كيف نمنع اختراق المجتمع والنخبة؟

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الثلاثاء 5 يونيو 2018 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

كيف يمكن لمصر أن تحمى نخبتها من أن يتم اختراقها بهذا الشكل الفج، وتتحول إلى أداة طيعة فى يد هذا الشخص أو ذاك، أو هذه البلد أو تلك، بل وتصبح خنجرا فى ظهر الوطن بأكمله أحيانا؟!.
أول شرط هو أن تكون الحكومة وسائر أجهزة الدولة مقتنعة بضرورة تحصين كل قوى المجتمع من رياح الاختراق المستمرة، وأن تحصن نفسها أولا. وإن لم تفعل الحكومة ذلك، فإنها تجعل بقية المجتمع عرضة للاختراق.
قبل الدخول فى التفاصيل أوضح أن من يريدون اختراق المجتمع المصرى، لم يعد مقصورا شخص أو جهة أو دولة، بل هناك اختراقات متعددة، بعضها قديم، وبعضها ظهر أكثر سفورا بعد ثورة ٢٥ يناير. وبعضها صار لصيقا بوسائل التواصل الاجتماعى.
بداهة ليس عيبا أن يكون هناك تواصل بين أفراد وشخصيات وهيئات ومؤسسات مجتمع مدنى فى مصر والخارج، سواء كانت عربية أو أجنبية، بل هو أمر حميد ومطلوب، لكن هناك خيطا رفيعا بين أن يكون ذلك فى إطار القانون والدستور والاعراف والتواصل البناء من جهة، وبين أن يتحول إلى عمل مدمر للوطن ويسىء لسمعة مصر ويجعلها مجرد تابع لهذا الشخص أو تلك الدولة!!.
كان على الحكومة وسائر أجهزة الدولة، أن تظهر «العين الحمرا» لكل من يفكر بحسن أو سوء نية فى تصور أنه فوق القانون. لو حدث ذلك فربما ما وصلنا إلى هذه الحالة، التى نرى تداعياتها فى أكثر من قضية.
للموضوعية، وإذا كانت ذاكرتنا قوية، فإن هذا التجرؤ يحدث منذ عقود. أذكر أنه فى بدايات تسعينيات القرن الماضى، قامت بعض الشخصيات الخليجية المشهورة المقيمة فى مصر بالاعتداء على أسر مصرية، ولم يتم معاقبتها. بعدها قام شباب من دولة خليجية أخرى بدهس مصريين خلال سباق جنونى بالسيارات فى شوارع القاهرة، أسفر عن ضحايا، ولم يتم معاقبتهم، بل وحوادث أخرى مشابهة جرى فيها ترحيل المتهمين والمجرمين، و«الطلسقة» على القضية، وترضية الضحايا أو أهاليهم ببضعة آلاف من الجنيهات أو الدولارات، ثم تنتهى القصة!!!.
البداية أن يتوقف كل ذلك فورا، وأن يدرك الجميع أن هناك فارقا ضخما بين ضرورة وجود علاقات ود وصداقة وأخوة بين مصر وكل البلدان العربية من جهة، وبين أن يفكر شخص أو جهة فى التجرؤ على مصر بطريقة مسيئة.
هناك أمثلة كثيرة لبلدان آسيوية لديها عمالة كثيرة فى بلدان الخليج، تحصل منها على مليارات الدولارات، ورغم ذلك فإن هذه البلدان لم تعد تغض الطرف عن أى إساءات تلحق بأى شخص من أبنائها، بل رأينا تطرفا من الرئيس الفلبينى بضرورة حماية أبناء جاليته فى الخليج. ورأينا بلدانا أوروبية وغيرها تحاكم أمراء وشيوخ وأولاد رؤساء عرب وأجانب، لأنهم ظنوا أنهم فوق القانون!!..
لا أقصد بالمرة من قريب أو بعيد أن نسىء لعلاقتنا مع الأشقاء فى الخليج، بل أدعو دائما لسد الثغرات التى يحاول عبرها الأعداء الإساءة لعلاقتنا مع الأشقاء العرب، لأنهم بالفعل اخوة لنا بالمعنى الاستراتيجى. هناك فارق بين أن أحافظ على علاقتى بهذه الدولة أو تلك، وبين أن أسمح لأى مواطن مهما كان مركزه أن يتصرف بطريقة يعتقد فيها أنه صار المتحكم فى بلدنا.
وحتى أكون موضوعيا، فأنا لا ألوم هذا الشخص أو ذاك، اليوم أو بالأمس القريب أو البعيد، بل علينا أن نلوم أنفسنا. نحن من يعطى الإيحاء بالقبول أو الرفض.
لو أن هناك رفضا من البداية لأى سلوك خارج أو غير مألوف، ما كان يمكننا أن نصل إلى هذه الحالة الفجة، التى أساءت للجميع.
ربما هى فرصة أن يفكر الجميع فى المستقبل بصورة مختلفة، لا شىء يمكن إخفاؤه مع وسائل التواصل الاجتماعى، إن لم يكن اليوم فغدا. وبالتالى على الجميع أن يدركون أن مجرد تصرف قد يرونه بسيطا، قد يسىء إلى أنفسهم وإلى بلدهم.
وإذا كانت سلطة الحكومة تزيد وتتوغل يوما بعد يوم، فى العديد من المجالات، فمن باب أولى، عليها أن تقول وتنصح بعض المؤسسات المدنية والشعبية: «احترسوا من الوقوع فى فخ الإساءة لأنفسكم ولبلدكم»!!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved