فخ إثيوبى!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 5 مارس 2021 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

حديث إثيوبيا عن استعدادها للتفاوض بـ«نية حسنة» من أجل التوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان بشأن سد النهضة، لا يعدو عن كونه محاولة للالتفاف على الرسائل السياسية والعسكرية الواضحة التى خرجت من القاهرة والخرطوم الأسبوع الماضى.
فأديس أبابا وحتى وقت قريب، كانت تتحدث دائما بكل صلف وغرور عن عزمها المضى قدما فى إجراءات الملء الثانى لخزان سد النهضة المقرر فى يوليو المقبل، من دون موافقة مسبقة من الخرطوم أو القاهرة، أو الانتظار لما ستسفر عنه المفاوضات بين الأطراف الثلاثة، ولم يرد على لسان مسئوليها من قبل «الاستعداد للتفاوض بنية حسنة».
ما الذى حدث ليدفع أديس أبابا لاتخاذ مثل هذا الموقف؟
فى تقديرى هناك ثلاثة أسباب وراء هذا التحول «الشكلى» فى الموقف الإثيوبى، أولها البيان المشترك الذى صدر خلال الزيارة الأخيرة لوزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدى إلى القاهرة، والذى شدد على أن «قيام إثيوبيا بتنفيذ المرحلة الثانية من ملء سد النهضة بشكل أحادى سيشكل تهديدا مباشرا للأمن المائى لمصر والسودان، وخاصة فيما يتصل بتشغيل السدود السودانية ويهدد حياة 20 مليون مواطن سودانى».
السبب الثانى هو نتائج الاجتماع السابع للجنة العسكرية المشتركة المصرية السودانية، الذى عُقد فى الخرطوم الأسبوع الماضى بمشاركة الفريق محمد فريد، رئيس أركان حرب القوات المسلحة؛ حيث أسفر عن «الاتفاق على تعزيز التعاون العسكرى والأمنى بين مصر والسودان خاصة فى مجالات التدريبات المشتركة والتأهيل وأمن الحدود ونقل وتبادل الخبرات العسكرية والأمنية»، كما ذكرت صفحة المتحدث العسكرى على موقع الفيسبوك.
أما السبب الثالث فيرجع إلى الزيارة المرتقبة للرئيس السيسى إلى الخرطوم، والمتوقع أن تتم اليوم السبت وفق بعض المصادر؛ حيث سيكون على رأس أجندتها، البناء على الموقفين السابقين بخصوص تطورات أزمة سد النهضة، والتأكيد الواضح على موقف مصر الثابت والمتمثل فى «حتمية التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم فيما يخص ملء وتشغيل السد، بما يراعى عدم الإضرار بدولتى المصب ويحافظ على حقوقهما المائية».
هذه الأسباب مجتمعة، هى عنوان عريض للتقارب المصرى السودانى الذى حدث فى الفترة الأخيرة، بعد استشعار البلدين مخاطر السلوك الإثيوبى على جميع الأصعدة.. ففى أزمة السد، تراوغ أديس أبابا فى التفاوض، وتتخذ إجراءات أحادية الجانب تهدد فرص الحل السياسى لهذه القضية المصيرية لشعبى البلدين، كما أنها فى الوقت نفسه تحاول انتهاك سيادة الأراضى السودانية على خط الحدود المشترك بينهما بشكل شبه يومى خلال الآونة الأخيرة، وهو ما أدى إلى وقوع اشتباكات مسلحة عنيفة بين الجانبين سقط خلالها الكثير من الضحايا.
إذن إعلان إثيوبيا عن استعدادها للتفاوض بنية حسنة، لم يكن نابعا من رغبة صادقة فى إيجاد نهاية حقيقية ومنطقية لأزمة السد، بما لا يضر بالمصالح الحيوية لدولتى المصب، ولو كان لديها فعلا هذه الرغبة الصادقة كما تدعى، فلماذا مارست كل هذا التسويف والخداع والمماطلة خلال السنوات العشر للتفاوض، وأجهضت أى أمل فى حدوث اختراق حقيقى فى هذا الملف، وعرقلت الوصول إلى اتفاق قانونى واضح يحمى حقوق الجميع فى مياه نهر النيل؟.
أديس أبابا ترغب فى أمر واحد فقط، وهو إطالة أمد التفاوض حتى تفرض الأمر الواقع على الجميع، وتنتهى من بناء السد من دون أى اتفاق ينظم عملية الملء والتشغيل، كما أنها تسعى عبر دعوتها للتفاوض مجددا إلى محاولة تفكيك التقارب المصرى السودانى الذى بدا واضحا أنه يثير قلقها إلى درجة كبيرة، وبالتالى فإن المطلوب من مصر والسودان خلال الفترة المقبلة، عدم الوقوع فى الفخ الإثيوبى المعتاد، والمتمثل فى «التفاوض من أجل التفاوض»، وتعميق التقارب والتعاون بينهما فى مختلف المجالات، وعدم استبعاد أى خيار فى التعامل مع أى محاولة لتهديد أمن وحياة شعبيهما.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved