فلسطينيون في البرلمان الإسرائيلي

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الأحد 5 أبريل 2020 - 10:45 م بتوقيت القاهرة

 لقد حققت القائمة العربية المشتركة– وهي مكونة من مجموعة أحزاب– فوزا ملحوظا في الانتخابات الإسرائيلية العامة الأخيرة التي أجريت في 2 مارس 2020، وأصبحت القائمة العربية المشتركة في المرتبة الثالثة بين الأحزاب الإسرائيلية الفائزة في هذه الانتخابات حيث حصلت على 15 مقعدا في الكنيست (البرلمان) بينما حصل حزب الليكود بزعامة نتنياهو على 36 مقعدا، وحصل حزب أزرق أبيض بزعامة بيني جانتس على 33 مقعدا، وذلك من إجمالي مقاعد الكنيست 120 مقعدا.
وإزاء رغبة كتلة اليسار وهي رغبة بيني جانتس في أن يشكل حكومة برئاسته فقد دخل في مفاوضات مطولة مع أحزاب كتلة اليسار – وهي أحزاب العمل – وجيشر، وميرتس، والقائمة العربية المشتركة من أجل الحصول على أغلبية 61 مقعدا يوصون رئيس الدولة بتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة. كما أعلن رئيس حزب إسرائيل بيتنا أفيحيدور ليبرفان موافقته على الانضمام إلى هذا التحالف، وله 7 مقاعد ليكمل الأغلبية المطلوبة ولكن بقائمة شروط قدمها لجانتس وقبلها ومن أهم بنودها تجنيد اليهود المتدينين (الحريديم) والسماح بالعمل والمواصلات العامة يوم السبت، والسماح بالزواج المدني لليهود غير المتدينين، وزيادة أجور ورواتب المعاشات.
أما القائمة العربية المشتركة فقدمت قائمة بمطالبها إلى جانتس حتى توافق على دعمه لدى رئيس الدولة لتكليفه بتشكيل الحكومة، وسيكون هذا الدعم في الكنيست دون مشاركتها في مناصب وزارية، وقد ترأُس بعض اللجان في الكنيست، وأهم هذه المطالب التي وافق عليها جانتس هي:
• رفض أى مخطط أحادي الجانب بشأن القضية الفلسطينية (أي صفقة القرن).
• التأكد بأن المسجد الأقصى مكان لصلاة المسلمين فقط ومنع اقتحامات المستوطنين الإسرائيليين له.
• أن القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.
• وضع خطة اقتصادية شاملة للمجتمع العربي في إسرائيل.
• الاعتراف بالقرى المسلوبة في النقب وحل قضيتى قريتي أفرث وكفر برعم.
• إلغاء قانون كافتس الذي يبيح للسلطات الإسرائيلية هدم منازل الفلسطينيين.
وكان جانتس يدرك أن قبوله لهذه المطالب شئ مؤقت وبهدف أساسي بل يكاد يكون الوحيد، وهو تشكيل حكومة يعلم أن عمرها قصير لأنها تجمع متناقضات يصعب بل يكاد يستحيل أن تلتقي في المدى المتوسط ولا في الأهداف والاحتياجات الاستراتيجية، وأبرزها التناقض بين عقيدة ليبرمان اليمينية المتطرفة والذي لا يؤيد قيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967، ويؤمن بأن القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل. ولكنه قبل أن يشترك مع القائمة العربية المشتركة – في دعم تكليف جانيس بتشكيل الحكومة نكاية في نتنياهو ولإزاحته من رئاسة الحكومة، والحيلولة دون خطته في الاتجاهات لانتخابات رابعة في عام واحد إذا لم يشكل هو الحكومة ويرأسها.
***
ولكن بعد أن كلف رئيس إسرائيل رسميا جانتس بتشكيل الحكومة خلال الفترة القانونية المحددة وهي 28 يوما يضاف إليها أسبوعين، بدأت تظهر الصعوبات والعقبات على السطح وعلانية، واشتدت حملة نتنياهو ضد تعاون جانيس مع القائمة العربية المشتركة التي يتهمها بأنها تؤيد الإرهابيين – وهو يقصد بذلك المقاومة الفلسطينية، واختلفت آراء نائبين في حزب أزرق أبيض على تعاون جانتس مع القائمة العربية المشتركة، وهو ما يعني عدم ضمان جانتس الحصول على الأغلبية في الكنيست حتى لو نجح في تشكيل الحكومة إذا امتنع هذان العضوان في حزبه عن منح الثقة للحكومة. كما أجرى استطلاع للرأي العام أسفر عن أن 55% ممن أبدوا رأيهم لا يؤيدون تعاون جانتس مع القائمة العربية المشتركة بينما أن تعاونه معها 35% وهو ما أعطى دلالة قوية على أن هذا الائتلاف لا يلقي قبولا عاما وسيكون عمره أقصر مما يتصور وأن الأمر في النهاية قد يعود إلى المربع الأول من المفاوضات بين نتنياهو وجانتس لتشكيل حكومة وحدة.
***
واستطاع نتنياهو استغلال هذا الموقف من ناحية، وتقديم عرض تقاسم المناصب الوزارية مناصفة بين الليكود وأزرق أبيض حتى لو حدث انقسام في الأخير. وقبل جانتس عرض نتنياهو بتشكيل حكومة وحدة مدتها ثلاث سنوات تكون رئاستها مناصفة بينهما على أن يرأسها نتنياهو في المرحلة الأولى.
وبهذا الاتفاق استبعدت القائمة العربية المشتركة، وبدت لها كأن جانتس استخدمها في مناورة سياسية مع نتنياهو للحصول على مكاسب أكبر، كما أكدت ذلك المغزي الحقيقي لقانون يهودية دولة إسرائيل ومطالبة السلطة الفلسطينية بالاعتراف بذلك كشرط لأي تسوية سلمية دائمة معها. وقد هاجمت القائمة العربية المشتركة جانتس لاتفاقه مع نتنياهو واعتبرته "غير أخلاقي" وقال أيمن عودة رئيس القائمة أنه سبق أن أوضح لجانتس أن أمامه طريقين، إما التعاون مع القائمة للانتصار معا وتنظيف الحياة السياسية من الفساد والعنصرية، أو أن يستسلم لوحده ويناصر طريق الفساد والعنصرية. واعتبر آخرون أن هذا الاتفاق خيانة لكل الوعود السابق الاتفاق عليها واتهموا جانتس بأنه ذهب إلى نتنياهو زاحفا على بطنه.
***
إن الفلسطينيين في إسرائيل، أو كما يسميهم الإسرائيليون الأقلية العربية، يمثلون 20% من سكان إسرائيل أي نحو 2 مليون نسمة، وهم امتداد للفلسطينيين الذين بقوا في بيوتهم وأراضيهم بعد حرب 1948 وقيام دولة إسرائيل التي أصدرت قانونا في 4 يوليو 1952 يمنح الجنسية الإسرائيلية لكل المقيمين منهم داخل الخط الأخضر، أي خط الهدنة، حتى تاريخ إصدار القانون المشار إليه، وقد أغلق الباب أمام من لم يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم وأراضيهم قبل هذا التاريخ حيث يمنعهم القانون من دخول إسرائيل كمواطنين أو سكان محليين. وقد حصل على الجنسية الإسرائيلية عام 1952 نحو 167 ألف فلسطيني.
وقد فرضت إسرائيل الحكم العسكري على جميع المدن والقرى التي يقيم فيها الفلسطينيون منذ إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 واستمر ذلك حتى عام 1966 عندما أنهى الحكم العسكري عليها. ويقيم الفلسطينيون في إسرائيل في خمس مناطق رئيسية هي منطقة الجليل والمثلث الشمالي، والقدس الشرقية، وشمال النقب. وتتماهى ثقافة أغلبيتهم مع التراث الثقافي العربي والهوية الفلسطينية، بينما يميل البدو في الجليل والنقب، والموحدين الدروز إلى التماهي إلى حد ما مع الهوية الإسرائيلية.
ومنذ أن أعلنت إسرائيل توحيد القدس وضمها إليها واعتبارها، بالمخالفة للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، عاصمة رسمية لها، تغير وضع القدس الشرقية وسكانها المقدر عددهم بنحو 280 ألف نسمه، وتصاعد عمليات تهويدها وبناء المستوطنات منها، وإتاحة حصول الفلسطينيين في القدس الشرقية على الجنسية الإسرائيلية، وقد رفضت أغلبيتهم ذلك من منطق رفضهم الاعتراف بادعاء إسرائيل السيادة على القدس الشرقية منذ عام 1968، وأصبحوا يعاملون كمقيمين دائمين، في ظل قيود وشروط بالغة الصعوبة وإن كل من يسافر للخارج ويتغيب أكثر من ستة أشهر لا يحق له العودة إلى بيته وأهله في القدس الشرقية، وهذا إلى جانب الضرائب العالية التي تفرض عليهم. ولهم حق التصويت في الانتخابات الإسرائيلية، أما من يرغب منهم في المشاركة في الانتخابات الفلسطينية فإنهم يدلون بأصواتهم في أظرف مغلقة يسلمونها لمكتب البريد وكأنهم مقيمون خارج الأراضي الفلسطينية، وتم تطبيق ذلك في انتخاب الرئاسة الفلسطينية عام 2005 والانتخابات الفلسطينية التشريعية في عام 2006.
ومعظم المناطق التي يقيم فيها الفلسطينيون في إسرائيل لهم فيها مدارسهم الخاصة غير المدارس اليهودية، وأغلبهم لهم روابط عائلية بالفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك باللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم في الأردن وسوريا ولبنان. ويمثل المسلمون نحو 82% من إجمالي الفلسطينيين في إسرائيل أغلبيتهم من السنة وقلة قليلة جدا من الشيعة، ونحو 9% مسيحيين كاثوليك وأرثودوكس، و9% دروز موحدون، وتقدر نسبة الزيادة السكانية الطبيعية للفلسطينيين في إسرائيل ما بين 2,4% و3% سنويا، وهذا مصدر قلق للإسرائيليين ويعتبرونه بمثابة قنبلة سكانية قد تؤدي يوما إلى تساوي عدد الفلسطينيين مع الإسرائيليين داخل دولة إسرائيل. وكان هذا أحد الدوافع وراء إصدار قانون يهودية دولة إسرائيل واشتراط اعتراف
السلطة الفلسطينية بذلك للتوصل لأي تسوية سياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
والخلاصة أن موقف الأحزاب والقيادات الإسرائيلية الرافضة أو المتحفظة على التعاون مع القائمة العربية المشتركة التي حققت تمثيلا يعتد به في البرلمان الاسرائيلي (الكنيست) نابع من ثقافة عامة في إسرائيل مبنية على نظرة التعالي والعنصرية تجاه الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل، وأيضا نتيجة شعور كامن عادة ما يكون لدى المغتصب لحقوق الغير بأنه معتد وسالب لحقوقهم المشروعة، ولا تعنيه عن هذا الشعور كل ما يسوقه من حجج ومبررات مصطنعة. وأيا كان عدد المقاعد التي يحصل عليها المرشحون عن الفلسطينيين في إسرائيل في الكنيست، فإن تأثيرها محدود للغاية وقاصر على بعض الشئون الخاصة بحياتهم اليومية، وستبقى معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية في دائرة الشك لتضامنهم مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved