مالك وصلاح وعيد المصريين

تمارا الرفاعي
تمارا الرفاعي

آخر تحديث: الأربعاء 5 يونيو 2019 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

اقترن آخر يومين فى شهر رمضان المبارك بكمية قد تكون غير مسبوقة، على الأقل فى الفترة الأخيرة، من الفكاهة فى مصر. وأخص بالذكر ما دار من تعليقات لاذعة حول قرار السلطات تحديد يوم العيد وإضافة يوم أخير لشهر الصيام رغم اعتراضات كثيرين على شبكات التواصل الاجتماعى، فتسابق مستخدمو الشبكات فى نشرهم لدعابات وتعليقات ساخرة يناشدون بها المسئولين عن تحديد بداية العيد بالعدول عن قرارهم وتثبيت العيد بدلا من تأجيله.

***
أظهر المصريون خفة دم وسرعة بديهة وروح دعابة ومرحا لم يشهدها العالم منذ سنوات، وعادت إلى القلوب فرحة بالنكات والضحك على صفحات العالم الافتراضى مسحت ولو لساعات هموما تثقل القلوب منذ فترة، فعاد لهم لقب ملوك النكتة، ووضعوا على رءوسهم تاجا لطالما منحتهم إياه باقى الشعوب العربية مع اعتراف أن لا خفة دم وقدرة على إطلاق النكات كتلك التى يملكانها لسان وبديهة المصريين.

***
وهكذا، وعلى مدى ساعات، عاد لمصر شىء لم يظهر منذ قرابة عقد كامل، شىء لطالما فتن غير المصريين وجذبهم: قدرة العقل المصرى أن يلتقط موقفا ويحوله بخفة إلى مادة للسخرية بشكل يتفق عليه معظم من يرى المشهد فيضحك ويخفف من التوتر. خلال ساعات قليلة تألق الفضاء الافتراضى المصرى، وعاد إلى السطح تميز لم تنافسه شعوب أخرى قط. طبعا حدث ذلك بعد يومين من فوز فريق ليفربول فى دورى أبطال أوروبا لكرة القدم، وهو فوز عاشه كثير من المصريين على أنه فوز محمد صلاح، ابن مصر الذى نجح فيما أخفق فيه القادة السياسيون والمجتمعيون والدينيون: أن يوحد قرابة شعب بأكمله فى حب ما يمثل نجاحا للبلد وما يراه كل مصرى على أنه نجاح خاص به.

***
كان قد سبق هذان الحدثان فوز الممثل الأمريكى مصرى الأصل رامى مالك بجائزة أوسكار أفضل ممثل عن فيلم «الملحمة البوهيمية»، وهو فيلم يروى قصة حياة المغنى البريطانى المشهور فريدى ميركرى، مغنى فرقة كوين والذى تألق حتى موته عام 1991. فرح المصريون بفوز رامى مالك كفرحهم بعبور عمر الشريف إلى العالمية من قبله، وتسابق المدونون ومستخدمو شبكات التواصل الاجتماعى بالتفاخر والتباهى بأصول مالك المصرية، متمسكين بخبر يظهر أخيرا على ساحة الأخبار العالمية يعيد لهم ولبلدهم ابتسامة شعر الكثيرون أنهم فقدوها تحت وطأة الهم العام والصعوبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تضغط على حياتهم وقلوبهم.

***
لا يمكن التقليل من أهمية الأحداث الثلاثة وأثرها على المزاج العام فى مصر، فقد تحول الفضاء من حولى إلى مكان مرح وكأن ألعابا نارية ملونة فرشت تصاميمها الجميلة فى سماء تشارك من يعيش فى مصر سحرها، رفعنا رءوسنا لنستقبل هذا الكم الهائل من الفرح المفاجئ وضحكت الوجوه والقلوب حتى تصورنا أن رامى مالك ومحمد صلاح ونكات العيد قد مسحت عن الحياة همومها. تستوقفنى حاجة المصريين إلى التمسك برموز تعيد إليهم الفرح بعد سنوات من الإحباط، حتى لو كان أحدهما رمزا رياضيا لا يمثل مصر رسميا، فمحمد صلاح يلعب فى فريق بريطانى، والآخر ممثل أمريكى رغم أصوله المصرية، والثالث عبارة عن فكاهات يطلقها الجميع مستخدمين أسلوبا لا يبرع فيه سوى أهل مصر.

***
للفرحة قدرة عجيبة أن تحيا من أمور بسيطة، للإنسان طاقة تعود إلى الحياة مع شمس تدخل أشعتها فجأة إلى ظلمته فتفاجئه وكأنها لا تشرق كل صباح. فى أحلك المراحل السياسية وأشدها ثقلا على الشعب، تنتشر نكتة أو فرحة بشخص مصرى فتهيأ لى أن ثمة شعلة تركض فى غابة مظلمة لتظهر معها أشجار وزهور كنت قد توقفت عن رؤيتها منذ سنوات. هكذا تلمع ضحكات وسط وجوه تشع عيونها بفخر وطنى لم يزرها منذ مدة.

***
أظن أن ما أتيح للقلب من ضحك هذا الأسبوع بسبب ما أحاط بقرار تحديد يوم العيد، وما سبقه من زهو وافتخار بفوز صلاح ومالك هو عيد للنفسية فى مصر، وحفلة جماعية كبيرة أظهر فيها المصريون قدرتهم على تخطى صعوبات مهولة حتى لو لساعات معدودة بفضل اعتزازهم ببلدهم الذى يتعدى خيبة أملهم، وإيمانهم أن لهم فى بلدهم توقعا أنها سوف تعود وتحبهم رغم سنوات عجاف شعروا أنها قد لفظت معظهم خلالها من قلبها.

***
كل عام ومصر بخير، لكن الأهم هو كل عام والمصريون يحافظون على روح فكاهة وخفة دم وسرعة بديهة لا منافس لهم فيها. كل عام وللمصريين قدرة على الإبداع، وعلى إدخال الألوان من ثغرات صغيرة تعيد الروح إلى مساكن مهجورة داخل القلوب، فتسطع شمس كانوا قد نسوا دفئها خلال أيام شتاء باردة وموحشة. كل عام والمصريون يحاولون التمسك بالأمل ويرون فى بلادهم حقا عليهم يطالبون به ويطلبون منها أن تنصفهم وتحبهم كما يحبونها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved