».

 

إن الآية والحديث السالف ذكرهما تجرم هذا السلوك لمن يدعى نصرة الدين وغيرته على الشريعة. فهؤلاء تحولوا من مسلمين تقودهم الاخلاق والمثل العليا الى مجموعة التراس لا يهمها الا التعصب لفريقها وشتيمة الفريق الاخر بدلا من التقويم الاخلاقى لفريقها. واكتفوا بأن يعايروا الاخرين بعيوبهم بدلا من اصلاح نفسهم.

 

المشكلة الاكبر أن مبدأ «اشمعنى» يتسلل الى جميع مواقفهم السياسية. فإذا واجهتهم بتناقض مواقفهم وكذبهم يكون ردهم: «يعنى عاجبك البرادعى؟»  «شوف حمزاوى» «يعنى الوفد هو اللى أملة قوى؟»

 

عادة يكون ردي عليهم : «يعني انتم صدعتوا أدمغتنا بالمشروع الاسلامى والخلق الاسلامى والمبادئ الاسلامية وفى النهاية تقيس نفسك على مستوى أداء الاخرين؟»

 

أتذكر انه قبل انتخابات البرلمان الاولى قلت لقيادى اسلامى انه لا يصح ان تخرق الاحزاب الاسلامية الصمت الانتخابى أو ان توزع اموالا او رشاوى انتخابية. وكان رده: «طب ما حزب نجيب ساويرس عمل كده» هنا لم استطع ان اتمالك نفسى و قلت له أى إسلام تتحدث عنه اذا انت بررت لنفسك بمقولة «اشمعنى التانيين عملوا كده؟»

 

اذا فيمكنك ان تكذب وتدلس وتزور فى الانتخابات «عشان اشمعنى التانيين بيعملوا كده».

 

أما الموضة الجديدة الان فهى هذه المقولة العقيمة: «كنتوا تقدروا تقولوا كده أيام مبارك؟» «إشمعنى ماقدرتوش على مبارك وقادرين على مرسى».

 

طبعا الرد على ذلك فى منتهى السهولة. مبدئيا ولا انتوا كمان كنتوا بتتكلموا ايام مبارك، بل انتم من خرجتوا علينا بفتاوى عدم الخروج عن الحاكم والثورة حرام وغيرها. اما أعزاؤنا من جماعة الاخوان فهم يستخدمون نفس المنطق وينسون انهم لولا الثورة ما وصلوا هم لكراسيهم ولكنهم نسوا ذلك ومنوا علينا بحرية الكلام  وارتاحوا هم لمبدأ اشمعنى ماكنتش بتتكلم ايام مبارك.

 

أنا وغيرى ممن خرجوا من جنة المتأسلمين لدينا أخطاؤنا. بل وربما نلعب نحن لعبة اشمعنى. ولكننا لا نبشر بمشروع دينى ولا نزايد على الناس «بشرع الله» ثم نتصرف بعيدا عن هذا الشرع.

 

عزيزى المتحمس الغيور على دينك. إن مجاهرتك بانتمائك لتيار دينى يضع عليك مسئوليات جسيمة. أخلاقك وكلامك الان لا تمثلك ولكن تمثل هذا التيار بل وقد تؤخذ تصرفاتك كانعكاس لتعاليم هذا الدين.

 

فبدلا من ان تفرح لوجود عوار فى تصرفات من يمثلون التيارات والاديان الاخرى يجب عليك ان تهتم بتقويم هؤلاء ممن يتحدثون بلسان الدين ولا يحسنون التصرف بأخلاقه.

 

لا تكن إمعة يا أخى، واعدل كما أمرنا القرآن. وبما أننا ليبراليون كفار وخارجون عن الدين كما تكرمتم من قبل ووصفتونا، سيبنا احنا نلعب لعبة إشمعنى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved