جمهورية مصر..الأمريكية

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 5 أبريل 2017 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

للمرة المائة يجد المرء نفسه أمام «مصرين لا مصر واحدة». فعلى إيقاع الطبل البلدى ورقصة التنورة والزفة الشعبية والإعلامية التى ترافق الرئيس عبدالفتاح السيسى فى زيارته المهمة لأمريكا، عشنا أسبوعا مع «جمهورية مصر الأمريكية» الدولة القوية التى تسعى واشنطن إلى التقارب معها والوجهة الاستثمارية الجاذبة لرجال الأعمال الأمريكيين، والنظام السياسى المتماسك القوى ودولة المؤسسات التى لا يمكن لأحد أن يتدخل فى شئونها، ودولة ذات مؤسسات إعلامية غنية قادرة على إرسال العشرات إلى واشنطن لتغطية زيارة رئيسها دقيقة بدقيقة.

فى الوقت نفسه تبقى معنا «جمهورية مصر العربية» الدولة التى يسعى فيها البرلمان إلى القضاء على استقلال القضاء بمشروع قانون تم تمريره خلال أقل من نصف ساعة ودون السماح للأعضاء بمناقشته كما رأينا فى البث التلفزيونى للجلسة، والدولة التى يعجز فيها البرلمان عن إصدار قانون من مادة واحدة بشأن علاوة الموظفين على مدى أكثر من 9 أشهر منذ بداية العام المالى الحالى فى يوليو الماضى، والدولة التى تحتفل بباكورة إنتاج المزارع السمكية العملاقة فى منطقة قناة السويس فترتفع أسعار السمك إلى الضعف.

وبالطبع لن يجادل عاقل فى أن «جمهورية مصر الأمريكية» هى الصورة المزيفة والمؤقتة والمختلقة، فى حين أن الصورة الحقيقية والأصلية والثابتة إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا هى صورة «جمهورية مصر العربية» التى يقودها القائمون على أمرها بدون أى رؤية مدروسة ويورطونها فى مشروعات عملاقة بدون أى جدوى اقتصادية فتكون النتيجة قفزات متلاحقة فى معدل الدين العام وانهيار للعملة المحلية وسقوط الملايين كل يوم فى دائرة الفقر بعد سنوات من الكفاح للبقاء داخل دائرة الستر.

زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للولايات المتحدة مهمة، لا شك، والتقارب بينه ونظيره الأمريكى دونالد ترامب شيء إيجابى، وقد تستفيد منه مصر وقد لا تستفيد لكن «الزفة البلدي» التى يقوم بها «ألتراس الإعلام الموالى» للسلطة مبالغ فيها وغير مبررة. فهل نسى هؤلاء الإعلاميون الذين ملأوا الدنيا ضجيجا عن «الكيمياء» بين الرئيس عبدالفتاح السيسى ونظيره الروسى فلاديمير بوتين باعتبارهما «رجال مخابرات زى بعض»، وعن عودة التحالف المصرى الروسى، فماذا كانت النتيجة؟، روسيا وجهت لمصر ضربة مؤلمة، عندما حظرت رحلات الطيران بين البلدين على خلفية حادث سقوط طائرة الركاب الروسية، وأجبرت مصر على قبول استيراد القمح الروسى الملوث بالأرجوت على الرغم من أنها لم تفعل ذلك مع تركيا التى أسقطت لها عامدة متعمدة طائرة مقاتلة، والتى فشلت فى حماية سفير روسيا لديها من الاغتيال على الهواء مباشرة، وهى التى تعانى حربا إرهابية أشد شراسة وأوسع نطاقا مما تواجهه مصر.

إذن يجب ألا نبالغ فى الحديث عن الدعم الأمريكى المنتظر على خلفية «الكيمياء بين السيسى وترامب» حتى لا يصاب الناس بإحباط جديد عندما يكتشفون أن الأمر لا يعدو زفة إعلامية جديدة على غرار زفة «مصر وروسيا » والمؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ والمليون ونصف المليون فدان ومزارع الأسماك وغير ذلك من الأوهام التى تسابق الإعلام الموالى فى تسويقها قبل أن يكتشف الناس أنها لم تكن أكثر من «فنكوش».

أخيرا، يجب أن نتجاوز سريعا «جمهورية مصر الأمريكية» لنركز على «جمهورية مصر العربية» التى تدفع وستدفع ثمن غياب برلمان حقيقى قادر على التعبير عن مصالح الشعب والتصدى لانحرافات السلطة التنفيذية، كما تفعل كل برلمانات «خلق الله»، والتى تدفع وستدفع ثمن شعور السلطة التنفيذية بأنها صاحبة الأمر والنهى فى كل ما يخص البلاد والعباد، فتبدد الموارد فى مشروعات بدون دراسة، وتغرق البلاد فى دوامة القروض الداخلية والخارجية دون أن تقول لنا أين تنفقها ومن أين ستسددها؟

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved