اللسان السياسى

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 5 أبريل 2016 - 10:45 م بتوقيت القاهرة

هناك تعبير يُستخدم على نطاق واسع هو «العقل السياسى»، يشير إلى الأفكار والرؤى والاتجاهات التى تقف خلف السلوك السياسى. القضية الآن ليست السباحة فى الأفكار، والنقاش حول العقل، فقد أصبح ذلك على ما يبدو ترفا، ولكن التحدى الآن هو تهذيب اللسان السياسى، الناطق بالعبارات، ومُصدر التصريحات، بحيث يقول كلاما متناسقا، مفهوما، لا توجد فيه بذاءات، أو شطط، أو عبارات فى غير محلها، جمل مفهومة، مباشرة، طبيعية، حتى إن لم تحمل فكرا خلابا، أو رؤية نافذة.

الحديث فى ذلك يتسع، حيث كثيرا ما يصدر عن الوزراء تصريحات تتحول إلى مادة شيقة على مواقع التواصل الاجتماعى، والتى بالمناسبة تنشغل كثيرا بظاهر الكلام، وتتسقط العبارات المثيرة من التصريحات الإعلامية التى أحيانا ما تأتى متعجلة وغير مناسبة على ألسنة الوزراء، ولا ينشغل رواد التواصل الاجتماعى بتقييم العمل الوزارى تقييما حقيقيا، أيا كان ايجابيا أو سلبيا. هكذا ندور فى دائرة مفرغة من التصريحات، والتعليقات، ثم نعود دائما إلى المربع رقم واحد. وهى بالمناسبة ممارسة محبطة.

أزمة «اللسان السياسى» ممتدة. تصريح انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى يربط بين الاستثمار والزواج، وهناك وزيرا عدل أطيح بهما، على الأقل علنا، بسبب تصريحات إعلامية، وهناك انتقادات لاحقت مسئولين بسبب تصريحات غير معبرة عما يريدون قوله، وخلقت مناخا سلبيا حولهم حتى إن لم تفض إلى إقالتهم، مثل القول بأن الصعايدة سبب مشاكل مصر، وكان المقصود أن الهجرة من الصعيد إلى القاهرة سببت مشكلات للمدن، ووزير آخر يقول إن لدينا خبراء يستطيعون تطوير التعليم فى العالم، وهى عبارة بالتأكيد فيها مبالغة فى غير موضعها، ونفاق للذات على حساب الواقع الذى يشهد ترديا.

الحديث يطول عن زلات اللسان، وسوء حديث اللسان، وغياب حصافة اللسان، وهو ما يعنى غياب اللسان السياسى، الذى يعى ما يقول، ويصل الأمر إلى الشتائم والسباب، والتجريح والتطاول، واتخاذ المنابر الإعلامية ساحات للشماتة، وهو ما أدى بالفعل إلى انصراف العديد من أصحاب المعرفة والخبرات والحس الوطنى من الساحة العامة، وعزوفهم عن تولى مواقع عامة حتى يحافظوا على استقرارهم النفسى، وينأوا بأنفسهم وذويهم عن التلاسن الإعلامى، واستباحة خصوصياتهم. ويبرز فى المشهد مجموعة ممن يطلقون عليهم فى سوريا «الشبيحة» الذين يشيعون لغة منحطة، تمتلئ بالبذاءة والتخوين والتشكيك والاتهامات الباطلة، وقد أدى تضاؤل المنتج التعليمى إلى عدم تشكيل وجدان أجيال صاعدة بالثقافة والقيم والمشاعر الايجابية، بما يتيح لهم القدرة على التعبير السليم عن الأفكار دون تجاوز أو شطط أو إساءة.

فى رأيى أن غياب العقل السياسى أدى إلى غياب اللسان السياسى، فاللسان ينطق بما يجول فى العقل، ومن الطبيعى أن يؤدى خواء العقل، وغياب القدرة على التأمل، وتضاؤل المعرفة الثقافية إلى إفراز لسان غير منتج، يثرثر، ويتحدث لغة العوام، وينشغل بالخصوصيات، والأحاديث التافهة، ويعجز عن التواصل البناء مع الآخرين. إذا كانت هذه مشكلة الناس، فما بالنا أن تنتقل إلى أهل السياسة والإعلام والثقافة؟

سامح فوزى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved