أردوغان ليس تركيا

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الثلاثاء 5 مايو 2015 - 9:35 ص بتوقيت القاهرة

فى العلاقات بين الدول ليس هناك عداء دائم ولا صداقة دائمة، لكن هناك مصالح تتصادم أحيانا وتلتقى أحيانا أخرى، ومن ثم يحتفظ الساسة عادة بقنوات خلفية للتواصل مع خصومهم حتى فى زمن الحرب، فما بالك فى أوقات السلم.

هذه القاعدة أعتقد أنها لا تنطبق على ما نشرته «الشروق» الخميس الماضى للزميلة وفاء فايز عن منع جامعة عين شمس سفر عدد من الأساتذة والطلاب الأوائل إلى تركيا، لأسباب سياسية وأمنية.

وحسب ما نقلته الزميلة على لسان نائب رئيس الجامعة الدكتور محمد الطوخى فقد تم إلغاء تفعيل الاتفاقية الموقعة فى مركز التعليم المفتوح بالجامعة، والتى كانت تنص على سفر وفد من أساتذة عين شمس إلى تركيا، للإشراف على امتحانات اللاجئين السوريين المقيمين هناك، لصعوبة مجيئهم لأداء الامتحانات فى مصر.

وقال الدكتور الطوخى إنه «تم إلغاء الاتفاقية بسبب الظروف السياسية التى تشهدها البلاد، وتصريحات الرئيس التركى رجب أردوغان المسيئة ضد مصر»، مشيرا إلى أن السفارة التركية كانت ترسل كل عام منحا لـ10 طلاب من أوائل كلية الألسن للسفر إلى تركيا لمدة 10 أيام، للتدريب على ممارسة اللغة التركية، لكن تم رفض المنحة هذا العام، ومنع سفر الطلاب.

أما عميدة كلية الألسن الدكتورة منى محمد، فقالت إن الكلية كانت فى انتظار الموافقة الأمنية، لحسم سفر الطلاب إلى تركيا من عدمه، وذكرت أن الكلية تتعامل مع الطلاب المسافرين إلى الخارج «بحرص شديد» و«نوجههم قبل السفر بعدم الاستماع لأى أفكار متطرفة، وعند عودتهم من السفر نتابعهم بدقة للتأكد من عدم التأثير عليهم فى الخارج أو تشويه أفكارهم».

المخاوف من انتقال الفكر المتطرف إلى الطلاب فى عشرة أيام(!!)، ربما يبرره من يتشككون فى كل شىء بأنه أخذ بالأحوط ومنع للمشاكل، لكنه فى الوقت نفسه، يعكس تفكيرا مرتعشا إن لم يكن مرتعدا، تحكمه هواجس عدم الثقة فى الذات.. هل عشرة أيام كفيلة بنقل الفكر المتطرف إلى الطلاب الأوائل؟!

كنا نرسل، فى الماضى، طلابنا إلى بلدان الشرق والغرب، ولم نخش عليهم من نقل «الافكار الهدامة»، بل عادوا إلينا وهم يحملون مشاعل الفكر والتنوير رغم تنوع البلاد التى توجهوا إليها، اليوم بتنا نخاف على طلابنا من الإقامة فى تركيا عشرة أيام.. ما هذا التفكير البليد، المسكون بالأوهام، والنظرة الضيقة إلى أولويات المخاطر التى تحيط بنا؟!.

ربما يكون أردوغان وجماعته أعداء، لكن الشعب التركى على شيوعه ليس عدوا، وسيأتى اليوم الذى يُذهب أردوغان وأمثاله إلى ما يليق بهم، غير أننا سنكون قد فقدنا فرصة التواصل مع الأتراك، عبر شبابنا النابه الذى سيمثل باكتسابه لسان قوم، جسرا ربما يتعذر وجوده عندما نحتاج إليه.

ألم يكن يعلم من اتخذ هذا القرار أننا احتجنا إلى دارسى اللغة التركية فى معركة استعادة طابا عندما لجأنا إلى الوثائق العثمانية الموجودة فى تركيا لتأكيد حقنا فى هذا الجزء العزيز من بلدنا؟! ماذا لو لم يكن لدينا باحثونا ومترجمونا؟، هل كنا سنلجأ إلى البلدان الأخرى بما يمكنها من الاطلاع على أسرار خطة دفاعنا وحججنا القانونية لاسترداد حقنا؟!

تركيا يا سادة ليست أردوغان، ومصالح الأمم ما هكذا تدار، ويجب ألا تقفز خلافات السياسة على التعلم والثقافة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved