التهاني والمعايدات المعلبة!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأربعاء 5 يونيو 2019 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

مساء يوم الاثنين الماضى كتبت رسالة نصها التالى «كل عام وحضرتكم بألف خير وصحة وسعادة وراحة بال.. عيد فطر سعيد..أعاده الله على الجميع باليمن والبركات» وبدأت أرسلها لبعض الأصدقاء والزملاء أو من بادروا بالتهنئة.

أحد الأصدقاء رد على بقوله: انت أرسلت لى رسالة مجمعة موجهة للجميع، لكن أنا سأرد عليك برسالة تخصك أنت فقط».

للأمانة هذا الرد أخجلنى وذكرنى بالتغيير الكبير الذى حدث فى المعايدات بين الناس فى ظل التكنولوجيا الحديثة.

بكبسة زر واحدة يمكن لأى شخص الآن أن يرسل رسالة تهنئة لأى عدد من أصدقائه ومعارفه وأقاربه. يكفى فقط أن يجهز رسالة محددة سواء كانت عبارة عن صورة أو كلمات وفقرات ويتم إرسالها وينتهى الأمر.

هذا ما يمكن للتكنولوجيا الحديثة أن توفره لنا، لكنها فى المقابل جعلت معظم التهانى نمطية ومكررة، بلا روح أو احساس.

مع اختراع المحمول وتطور تقنياته صار كل منا يمسك بهاتفه ويبحث عن صورة جيدة معبرة أو يكتب هو بنفسه عبارة لائقة أو يمزج بين الاثنين ويؤلف شيئا ثالثا، تم يبدأ فى الارسال بكبسة زر.

هذا الاختراع أو التطور شىء مريح جدا ويوفر عليك الوقت والجهد ويجعلك تهنئ أكبد عدد من الأصدقاء والأقارب والزملاء فى أى مكان خصوصا المقيمين فى الخارج وهو ما كان مستحيلا فى الماضى، لكن المشكلة أن هذه الرسائل يراها كثيرون أنها بلا روح، خصوصا تلك الرسائل الموجهة للجميع من دون تمييز.

حينما يتسلم أحدنا رسالة تهنئة عامة موجهة للجميع، فإن أول ما سيتبادر إلى ذهنه، أنها رسالة رفع عتب أو مجرد أداء للواجب، تخلو من الدفء والحميمية والخصوصية.

من يشعر بذلك له كل الحق خصوصا أن كثيرين، وهم يقومون بارسال مثل هذه الرسائل المجمعة لا يكلفون أنفسهم حتى مجرد فرز الأسماء لتصنيفها، ولأن ذلك لا يحدث، ، تقع هناك الكثير من المطبات والمقالب الساخرة جدا، فمثلا حينما تضغط على كامل قائمة الاسماء لارسال رسائل المعايدة، ففى الغالب تصل المعايدات إلى بعض غير المقصودين مثل الإخوة المسيحيين الموجودين فى القائمة فى حين أن الأصل تهنئتهم يوم أعيادهم وليس فى الاعياد الإسلامية.

ومن المطبات أيضا أن الاخ المسيحى حينما يرسل لك رسالة التهنئة يقوم بعضنا بالرد الآلى بنفس الرسالة المعلبة، وبدلا من أن يشكره على التهئنة يقوم بتهنئته بالعيد. فى تقديرى أن ذلك ليس خطأ، على اعتبار ان المسلمين والمسيحيين، يفرحون لأعياد بعضهم البعض. كما يقوم بعضنا احيانا بارسال الرسائل لأشخاص نحن على خلاف معهم أو لا نريد أن نعايدهم لأى سبب من الأسباب.

ومن الطرائف أيضا أننا ننسى أننا سبق لنا إرسال رسالة التهنئة إلى أحد الاشخاص، فنقوم بارسال رسالة أخرى إليه، والأطرف انه يرد شاكرا فنرد بارسال الرسالة إليه مرة اخرى وهكذا يدخل الطرفان فى مباراة لارسال رسائل مكررة باردة ومملة للأسف!!

السؤال هل الحل أن نعود إلى الأساليب القديمة فى التهنئة بالأعياد قبل اختراع الموبايلات، وهل هذا وارد أصلا؟!

للأسف الماضى لا يعود خصوصا فى زمن التكنولوجيا الحديثة، التى جعلتنا جميعا عبيدا لها، نبحلق ليل نهار فى الشاشات الصغيرة منعزلين بأنفسنا عن أقرب الناس إلينا، بل ولا نتبادل الكثير من الكلمات والعبارات.

أحد الحلول أن تكون رسائلنا للمقربين والأصدقاء خاصة لهم فقط، وليست مشاعا، ولو استطعنا ان نستبدل الرسالة بالمكالمة خاصة سيكون ذلك أفضل.

سيقول البعض ولماذا لا نعود إلى الطريقة القديمة والصحيحة وهى أن التهنئة بالعيد تكون بالزيارات الميدانية وجها لوجه.

شخصيا أفعل ذلك حينما أعود كل عيد إلى قريتى، وأحرص على المرور على كل الأقارب والاصدقاء، والتعييد عليهم سواء فى بيتى أو بيوتهم أو أثناء صلاة العيد. لكن إذا فعلنا ذلك فى قريتنا أو منطقتنا فماذا سنفعل مع بقية الأصدقاء الموجودين فى الأماكن البعيدة والنائية؟!

للأسف فإن التكنولوجيا الحديثة وإذا كانت قد ساعدتنا فى كثير من المجالات فإنها أضرت بالمشاعر والحميمية كثيرا وحولتنا إلى آلات صماء بلا مشاعر، ونكتفى بتبادل رسائل نمطية خالية من أى احساس.

عموما وإلى أن نصل لطريقة صحيحة توازن وتوائم بين الدفء والتكنولوجيا، اتقدم اليكم بأرق التهانى بعيد الفطر المبارك.
عيدكم سعيد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved