مصر وكوبا وإسرائيل ونظرية المؤامرة

سيد قاسم المصري
سيد قاسم المصري

آخر تحديث: الخميس 5 مايو 2016 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

«لقد جئت إلى هنا لأدفن ما تبقى من الحرب الباردة فى الأمريكتين ولأمد يد الصداقة إلى الشعب الكوبى».. هكذا افتتح الرئيس الأمريكى خطابه فى زيارته التاريخية لكوبا بعد قطيعة وعداء ومقاطعة دامت 57 عاما.

وبالرغم من الجو الاحتفالى والتاريخى الذى صاحب الزيارة إلا أن أوباما لم يفته أن ينوه إلى حقوق الإنسان والنواقص التى يراها فى هذا المضمار.. فمد يد الصداقة والتعاون شىء والمصارحة وانتقاد السلبيات شىء آخر..

واللافت للنظر أنه عندما شرع الرئيس الأمريكى يعدد خروقات حقوق الإنسان ويحث الرئيس الكوبى على الإجابة عن أسئلة الصحفيين الأمريكيين ومنها سؤال عن الإفراج عن المعتقلين السياسيين.. عندها لجأ الرئيس راءول كاسترو إلى ما تلجأ إليه دائما دول العالم الثالث وهو الإنكار فقال: أعطونى قائمة بأسماء المعتقلين السياسيين الذين تدعون وجودهم وسأفرج عنهم فى الحال (وقد سارعت منظمات حقوق الإنسان بوضع قوائم طوال على مواقعها) ثم استدار الرئيس الكوبى إلى أوباما موبخا وقائلا:

«إذا كنت تتكلم عن حقوق الإنسان فأنا أقول لكم إن لدينا فى كوبا ما ليس عندكم.. فنحن لدينا تأمين صحى كامل لجميع المواطنين والتعليم المجانى للجميع والمساواة فى الأجور للجميع..»، والمدهش فى الأمر هو رد فعل أوباما الذى قال:

«فى الواقع فأنا أرحب بملاحظة الرئيس كاسترو حول القصور لدينا فى بعض النواحى فلا يجب أن نكون فى أمريكا محصنين ضد الانتقاد أو خائفين من مناقشته وأنا أعترف بأن لدينا الكثير لنفعله لتصحيح هذه الجوانب».

وقد لقى رد فعل أوباما استحسانا كبيرا على المستوى الأمريكى الداخلى والكوبى والعالمى فقد دل على نضج وصراحة يصعب مهاجمتها أو رفضها.

***

تخيلت لو أبدى أوباما مثل هذه الملاحظة حول المعتقلين السياسيين علنا وهو فى مؤتمر صحفى فى مصر.. مقطع ستتولاه السيدة الضليعة فى اللغة الإنجليزية وتقول له Shut up Your Mouth Obama، ثم تنهال عليه أبواق الإعلام «المستقل» لتهلل له هو وأسرته وعمته التى تعيش فى نيروبى، أما فى كوبا فقد علموا أن أوباما صارع الحزب الجمهورى لكى ينزع قرار رفع العقوبات وحضر بنفسه إليهم مادا يد الصداقة وعلموا أنه مضطر أن يثير موضوع حقوق الإنسان لأسباب عديدة بعضها يتعلق بالأوضاع الداخلية فى أمريكا، لذلك فإن الرئيس الكوبى ــ عند نهاية المؤتمر الصحفى ــ أمسك بيد أوباما ورفعها فى الهواء فى إشارة قوية للتأييد والتضامن.

***

وبمناسبة حقوق الإنسان والمؤامرات العالمية، فقد كنت عضوا منتخبا فى لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب لمدة ثمانى سنوات، وهى لجنة مكونة من عشرة خبراء يختارون بصفتهم الشخصية وليسوا كممثلين لحكوماتهم، وعند عرض تقرير مصر أمام اللجنة عام 2002 تساءل بعض الأعضاء حول العنف الذى يصاحب إجلاء السكان فى مصر من المنازل التى يتقرر إخلاؤها حيث سبق للجنة أن أدانت إسرائيل بشدة حول سياسة هدم المنازل ووصفتها بأنها قد ترقى إلى المعاملة القاسية والمهنية واللاإنسانية، وقد رفضت اللجنة إدانة مصر مشيرة إلى أن الوضع يختلف عن إسرائيل، بينما تقوم إسرائيل بهدم منازل الفلسطينيين من أقارب المطلوبين للعدالة كنوع من العقاب الجماعى، فإن الأمر يختلف تماما فى مصر فهى ليست سياسة عقابية بل أنها إجراءات تتخذ فى إطار عمرانى أو للمحافظة على حياة السكان عندما تكون المنازل آيلة للسقوط أو تنفيذا لأمر قضائى بالإزالة.

وقد ذكر رئيس اللجنة ــ وهو كندى ــ أنه لن يسمح بمساواة مصر بإسرائيل فى موضوع هدم المنازل وأن هذه اللجنة ليست مهمتها التشنيع على الدول أو معاقبتها بل مهمتها هى إجراء الحوار مع الدول وتشجيعها على اتخاذ خطوات تدعم حقوق الإنسان وتدعم تطبيق الاتفاقية.

وهكذا أصدرت اللجنة قرارها برفض إدانة مصر فى موضوع هدم المنازل، وهذه اللجنة المكونة من عشرة أعضاء معظمهم من الدول الغربية.. فبالله عليكم دعونا نتوقف عن ربط انتقادات حقوق الإنسان بالمؤامرات الدولية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved