علي الحجار.. الفنان الذي يكسر الإحباط ويهزم الهموم

كريم البكري
كريم البكري

آخر تحديث: الأحد 3 مايو 2020 - 4:17 ص بتوقيت القاهرة

«الفن قادر يكسر الإحباطات ويهزم الهموم»، تسيّدت هذه الكلمات آخر ظهور إعلامي للفنان علي الحجار متحدثا عن تجربته في إقامة حفل «أون لاين»؛ اتساقا مع مطالبة المواطنين بالبقاء في المنزل وعدم النزول جرّاء انتشار فيروس كورونا.
تأملت كلماته وسألت نفسي هل حقًا الفن بيده كسر الإحباط؟ وهزيمة الهموم؟ وكانت الإجابة: «نعم».. نعم قاطعة لا تحتمل الشك، ولكن أي فن الذي بيده هذا المفعول السحري؟ بالطبع نتحدث عن الفن الصادق، الحقيقي، غير المُتاجر، الهادف لتضميد الجراح، وتثقيف المواطنين، وإضافة قيمة للمستمعين، والارتقاء بالأذواق والمشاعر، إنه فن علي الحجار.
قال «علي الحجار» هذه الكلمات ليلة عيد ميلاده الموافق الرابع من أبريل، واعتبرتها مدخلًا لأهنئ نفسي بكوني فردًا في عائلة الجمهور الحجاري، العائلة المتسلحة بـ«الفن» في مواجهة الإحباطات والهموم.

علي الحجار.. كل عام وأنت فنان حقا وصدقًا.

 

*****


«مطرب المثقفين».. هذا اللقب الذي أُلصِق دائمًا بالفنان علي الحجار، ولا أنكر سعادتي -قديما- بهذا اللقب كوني واحدًا من جمهور الحجار؛ ما يعني أني من المثقفين، وعليّ ادعاء العمق وتقمص دور المثقف الجالس على مقاهي وسط البلد، والتعامل مع الآخرين من منظور متعالي.
ولكن بالتأمل في كلمات الأغاني التي أنشدها الحجار، فلماذا تطبيع أغانيه بهذه الوصمة؟

أليس ظلما تشويه كلمات الشاعر سيد حجاب البسيطة مثل: «يا مصري ليه دنياك لخابيط - والغُلب محيط - والعنكبوت عشش ع الحيط - وسَرح ع الغيط - يا مصري قوم هِش الوطاويط - كفاياك تبليط - صعبة الحياة والحل بسيط - حبة تخطيط»؟ ووصمها بأنها كلمات خاصة بالمثقفين؟

ما هي مواطن الصعوبة في كلمات الشاعر عبدالرحمن الأبنودي: «هي دي الحياة - ضحكتين وآه - ضحكتينك عيشهم - دمعتينك حوشهم - ده زمن بيلعب - وانت العب معاه - لعبة الحياة»؟

كلما استمعت إلى أغاني علي الحجار، تأكدت أنه ليس مطربًا للمثقفين، بل هو مطرب لم يتنازل عن رسالته أو فنه في زمن انتشرت فيه الإيقاعات السريعة والكلمات البسيطة -لن أقول الركيكة- والموسيقى الإلكترونية المعلبة.
ولكن ظل علي الحجار مؤمنًا بذاته وبرسالته، سالكًا دربه حتى إن كان يسلكه وحيدًا، رافضًا التنازل والسير خلف المادة والانتشار.
فالحجار هو الفنان الوحيد الذي لم يتجر بصوته، ولم يجعل حنجرته سبيلا إلى منصب أو جاه أو مدح مسؤول ما أيًا كان من هو. بل ظل يحترم مسيرته، ويقدس نصائح والده الفنان إبراهيم الحجار الذي نصحه في بداية مشواره الفني قائلا: «اصنع أغاني تعيش بعد مماتك.. لا تموت وأنت على قيد الحياة»، فكان من البديهي أن يترك الحجار إرثا موسيقيا يعتبره البعض موجهًا للمثقفين، ولكنه في الحقيقة موجه لكل من لديه مشاعر إنسانية، وأُذن موسيقية، وتقدير لقيمة الكلمة.

علي الحجار.. كل عام وأنت متفرد بقيمتك وفنك.

*****

 

مسؤوليات ثقيلة ألقت على كاهل الحجار، فهو ابن الموسيقار إبراهيم الحجار، وقدمه للجمهور الملحن الكبير بليغ حمدي عام 1977، ولكنه استثمر تلك المقومات، بل اختار كل الطرق الصعبة وسار فيها بنجاح واقتدار.
ومن أهم الطرق الصعبة التي سبق بها الحجار غيره من المطربين بسنوات، هي رباعيات صلاح جاهين، فالحجار كان أول من ينشد الرباعيات من ألحان الكبير الشيخ سيد مكاوي، وأنتجها في ألبوم مستقل مع مشاركة إلقائية من الشاعر صلاح جاهين.
كذلك أيضًا، أعاد توزيع أغان عظيمة ربما حُفِرت في أذهان المستمعين بأصوات أصحابها، ولكن الحجار أستطاع إعادة تقديمها بشكل يلائم جيل سابق وأجيال قادمة، مثلما حدث مع «جفنه» للفنان محمد عبدالوهاب و«داري العيون» لمحمد فوزي.
وعلى مدار 43 عامًا من الغناء، عاصر علي الحجار جيل جديد كان «هو ومحمد الحلو وعفاف راضي» أبطاله، لكن سرعان ما كوّنت مجموعات شابة فِرقًا جماعية تمثل مشروعًا طازجًا لموسيقيين كانوا بالفعل قد عملوا مع كبار المطربين كعازفين وملحنين أمثال: «هاني شنودة - عزت أبوعوف - عمر خورشيد »، أو عملوا في فرق جماعية تستعيد وتنتج أعمالًا غربية بالإنجليزية مثل: (لو بيتي شا).. واستطاع علي الحجار الصمود بلونه الموسيقي وقدراته الصوتية العظيمة وثقافته الواسعة أمام هذا القدر من الانفتاح الفني.
أما في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بدأت الألحان تأخذ صبغة أكثر سرعة، وتعتمد على المقسوم، وبزغ قمر حميد الشاعري الذي كان رسولًا لجيل مهم في الأغنية المصرية على رأس نجومه: «علاء عبدالخالق - مصطفى قمر - سيمون - منى عبدالغني - إيهاب توفيق - حنان وغيرهم».
وما أن جاءت الألفية الجديدة حتى ظهر «تامر وشيرين وبهاء سلطان» وغيرهم من الشباب، وبدأت الطفرة التكنولوجية تنعكس على سوق الكاسيت والسي دي، وبات الاهتمام بالفيديو كليب يأخذ نصيب الأسد من التحضير للأغنية..
ورغم كل ذلك بقى الحجار واقفًا شامخًا متمسكًا بمبادئه، مُحسِنًا لقدراته الصوتية، سائرا على طريقه، رافضًا التنازل أو التلون بصبغة لا تشبهه.
من سبعينيات القرن الماضي حتى اليوم، ظل الحجار محافظًا على ذاته، فنانًا في كل خطواته.. نهل من بئر الفن كفنان تشكيلي، وممثل، ومسرحي، ومطرب ولم يشبع أو يرتوي.

علي الحجار.. كل عام وأنت نقطة مضيئة في تاريخ الفن المصري.

 

*****

عشق علي الحجار الوطن، وقدم عشرات الأغاني الوطنية الصادقة النابعة من حبه غير المشروط أو المقيد للوطن، بداية من ألبوم «لم الشمل» الذي ظهر عقب حرب الخليج، وكأنه «جرس إنذار» للأوطان العربية، ونداء مبكر للوحدة والعروبة والقومية، مرورًا بمشاركته في ثورة يناير بخلاف فنانين كثيرين آثروا الجلوس خلف الشاشات لمتابعة الأحداث، وعدم المغامرة بشعبيتهم، وصولا لميدلي الأغاني الوطنية الذي قدمه الفنان علي الحجار احتفالا بذكرى نصر أكتوبر منذ 4 سنوات تقريبًا وصار تقليدًا يختم به حفلاته.
كذلك أغنية «الشهيد» من كلمات الخال عبدالرحمن الأبنودي، التي رأيت الحجار ينشدها بصحبة كورال فرقته في إحدى الحفلات؛ حزينًا باكيًا مستودعًا لدى الله كل الشهداء الذي رسموا بدمائهم مستقبل مصر.
وفي عام حكم الإخوان الأسود، خاض الحجار حربًا للدفاع عن الإبداع والفن بأغنيته «إحنا شعب وأنتوا شعب»، والتي فتحت عليه أبواب الهجوم والتكفير من الأبواق المتأسلمة، ولكنه كان دائمًا يترفع عن الرد.. بل ظل متمسكًا بصوته وبحقه في الغناء والإبداع.

علي الحجار.. كل عام وأنت حُر.

 

*****

معادلة البقاء والاستمرار التي حققها الحجار بنجاح، تؤكد أنه خير رفيق وصديق لأجيال مختلفة، وبتقربي منه التمستُ حِرصه الدائم على التواصل مع الجمهور، بل ومتابعة رسائل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بل استغل حفله الشهري الذي استمر أكثر من 10 سنوات؛ لتكوين علاقات صداقة مع الجمهور.
من المعتاد أن تجد علي الحجار يقضي ساعات بعد حفله لالتقاط الصور التذكارية مع الجمهور، ومن الطبيعي أن يتوجه لك بسؤال: «ما رأيك في الحفل؟ أليس لديك أي انتقاد؟ ما الذي يمكن تحسينه؟».
طيلة عملي الصحفي، لم أجد من ينتهج منهج «الحجار» في التعامل مع الجمهور؛ لذلك بات من الطبيعي أن يظل باقيًا ومستمرًا وناجحًا طيلة 43 عامًا.

علي الحجار.. كل عام وأنت مطرب كل مراحل الحياة.

 

*****

صوت علي الحجار، كان خير رسول لكلمات كبار الشعراء والملحنين أمثال: «عبدالرحمن الأبنودي - سيد حجاب - عبدالرحمن الأبنودي - فؤاد حداد - أحمد فؤاد نجم - جمال بخيت - مدحت العدل - بليغ حمدي - سيد مكاوي - عمار الشريعي - فاروق الشرنوبي»، وذلك لم يمنعه من التعاون مع جيل جديد من الشعراء والملحنين والموزعين الشباب أمثال «أحمد حمدي رؤوف، هيثم توفيق، سالم الشهباني، شادي مؤنس، مصطفى إبراهيم وغيرهم».
أُفق «الحجار» الواسع، جعله يخصص مسرحه لتقديم المواهب الشابة بل ويسعى لإنتاج مسرحية قائمة تماما على شباب الموهوبين من موسيقيين وممثلين ومطربين.
أتذكر في إحدى الحفلات، قدم الفنان علي الحجار الفنان الشاب «مروان عبدالمنعم»، والذي كان عضوًا في كورال الفرقة الموسيقية، ولم يكتف بتقديمه للجمهور ومنحه فرصة الغناء أمام جمهوره، ولكنه جلس مكانه وردد خلفه أغنية «مضناك» التي اختارها الشاب ليثبت بها نفسه أمام الجمهور الحجّاري الذوّاق.
كذلك، المطرب وائل الفشني، الذي كان «عازفًا» في فرقة علي الحجار، كان الفنان يمنحه فقرة ثابتة في كل حفل من أجل الغناء وتقديم موال أو أغنية للجماهير؛ حتى استطاع غناء تتر مسلسل «واحة الغروب» وبدأ في شق طريقه كمطرب ومنشد ديني.

علي الحجار.. كل عام وأنت خير رسول لفنّك.

 

*****

هذا هو علي الحجار.. الفنان الذي لم يشبع فن، ولم يضع لطموحه سقفًا، ولم يترك الغرور يتملكه، ولم يكتف من النجاح الذي وصل له فيما مضى، بل حرص دائمًا على أن يبقى عليًا كما اسمه، حجّارًا (فنان - ابن فنان - أخو فنان - أبو فنان) كما يناديه واحد من جمهوره كل حفل.

علي الحجار.. كل عام ونحن طيبون بوجودك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved