إيران ..عدو أم حليف؟

مصطفى النجار
مصطفى النجار

آخر تحديث: الجمعة 5 أبريل 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

من هم الشيعة؟ لماذا يمثلون خطرا على ديننا؟ لماذا يهدد وجودهم بلادنا؟ كانت هذه الأسئلة إعلانا على لافتات كثيرة انتشرت فى أحد أحياء القاهرة الراقية للدعوة إلى ندوة تنظمها مجموعات سلفية رأت أن التقارب فى العلاقات بين مصر وإيران يمثل كارثة دينية وخطرا داهما يجب تحذير المصريين منه.

 

من الحماقة والسطحية أن يكون معيار العلاقات الدولية هو البعد الدينى ومن التشوه أن يصبح البعد الطائفى هو المحدد للعلاقات بين الدول، وحين يرضخ نظام سياسى لضغوط مجموعات متشددة دينيا فى رسم خريطة علاقاته بالدول الأخرى فإن هذا النظام لا يقدر المصلحة العامة للبلاد التى تتحدد وفق معايير أخرى أهم وأعمق من البعد الدينى والطائفى الضيق.

 

•••

 

هناك عدة محددات للعلاقات المصرية الايرانية الحالية منها:

 

أولا: العلاقات المصرية الأمريكية والإسرائيلية: تنظر أمريكا واسرائيل ببالغ القلق لأى تقارب مصرى إيرانى وتراه موجها ضدها وضد فكرة حشد المحور السنى ضد المحور الشيعى وحلفاءه للحفاظ على مصالحها وتوازن القوى فى المنطقة وحماية أمن إسرائيل، لذلك فإن اتخاذ القرار بشأن العلاقات المصرية الإيرانية وطبيعة العلاقة بين البلدين سيراعى هذا البعد، ويخضع لتلك الحسابات وستكون قدرة النظام المصرى على تحقيق استقلالية القرار الوطنى وبعده عن التبعية عاملا مهما فى بلورة هذه العلاقات.

 

ثانيا: العلاقات المصرية الخليجية: مخاوف دول الخليج من إيران لا تنتهى والمطامع الإيرانية وأوراق الضغط التى تملكها إيران داخل هذه الدول غير خفية، ولا تنسى إيران الدعم الخليجى الكامل لنظام صدام حسين إبان الحرب العراقية الإيرانية، ورغم هذا العداء الظاهر فإنه من المثير للدهشة أن حجم التبادل التجارى بين إيران ودول الخليج مرتفع للغاية وحجم الاستثمارات الإيرانية فى دولة مثل الإمارات لا يوحى بوجود أى مشاكل سياسية بين الطرفين، ورغم ذلك فالنظام المصرى يدرك هذه الحساسية ويضعها فى حساباته باستمرار حتى لا تؤثر على منظومة العلاقات المصرية الخليجية التى تمر بتوتر شديد منذ قيام الثورة باستثناء دولة قطر.

 

ثالثا: خطر إيران على الأمن القومى المصرى: يمثل الخوف من الاختراق الاستخباراتى الإيرانى لمصر حاجزا كبيرا أمام تطور العلاقات المصرية الإيرانية نظرا لقوة جهاز المخابرات الإيرانى واستراتيجيات تعامله فى المحيط الإقليمى ووجود تجارب قاسية اثر التدخل الإيرانى مثل العراق وأفغانستان والبحرين، ورغم اختلاف ظروف مصر عن هذه الدول فإن التخوفات الأمنية متفهمة ومشروعة.

 

رابعا: الموقف الإيرانى من النظام السورى: يمثل الدعم الإيرانى المباشر للنظام السورى وتمسك إيران ببقاء بشار الأسد رغم كل المذابح التى ارتكبها ضد شعبه عائقا أمام محاولات التقارب نظرا للضغوط الداخلية التى تواجه النظام عبر الرفض الشعبى الذى يدعم تغيير النظام السورى ويرى ضرورة مساندة الثورة السورية رغم الحالة الضبابية التى تحيط بها الآن، ويمثل الملف السورى لإيران ملفا استراتيجيا غير قابل للتفاوض حوله ولا تقديم تنازلات وهذا يسبب حرجا بالغا للإدارة المصرية التى لن تجرؤ على تطبيع العلاقات بالكامل مع استمرار الدعم الإيرانى لنظام بشار القاتل لشعبه.

 

خامسا: الظروف الاقتصادية لمصر: تمر مصر بحالة بالغة السوء من التردى الاقتصادى وهروب رأس المال وانخفاض الاستثمارات مع انهيار العملة المحلية والعجز عن توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين وتنعكس الحالة الاقتصادية على صانع القرار السياسى فى توجهه ناحية ملف العلاقات الخارجية لأنه بقدر نجاحه وحنكته فى صناعة التوازنات وابرام الشراكات سيستطيع أن يخرج من مأزق التراجع الاقتصادى، لذلك ففتح نافذة جديدة للاستثمار والتبادل التجارى مع دولة كبرى مثل إيران قد يكون مهما فى ظل حالة الجدب الاقتصادى الحالى.

 

•••

 

فى ضوء هذه المحددات وبإغفال البعد الطائفى الدينى شديد الحماقة الذى يتعامل مع المصريين كشعب فارغ يسهل اختراقه وتغيير هويته الثقافية والدينية، يجب أن يكون التعامل مع هذه القضية بحذر شديد وبتوسط وتدرج يراعى كل هذه المحددات، ويحاول التوفيق بينها بما يحقق مصلحة مصر.

 

وعلى الجانب الآخر يجب متابعة حالة الحراك الداخلى والتغيير الصامت الذى يحدث فى بنية النظام الإيرانى والصراع بين الإصلاحيين والمحافظين. حيث شكل صعود التيار الإصلاحى خاصة بعد وصول الرئيس محمد خاتمى إلى رئاسة الجمهورية عام 1997 مرحلة جديدة، تبنّت فيها طهران خطابا فيه مرونة أكثر مع العالم العربى والغربى، وكان له انعكاسات إيجابية، لكن هذا التحسن عاد إلى المربع الأول بعد وصول الرئيس المحافظ أحمدى نجاد عام 2005 إلى السلطة وتبنيه خطابا راديكاليا تسبب فى إثارة مخاوف الجميع.

 

وبحلول عام 2009 وتفجر أزمة الانتخابات الرئاسية الإيرانية ظهر جليا تآكل رصيد الثورة الايرانية التقليدى ومنهج الخمينى الذى أسس الدولة الإيرانية الجديدة فى بداية الثمانينيات، ورغم سيطرة النظام الحاكم على الأوضاع بقبضة حديدية فان حالة التفاعل والغضب داخل الأجيال الشابة تنبئ أن إيران على وشك تغيير جذرى تحمله السنوات المقبلة.

 

مصر يجب أن تبحث عن مصالحها وأن تستغل التناقضات الدولية والإقليمية لزيادة رصيدها ومضاعفة أوراق الضغط ومساحات النفوذ بحثا عن إعادة الريادة الإقليمية فى المنطقة التى تراجعت بشدة فى العقد الأخير، لذلك على من يرسمون سياسات مصر الخارجية أن يتحرروا من عقد الماضى وأوهام الحاضر وأن تتحول سياستنا الخارجية الى أحد عوامل الإنعاش الداخلى على كل المستويات.

 

التجربة التركية فى إعادة صياغة علاقاتها الدولية وسياستها الخارجية بها دروس مهمة ينبغى التعلم منها وإدراك أن إصلاح الداخل لن يمكن فى بيئة منعزلة عن العالم الذى نتأثر بما يدور فيه شئنا أم أبينا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved