اسألوا المرايا..

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 5 مايو 2019 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

كمن يشاهد نفسه فى مرايا متعددة فتكسر الصورة مرة، تكبر مرة، تتضاءل مرات أو تتوسع.. فى كل الأوقات هى مجرد مراية وليست الصورة الواقعية ولكن بعضنا يتصور أن المرايا هى انعكاس لذاك الواقع الذى يريد هو أو هى أن يتخيله أو أن يعيشه..
***
المرايا لا تصدق إلا نادرا وحتى حينها لا يمكن أن تكون انعكاسا حقيقيا لواقع ملىء بالتفاصيل والتشوهات.. المرايا ليست فقط ما ننظر لها يوميا أكثر من أحبتنا لنطمئن أننا مقبولون من الخارج أو من الآخرين.. هى التى ترسل ذبذبات الطمأنينة أو العكس وهى أيضا التى تصور للبعض كثيرا مما هو ليس حقيقة سوى فى مخيلتهم الواسعة..
***
والمرايا لا تعكس المظهر فقط هى تخدع فى المظهر وفى الجوهر أيضا... هى متنوعة فمثلا هى تصور لذلك الرجل أنه الأكثر وسامة فى بر المحروسة وخارجها.. وهى التى تقول لتلك السيدة امضى ولا تخافى فلا بعدك جمال ولا قبلك!
***
هى أيضا التى تدخل البيوت الجديدة قبل أى من المستلزمات الأساسية الأخرى فقد يستغنى الجميع عن كل الكراسى والطاولات وحتى أحيانا ذاك السرير المريح.. كل هذا لأن رأى الآخر أكثر أهمية من راحتى الشخصية حتى فى بيتى الذى يفترض أن يوفر مساحة من الراحة والحرية غير متوفرة فى ربوع الأرض كلها حتى فى أفخم الفنادق والمنتجعات..
***
المرايا أو ما يشبهها هى التى تأتى فى كل موسم لترسم الصورة التى يريدها الواقف أمامها فهذا موسم أعياد إذن تتحول تلك المرأة إلى مساحة انفتاح لكل أشكال التجميل فيما فى مواسم الخشوع تبقى هى وفية لدورها وهو أن تعكس مظاهر العبادة والخشوع المطلوبة..
هى تتلون حسب مرتاديها لأنها أكثر وفاء من البشر تجاه من تقيم معهم علاقة خاصة جدا وكأنها انعكاس لدواخلهم.. فما إن يقترب موسم الصيام عند كل الأديان والطوائف حتى تتحول عن مشاهد التبرج وتزين للنساء والرجال أنفسهم على وجه سواء فى هذا الموسم وهى تمارس لعبتها الدائمة.. لعبة الخداع لإرضاء الواقف أمامها يسألها أنا الأجمل أو أنا الأكثر عبادة وقرب من الله هنا وأنا أتوجه إلى الجامع فى شهر رمضان دون رتوش أو مظاهر للتجميل.. حيث تسقط الأقنعة بعض الشىء رغم أن حتى أشهر العبادة تحولت هى الأخرى إلى موسم احتفالى يكثر فيه الطعام والشراب ومظاهر التعبد فيما يقل الإيمان!
***
المرايا تضحك أحيانا لأنها الوحيدة التى تحضر التناقضات المستمرة لدى مرتاديها بين مساء وصباح أو حتى بين يوم وآخر.. هى التى استقبلت عند ساعات الصباح الأولى فى اليوم الأول لشهر الصيام ذاك الساكن عندها دوما وهو يترنح من سكر الليلة الأخيرة.. بعدها بساعات يتحول هو نفسه إلى «مفتى» فى تحريم الشرب فى الشهر الحرام.. وفى الليلة الأخيرة لا يستطيع الانتظار حتى صباح العيد بل يبدأ ملء الكئوس بكل أنواع المشروبات «الأزرقة».
***
المرايا فقط تحملق فيه وفى كثيرين وكثيرات مثله.. فماذا تقول عن تلك المتعرية حتى من ورقة التوت التى بين ظلمة ونور صباح ترتدى عباءتها وحجابها ومعهما السبحة التى أصبحت جزءا من ديكور رمضان كما الفانوس والزلابية كلها موسمية..
اسألوها، اسألوا مرايا بيوتكم عن حجم الانقسام الذى تعيشونه ونعيشه جميعا فى مجتمعات أتقنت التعايش مع الازدواجية فى كل ذلك.. فالفاسق يكثر من الموعظة عن العفة وهو عارف ومدرك أن الجميع على علم ببواطن الأمور.. والآخر الذى يضع حاجزا بينه وبين آخرين ينعتهم بألفاظ لا تمت لدينه وتسامحه مثل الكفر والعهر والرذيلة وهذه أصبحت وصمة سهلة يطلقها كل من لا يستلطفك وليس يكرهك.. يكثر من الركوع والسجود وكأنه قد صدق كذبته وتصور أن الرب لا يعرف ما يقوم هو به من أعمال منافية للدين ليس فقط خارج الأشهر الحرم بل وأيضا خلالها.. اسألوا المرايا لتحكى لكم قصصا قد تحملكم على الكفر والعياذ بالله!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved