بايدن وحلفاؤه الأوروبيون.. محددات التعاون

عزت سعد
عزت سعد

آخر تحديث: الجمعة 5 مارس 2021 - 8:10 م بتوقيت القاهرة

فى ملاحظاته أمام مؤتمر ميونخ حول سياسات الأمن فى 19 فبراير الماضى، عبر تقنية الفيديو كونفرانس، بدا الرئيس الأمريكى الجديد معولا، وبشدة، على حلفائه الأوروبيين وشراكته معهم لمواجهة التحديات المرتبطة بأجندته الخارجية، وهو ما كان قد أكده فى خطابه الأول حول السياسة الخارجية فى 4 فبراير الماضى عندما اعتبر أن تعاون الحلفاء والشركاء هو «المفتاح» للتعامل مع تلك التحديات.
وفى ميونخ خاطب بايدن مستمعيه قائلا: «نحن فى خضم نقاش أساسى حول مستقبل العالم واتجاهه. نحن أمام منعطف فاصل بين أولئك الذين يقولون إنه بالنظر إلى كل التحديات التى نواجهها ــ من الثورة الصناعية الرابعة إلى وباء عالمى ــ فإن الاستبداد هو أفضل طريق للمضى قدما، كما يقولون، وأولئك الذين يفهمون أن الديمقراطية ضرورية لمواجهة تلك التحديات». وفى هذا السياق، أكد بايدن أن الديمقراطية ستسود «ويجب أن تسود». وانتقد بايدن الصين قائلا «يجب أن نستعد معا لمنافسة استراتيجية طويلة الأمد مع الصين»، وأنه يتوقع أن تكون هذه المنافسة «شديدة». وأسهب بايدن فى الحديث عن ما يتوقعه من تعاون من حلفائه الأوروبيين لمواجهة الصين فى مجالات عديدة منها الملكية الفكرية ومواجهة الانتهاكات الاقتصادية، وصياغة قواعد تحكم التكنولوجيا ومعايير السلوك فى الفضاء الإلكترونى والذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا الحيوية والدفاع عن القيم الديمقراطية. ولم يفت بايدن مهاجمة روسيا ــ بوتين، متهما إياها بالسعى «لإضعاف المشروع الأوروبى وحلفنا ــ حلف شمال الأطلسى وتقويض وحدته».
والحال كذلك، اعتبر بايدن أن الدفاع عن سيادة أوكرانيا وسلامتها الإقليمية لا يزال مصدر قلق حيوى لأوروبا والولايات المتحدة: ولهذا السبب، «أصبح التصدى للتهور الروسى واختراق شبكات الحاسوب، فى الولايات المتحدة وعبر أوروبا والعالم، أمرا بالغ الأهمية لحماية أمننا الجماعى». واعتبر بايدن أن التحديات مع روسيا «قد تكون مختلفة عن التحديات مع الصين، ولكنها حقيقية بنفس القدر».
وخلص بايدن إلى نتيجة مفادها أنه لا يؤلب الغرب ضد الشرق وأنه لا يريد نزاعا مع أحد وإنما مستقبلا تستطيع فيه جميع الدول أن تقرر بحرية مسارها دون تهديد بالعنف أو الإكراه، وأنه «لا يمكننا، ولا يجب، أن نعود إلى المواجهة والتكتلات الجامدة للحرب الباردة. ولا يجب أن تؤدى المنافسة إلى وقف التعاون بشأن القضايا التى تؤثر علينا جميعا»، مشيرا فى ذلك إلى وباء كوفيد ــ 19 كمجال للتعاون الدولى الشامل.
***
والحقيقة أنه بعيدا عن تأكيدات بايدن، سواء أمام مؤتمر ميونخ أو فى خطابه الأول حول السياسة الخارجية، من أن التحالفات القوية هى المفتاح لردع «الطموحات المتزايدة للصين لمنافسة الولايات المتحدة»، فضلا عن كونها اعترافا ضمنيا بعجز واشنطن عن مواجهة الصين أو روسيا وحدها بجانب اعترافه الضمنى أيضا بالإرث الداخلى الثقيل الذى خلفه له سلفه، وإلى أن تبلور الإدارة الجديدة مقاربتها تجاه بكين، ثمة تطوران رئيسيان سيجعلان من الصعوبة بمكان تماشى الأوروبيين مع حليفهم الأمريكى كما كان الحال فى السابق، أو على الأقل إلى المدى الذى يطمح إليه الرئيس الجديد فى تنافسه المنتظر مع الصين.
أما التطور الأول فيتعلق بسياسات ترامب تجاه أوروبا على مدى السنوات الأربع الماضية، والتى لا يمكن محوها ببساطة؛ حيث يعد أول رئيس فى تاريخ الشراكة عبر الأطلنطى الذى نظر إلى الاتحاد الأوروبى على أنه تهديد، وأنه استفاد من الضمانات الأمنية الأمريكية بالمجان كما انسحب ترامب من الاتفاق النووى مع إيران بالإرادة المنفردة، وهو الاتفاق الذى نظر إليه الاتحاد الأوروبى على أنه إنجاز دبلوماسى، وهدد بشن حرب تجارية وأيد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، واصفا إياه بأنه «انتصار عظيم» وقوض تعددية الأطراف التى هى جوهر سياسة الاتحاد الأوروبى. ولم يكتف ترامب بذلك، بل أشعل الانقسام فيما بين أعضاء الاتحاد، وحظى بشعبية متزايدة فى أوساط اليمين المتطرف، مما ساهم فى إضعاف قدرة أوروبا على الوحدة.
والمعضلة هنا تتمثل فى أن ممارسات إدارة ترامب، وعدم وجود أية ضمانات بإمكانية عودة ترامب آخر لحكم الولايات المتحدة خاصة فى ضوء القاعدة الشعبية التى صوتت للرئيس السابق ورفض أغلبية الجمهوريين إدانته فى الكونجرس بعد تحريضه على اقتحام مبنى الكابيتول، قد أدت إلى تآكل مصداقية الولايات المتحدة لدى الحلفاء والشركاء على نحو ما أكده كتاب أمريكيون كثر يتحدثون عن «عالم ما بعد أمريكا».
وقبيل تنصيب بايدن رسميا بأسابيع، جاء التطور الثانى والمرتبط بالأول بشدة ممثلا فى إبرام الاتحاد الأوروبى مع الصين اتفاقا شاملا للاستثمار فى 30 ديسمبر الماضى بعد سبع سنوات من المفاوضات ودون أى تشاور مع واشنطن. وقد وصف الاتفاق ــ الذى لعبت الرئاسة الألمانية للاتحاد الأوروبى دورا حاسما فى إنجازه ــ بأنه الفوز الأكثر طموحا الذى حققته بكين مع أى طرف آخر على الإطلاق. وفضلا عن ذلك، ومنذ عام 2018 ــ العام الذى شن فيه ترامب حربه التجارية ضد الصين ــ انخرطت بروكسل وبكين فى حوار مؤسسى بشأن آفاق إصلاح منظمة التجارة العالمية، كما طرحت المفوضية الأوروبية ورقة فى مارس 2019 تحت عنوان «الاتحاد الأوروبى والصين ــ رؤية استراتيجية» اعترف فيها الاتحاد الأوروبى صراحة بأن الصين تعد «منافسا استراتيجيا» وأيضا «منافسا اقتصاديا»، مع تأكيد أهميتها «كشريك تعاون». وبحسب خبراء أوروبيين جاءت الورقة نتيجة لإدراك أوروبى متزايد بالحاجة إلى التعامل بشكل أفضل مع تحديات النموذج الاقتصادى الذى تقوده الصين، وضرورة إعادة التوازن فى العلاقات معها من خلال المشاركة ــ على الصعيدين الثنائى والمتعدد الأطراف ــ عبر تعزيز أدوات الاتحاد المستقلة والاستفادة من آليات الإنفاذ.
والمعنى هنا أن الصين نجحت خلال العقدين الماضيين فى خلق حالة من الاعتماد الاقتصادى والتجارى المتبادل مع الاتحاد الأوروبى، لاسيما القوى الرئيسية فيه، من خلال تعزيز شراكاتها معه عبر سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية المتعددة الأطراف إلى الحد الذى يصعب معه على شركاء الصين التماشى مع ما قد تمارسه الولايات المتحدة من ضغوط عليهم سواء كانوا حلفاء أو شركاء.
***
وبطبيعة الحال هناك الكثير من الملفات التى يمكن للاتحاد الأوروبى أن يلعب فيها أدوارا نشطة تخدم مصالحه ومصالح حليفته الولايات المتحدة مثل ملفات الصحة العامة والبيئة والتجارة الدولية بجانب ملفات تهمنا نحن هنا فى العالم العربى والشرق الأوسط أبرزها ــ بجانب الملف النووى الذى تتقارب فيه مواقف الأوروبيين والحزب الديمقراطى ــ الدور التركى فى شرق المتوسط والشرق الأوسط، كما سيشمل حوار بروكسل وواشنطن الدور الروسى فى أوروبا وفى المنطقة، فى ظل تعاظم هذا الدور بإنشاء قواعد عسكرية دائمة ينظر إليها على أنها تهديد للمصالح الغربية فى المنطقة. وحتى بالنسبة للدورين التركى والروسى، من غير المنتظر أن يكون للأوروبيين موقف موحد فى هذا الشأن وسيصعب على ألمانيا بصفة خاصة اتخاذ مواقف حاسمة تجاه أنقرة وموسكو لتشابك مصالحها مع البلدين.
ومن الطبيعى أن يرحب الاتحاد الأوروبى بفكرة بايدن عقد قمة عالمية من أجل الديمقراطية فى عام 2021، وهو توجه يتماشى مع فكرة اقترحتها المملكة المتحدة فى مايو 2020 لإنشاء تجمع جديد لعشر ديمقراطيات رائدة: مجموعة السبع وكل من كوريا الجنوبية والهند وإسرائيل – «لإنشاء موردين بديلين لمعدات الجيل الخامس والتقنيات الأخرى لتجنب الاعتماد على الصين».
وتوحى التصريحات الأخيرة للقادة الأوروبيين بأنهم لا يتوقعون عودة العلاقات عبر الأطلسى إلى ما كانت عليه من قبل، فلا يزال العديد من القضايا المعلقة مثل الإنفاق الدفاعى والضرائب الرقمية التى تُطالب دول الاتحاد الأوروبى فرضها على الشركات الأمريكية، والقضايا التجارية وغيرها، نقاط خلاف رئيسية يأمل الاتحاد الأوروبى فى التوصل إلى حلول لها من خلال الحوار. وفى هذا السياق يعتقد الخبراء الأوروبيون أن التنسيق الأفضل فيما بين دول الاتحاد بشأن الملف الصينى قد يساعد فى إقناع واشنطن بأن إجبار الشركاء على الاختيار الثنائى بينها وبين بكين لا يؤتى ثماره دائما، وأنه ينبغى أن تعكس العلاقات عبر الأطلنطى تحول ميزان القوى بعيدا عن الغرب، وأن التعاون بين واشنطن وبروكسل، أيا كان مستواه، لابد وأن يكون شاملا ومنفتحا على المشاركة والشراكة مع كل الدول حول العالم.
أخيرا تجدر الإشارة إلى أن الكثيرين من النخبة الأوروبية طالبوا خلال السنوات الأخيرة بضرورة تبنى أوروبا سياسة مستقلة وبأن يكون الاتحاد الأوروبى أكثر حزما فى سياسته الخارجية ومكانته الدولية. وقد بدا بعض كبار مسئولى الاتحاد أكثر وعيا بدور أوروبى مستقل مؤخرا، ومنهم أورسولافون ديرلاين رئيسة المفوضية التى أكدت التزامها بـ«أوروبا جيوسياسية» وبأن مسئوليات الاتحاد فى مجالات الأمن والدفاع المشترك يجب أن تترجم إلى مقاربات عملية واضحة فى علاقاته بالقوى الرئيسية فى العالم، لاسيما كل من الولايات المتحدة والصين وروسيا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved