العقيدة القتالية للجيش وخلاف القاهرة ـ واشنطن

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الإثنين 5 مايو 2014 - 6:55 ص بتوقيت القاهرة

جاء قرار الإدارة الأمريكية مؤخرا برفع حظر جزئى عن المساعدات العسكرية لمصر وتسليمها عشر طائرات هيلوكوبتر هجومية من طراز أباتشى، ليجدد الجدل حول رؤية العاصمتين المتناقضة، وما يحمله ذلك من تبعات سياسية هامة، حول ما يعرف بعقيدة الجيش المصرى Egyptian Armed Forces Doctrines. وترتبط هذه القضية فى ناحية منها بطبيعة الأسلحة التى حصلت عليها مصر خلال العقود الأخيرة، والأسلحة التى ستحصل عليها مصر من الآن فصاعدا. وفى هذا السياق كان من اللافت أن يذكر بيان البنتاجون أن «طائرات الآباتشى ستدعم عمليات الجيش المصرى فى مكافحة الإرهاب فى شبه جزيرة سيناء، ومساعدة مصر على التصدى للمتطرفين الذين يهددون الأمن الأمريكى والمصرى والإسرائيلى».

وبداية يقصد بعقيدة الجيوش، من ناحية، التقاليد والقيم والخبرات المتراكمة التى تحكم سلوكيات ومواقف المؤسسة العسكرية فى الحياة العامة، ومن ناحية أخرى يقصد بها تحديد واضح للعدو وللتهديدات التى قد تتعرض لها دولة ما وكيفية استعداد الجيش لمواجهتها.

•••

خلال العقود السبعة الماضية لم يعرف الجيش المصرى سوى إسرائيل عدوا، ولم ينفصل إيمان الجيش حول العدو عن إيمان جموع الشعب المصرى. واقتنع الجيش بضرورة الاستعداد المستمر لوقوع حرب تقليدية تستخدم فيها الطائرات والصواريخ والدبابات وقطع المدفعية.

وكان لتوقيع الرئيس السابق أنور السادات لاتفاق سلام عام 1979 مع إسرائيل برعاية أمريكية، والذى بدأت معه مصر فى الحصول على السلاح الأمريكى، أثر على توقعات خبراء أمريكيين بضرورة حدوث «تغيير منطقى» فى تعريف العقيدة القتالية للجيش المصرى يتغير فيها موضع إسرائيل كعدو. إلا أن وثائق موقع ويكيليكس أكدت أن الجيش المصرى لم يغير عقيدته القتالية خلال السنوات الأربعين الماضية على الرغم من عدم وقوع أى نزاع مسلح مع إسرائيل. وكشفت البرقيات التى تعود إلى 2008 و2010 أن واشنطن رغبت فى تطوير الجيش المصرى لتوسيع نطاق مهامه وزيادة تركيزها على التهديدات الجديدة بينما تمسكت القاهرة بمهمة الجيش التقليدية فى حماية حدود البلاد. وجاء فى برقية CAIRO 000549 بتاريخ مارس 2009 أن «الولايات المتحدة سعت إلى إقناع الجيش المصرى بتوسيع مهمته بطريقة تتواكب مع التهديدات الأمنية الإقليمية الجديدة مثل القرصنة والأمن على الحدود ومكافحة الإرهاب»، إلا أن الوثيقة أظهرت أن «القيادة المصرية القديمة قاومت جهودنا وهى راضية عن المضى فيما تقوم به منذ سنوات: التدرب على نزاع تتواجه فيه قوتان بمزيد من القوات البرية والمدرعات» تحسبا لنزاع محتمل مع إسرائيل فى المستقبل. ورأت واشنطن أن المسئول عن ذلك هو وزير الدفاع محمد حسين طنطاوى الذى وصفته الوثيقة بأنه «العقبة الأساسية أمام تحويل مهمة الجيش».

وجاء فى برقية أخرى ترجع إلى فبراير 2010 أن إدارة أوباما قالت لمسئولين عسكريين مصريين إن «الجيش الحديث يجب أن يكون مجهزا بعتاد نوعى حديث وليس بكميات ضخمة من العتاد القديم»، ورد هؤلاء المسئولون بأن «التهديدات التى تواجهها مصر مختلفة» عن تلك التى تواجهها الولايات المتحدة. وتذكر الوثيقة أن العسكريين المصريين أكدوا أنه «يجب أن يكون لمصر جيش تقليدى قوى لمواجهة الجيوش الأخرى فى المنطقة» مشددين على أن الأولوية بالنسبة لهذا الجيش هى الدفاع عن الأراضى المصرية وعن قناة السويس». وتشير الوثيقة إلى أن المشير طنطاوى الذى كان ملتزما بتجنب حرب أخرى مع إسرائيل، أبدى مرارا عدم الارتياح لتركيز الولايات المتحدة على «مكافحة الإرهاب» ومحاولات جر جيش مصر لتتبناه ضمن عقيدته القتالية.

•••

سمح تدخل الجيش وإزاحته للرئيس محمد مرسى فى الثالث من يوليو، وما تبع ذلك من تطورات وصلت الحكومة المصرية المؤقتة معها لتسمى جزءا من معركتها السياسية الداخلية «كحرب على الإرهاب» لظهور نظرتين متعارضتين من القاهرة وواشنطن حول الجديد فى «عقيدة الجيش المصرى».

ترى واشنطن أن ما فشلت فيه الإدارات الأمريكية من سعى لتغيير عقيدة الجيش المصرى، يحدث فعليا الآن ولأسباب تتعلق بالتطورات الداخلية المصرية وبعيدا عن أى ضغوط أمريكية. وقبل ذلك عبر البنتاجون عن سعادته لوصول أول قيادة عسكرية مصرية تلقت تعليمها العالى بالولايات المتحدة ممثلة فى عبدالفتاح السيسى وصدقى صبحى، خريجى كلية الحرب الأمريكية بولاية بنسلفانيا، لقيادة الجيش المصرى. ثم كان لعدم اتخاذ الحكومة الانتقالية فى مصر أى إجراءات انتقامية مثل تعطيل مرور السفن الحربية الأمريكية فى قناة السويس أو غلق المجال الجوى أمام طائراتها العسكرية كرد على وقف المساعدات العسكرية مردود إيجابى فى واشنطن.

وكان الانزعاج المصرى الكبير حول حجز طائرات الأباتشى ذات الإمكانيات الاستثنائية فى معركة «الحرب على الإرهاب» عنصرا مهما فى الاعتقاد الأمريكى بحدوث تغيير ما، فى الوقت الذى يتم فيه إلى حد كبير التغاضى عن استمرار حجز طائرات إف 16 من ناحية، وتوقف إنتاج مصانع دبابات ومدرعات من ناحية أخرى.

•••

ترى القاهرة أنها ليست بصدد إحداث أى تغيير فى العقيدة القتالية للجيش المصرى، رغم ما يجرى من توزيع بعض التشكيلات الصغيرة للقيام بمهام غير تقليدية فى الداخل المصرى من حماية مؤسسات عامة، إلى مواجهة الإرهاب فى سيناء وصولا لمحاربة التهريب وتدمير الإنفاق.

وتستشهد القاهرة بعدم حدوث أى تغيير عن طريق سعيها الجدى للحصول على عتاد عسكرى تقليدى متقدم من مصادر أخرى كروسيا وغيرها من الدول، وما أعلن عن صفقات تتضمن أنظمة دفع جوى متقدمة، وطائرات مقاتلة، وصواريخ من أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الروسية. وتستشهد القاهرة كذلك بالاستمرار فى إجراء مناورات كبيرة بصور متكررة على معارك تقليدية تتضمن القيام بمهام عسكرية فى مناطق صحراوية مفتوحة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved