كيف تستفيد مصر من خطة السعودية ٢٠٣٠؟

عمرو عادلى
عمرو عادلى

آخر تحديث: الأحد 5 يونيو 2016 - 10:30 م بتوقيت القاهرة

شهدت المملكة العربية السعودية مؤخرا إطلاق مخطط طموح للتنمية بحلول ٢٠٣٠ بهدف تنويع بنية الاقتصاد السعودية وتخفيف الاعتمادية المفرطة على مبيعات البترول وسط مخاوف متصاعدة من دخول العالم لفترة ممتدة من النفط الرخيص على نحو يؤثر سلبا على قدرة السعودية على مواصلة جهودها فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويتزامن هذا مع تكثيف التعاون بين مصر والمملكة على أصعدة مختلفة، والبحث عن أطر أكثر ديمومة ومؤسسية لتنسيق السياسات العامة فى مجالات الأمن والسياسة الخارجية والتعاون العسكرى كآلية بديلة للأمن الإقليمى مع انسحاب الولايات المتحدة العسكرى والسياسى من منطقة الشرق الأوسط. فهل يمكن إيجاد مساحة للتعاون المصرى ــ السعودى فى إطار خطة ٢٠٣٠؟


***


تعتبر المملكة العربية السعودية حالة نموذجية للاقتصاد الريعى؛ أى البلد يعتمد بصورة شبه كاملة على قطاع البترول، إذ تُمثل الصناعات الاستخراجية نحو نصف الناتج المحلى الإجمالى للسعودية، وما يقرب من ٩٠٪ من إجمالى صادراتها، وما يزيد على ٨٠٪ من إيرادات الدولة، وعلى الرغم من أن الريع النفطى قد ضمن للمملكة فرصا كبيرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية خاصة فى مجالات كالتعليم والرعاية الصحية، إلا أنه قد جعل المملكة اقتصادا وحكومة فى وضع شديد الاعتمادية على أسعار النفط العالمية، والتى تخضع لعوامل جيوسياسية واقتصادية عالمية بعيدة عن سيطرة منتج واحد، ولو كان واحدا من أكبر المنتجين فى العالم كالسعودية.

وقد جرى التعامل منذ ثمانينيات القرن الماضى مع الطبيعة الدورية لارتفاع وانخفاض أسعار النفط عن طريق مراكمة احتياطيات نقدية شديدة الضخامة فى فترات الرخاء كى يمكن الاعتماد عليها فى دورات الهبوط، وهو ما نجحت فيه دول الخليج عامة منذ 2008 حيث جمعت ما يفوق التريليونى ونصف التريليون دولار فى صور شتى يمكن أن تقيها شر الانخفاض الحاصل منذ ٢٠١٤، ولو بشكل مؤقت.


وفى هذا السياق كان إحياء المملكة لخطط تنويع الاقتصاد السعودى كى يكون أقل اعتمادا على أسعار البترول، ولعل الهدف الأساسى هنا هو إيجاد قطاعات اقتصادية غير مرتبطة بالنفط قادرة على المنافسة فى الاقتصاد العالمى، إذ إن النمط التنموى الذى ساد فى العقود الماضية فى أغلب بلاد الخليج بما فيها السعودية كان قائما على إعادة تدوير الريع النفطى فى قطاعات غير تجارية خاصة التنمية العقارية والإنشاءات والخدمات. وهنا يكمن التحدى الأساسى اليوم فى أن توجِد المملكة قطاعات صناعية أو خدمية مرتفعة القيمة وقادرة على المنافسة.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التى تسعى إليها المملكة وغيرها من بلدان الخليج لتبنّى استراتيجية للتنويع الاقتصادى، ولكن ربما تكون هذه المرة مختلفة عن سابقاتها فى جزئيتين: الأولى هى توفر احتياطيات نقدية بالغة الضخامة يمكن أن تمثل رافعة لمثل هذا المشروع حتى فى ظل انخفاض أسعار النفط، والثانية هى أنه اليوم لدى المملكة قوة بشرية كبيرة نسبيا جرى تعليمها وتدريبها على مدار العقود الماضية، وهو ما يمكن الاعتماد عليه فى الفترة المقبلة لتنمية قطاعات خدمية مرتفعة المهارة وقادرة على التصدير كما هو الحال مع نموذج دبى، الذى يعد إلى اليوم المثل الأعلى لتجارب التنويع الاقتصادى فى المنطقة، وربما فى العالم.


ولكن فى الوقت نفسه ينبغى الوقوف عن عدم نجاح تجارب التنويع فى الماضى لا فى السعودية فحسب بل تقريبا فى كل كبار المنتجين النفطيين مثل إيران وفنزويلا والعراق والجزائر بل وحتى روسيا، والتى ظلت معتمدة على قطاع النفط، وبالتالى عرضة للارتفاعات والانخفاضات التى تصيب أسعار الطاقة العالمية.

ولعل أهم العوائق التى واجهت المملكة تقليديا هو صغر حجم القوة العاملة رغم كبرها النسبى مقارنة بدول الخليج الأخرى وارتفاع مستويات المعيشة ما يحول دون تشغيل العمالة السعودية فى قطاعات صناعية أو خدمية كثيفة العمالة، والتى تشغلها عادة عمالة أجنبية، تمثل اليوم ما يفوق من ٥٠٪ من إجمالى القوة العاملة فى السعودية، وهو ما يجعل فرص التنويع الاقتصادى الحقيقى مثل دبى فى قطاعات الخدمات عالية التكنولوجيا وعالية المهارة، والتى مرة أخرى لا يمكن التعويل عليها لخلق فرص عمل كثيرة كما أنه من غير الواضح ما إذا كان السعوديون يقدرون على المنافسة العالمية فيها خاصة وأن نصيب السعوديين من عمالة القطاع الخاص فى المملكة لم يتجاوز ٧٪ فى ٢٠١٣.


***


إن مصر هى أكبر بلد عربى من حيث السكان، وهو اقتصاد متنوع نسبيا، ولديه قوة عاملة كبيرة ورخيصة، وإن كان ينقصها التدريب كى تصبح قادرة على المنافسة، كما أنه اقتصاد يملك بنية أساسية لا بأس بها مقارنة بدول نامية أخرى فى ذات نطاق الدخل ما قد يعزز من فرص التكامل ما بين السوقين السعودية والمصرية فى مجالات صناعية وخدمية، خاصة فى وقت يعتمد فيه الإنتاج على شبكات من المؤسسات والشركات، وعلى تجزئة جغرافية لسلاسل الإنتاج فى ظل تطور وسائل النقل والاتصال، ويضاف إلى هذا أن مشروعا لهذا التكامل لا يمكن فصله عن الخلفية السياسية والجيواستراتيجية للتحالف المصرى ــ السعودى، مما يجعل تدعيم أشكال التكامل الاقتصادى وغير الاقتصادى بينهما ذا أهمية كبيرة. ويضاف لهذا أن مصر تجمعها بالعديد من الأسواق التصديرية المحتملة اتفاقات تجارية واستثمارية كالاتحاد الأوروبى والكومونولث الروسى علاوة على أفريقيا، وهو ما قد يوفر منافذ لتصريف المنتجات وكذا لجذب رءوس الأموال والوصول للتكنولوجيا.


إن فرص التكامل الاقتصادى بين الدول تقوم على اختلاف الموارد الموجودة لديهما، وهو أمر متحقق كثيرا فى الحالة المصرية ــ السعودية، ولكنه بالطبع يجب أن يقوم على إطار مؤسسى واضح المعالم وفاعل فى صنع وتطبيق سياسات بعيدة المدى بشكل متسق ومعلن وشفاف.

خبير وباحث فى الاقتصاد السياسي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved