الإنذار.. فيلم روائى قصير

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: السبت 5 يونيو 2021 - 7:25 م بتوقيت القاهرة

أستيقظ بعد الفجر بقليل على صوت صفارة إنذار لا ينقطع فى يوم حار. إنذار يُنْبِئُ أنه نهار المفاجآت غير السارة. أنهض من الفراش وأستمر فى سيرى مترنحة لكى أفتش عن أسباب الصوت المزعج، ثم أتوقف أمام عداد الكهرباء الجديد نسبيا، وهو من النوع مسبق الدفع. أضع الكارت لأتأكد من وجود رصيد كافٍ وأن كل شىء على ما يرام لأننى بالفعل كنت قد شحنته فى المساء، لكن ربما هنالك ما طرأ بسبب الحرارة واستخدام أجهزة التكييف. كان الأمن مستتبا والجهاز مشحونا، فقررت ألا أكترث، خاصة أن الإنذار توقف بمجرد تمرير الكارت على العداد الذكى. قلت لنفسى قد يكون الجهاز يعانى مثلنا من قيظ الصيف.
أعود إلى سريرى وأحاول النوم مجددا، فإذا بالإنذار ينطلق مرة أخرى بعد ساعة بالتمام والكمال، أفترض أنه سيتوقف وحده، لكن ذلك كان مبالغة منى فى التفاؤل وحسن الظن. وعندما لم أعد أحتمل الانتظار توجهت إلى العداد الذكى ومررت الكارت لتصمت الصفارة. لم تنقطع الكهرباء، ولم يتغير الرصيد تقريبا بعد إطفاء معظم أجهزة البيت. تكرر الأمر للمرة الثالثة أيضا بعد ساعة بالتمام والكمال، فهو جهاز منضبط، له ما له وعليه ما عليه. حاولت الاستعانة بصديق فى مثل هذه الساعة المبكرة من الصباح فانطلقت إلى أقرب محل شحن فورى يعمل طوال الليل والنهار. راجع هذا الأخير الرصيد ليؤكد لى أن الجهاز لديه ما يكفيه ويفيض، لكننى أضفت مبلغا آخر من المال، ثم عدت إلى منزلى. وبعد ساعة صرخ الإنذار ومررت الكارت!
***
تحدثت إلى طوارئ الكهرباء بناء على نصيحة أحدهم. وفهمت أن الاستغاثة لا تفيد لأن السيدة التى حادثتها على الهاتف أبلغتنى أن لجنة الفحص الفنى لن تأتى قبل ثلاثة أيام، وأنه من الأفضل أن أتوجه إلى مقر شركة الكهرباء كى أقدم طلبا وأراجع مع الموظف المختص خانة التاريخ والساعة بالعداد فأى خلل فيهما قد يتسبب فى لخبطة الجهاز الذكى، وبهذا يكون الأمر سهلا ولا حاجة للجنة فحص. وهنا كانت المفاجأة الكبرى. قبل أن أستطرد فى الشرح للموظف، ضحك وابتسم ابتسامة رائقة وقال إن الجهاز يحذرنى من أننى اقتربت من الألف كيلو وات وإنه يخاف على مصلحتى لذا ستستمر صفارة الإنذار فى الانطلاق كل ساعة على مدى أربع وعشرين ساعة، لكى تحثنى على تخفيض الاستهلاك، وذلك حتى تتغير الشريحة فى صباح اليوم التالى مع بداية الشهر أو أصل إلى الألف كيلو التى إذا ما تجاوزتها ستكون التعريفة محررة من الدعم، وفهمت فيما بعد بمراجعة الإنترنت أن الشريحة السابعة، أى التى يزيد فيها الاستهلاك على 1000 كيلو وات، سعرها أربعون جنيها، فى مقابل 25 جنيها للشريحة السادسة.
أصابنى الذهول من منطق العداد الذكى وطريقة تصميمه، أتفهم مراعاته لمصلحتى مع ارتفاع فواتير الكهرباء فى فصل الصيف، لكن حاولت أن أناقش الرجل بالمنطق قائلة: يكفيه التنبيه مرة أو مرتين، لكن بمعدل كل ساعة بصفارة لا تنقطع هذا كثير جدا! فأجاب بهدوء: «هو مصمم على هذا النحو، ولست أنا المسئول عن التصميم! حدث ذلك مع عملاء آخرين، فهى شكوى متكررة».
عدت إلى المنزل وأنا أجر أذيال الخيبة وأتخيل كيف ستصمد العائلة أمام صفارة الإنذار، خاصة عندما يأتى المساء. فكرت مليا فى أن كل المنظومات الذكية التى نريد تطبيقها فى مجالات الطرق والكهرباء والنقل والمدن والطب والتعليم تحتاج بالفعل إلى ذكاء، إضافة بالطبع إلى البنية التحتية والتدريب والصيانة. قرأت مطولا عن العيوب والثغرات التى تكتشفها وزارة الكهرباء فى العدادات الذكية أو مسبوقة الدفع وكيف تراجع المنظومة من وقت لآخر حين يلاحظ المختصون زيادة نسبة الفقد وسرقات التيار فى ظل عدم وجود الكشافين الذين سيتم الاستغناء عنهم تدريجيا، فنحن لانزال فى طور التجارب رغم أنه تم تركيب نحو 10 ملايين عداد ذكى، ضمن مشروعات التحديث، وأن الوزارة تستهدف تركيب 2 مليون عداد سنويا، فهى بصدد تحويل العدادات التقليدية التى يبلغ عددها 30 مليونا إلى عدادات مسبقة الدفع، وسيتم ذلك خلال 10 سنوات على الأقل، بحسب التصريحات التى نُشرت فى الصحف.
***
حاولت التعامل بشكل إيجابى مع فكرة زمن الديجيتال فى قارة مثل إفريقيا وكل هذه الدول التى وجدت نفسها تتحول فجأة إلى الرقمنة دون المرور بمراحل وخطوات أخرى وسيطة، ففى بقاع مختلفة من العالم لم يكن لدى البسطاء من السكان خطوط تليفونات أرضية، وذلك حتى بدايات الألفية الثانية، ثم سرعان ما دخلوا عالم المحمول والشبكات الاجتماعية بسرعة هائلة، من لا شىء صرنا نتحدث جميعا عن الرقمنة والمنظومات الذكية والأونلاين، وبالطبع سيغير ذلك الكثير.
قضيت الليلة وحتى صباح اليوم التالى وأنا أمرر الكارت على العداد كل ساعة، وصار الموضوع يتكرر بشكل تلقائى أو بالأحرى ميكانيكى. تخيلت نفسى أكتب فيلما روائيا قصيرا بعنوان «الإنذار» هذا الذى ينطلق دون توقف ليشعرنا بالخطر الداهم وضرورة التصرف فنتوتر ونجرى فى جميع الاتجاهات. فيلم تتكرر فيه المشاهد نفسها مثلما فى أعمال مسرح العبث التى ظهرت فى القرن العشرين، إبان الحرب العالمية الثانية. الأحداث غير منطقية والحوارات عبثية ساخرة والأفعال تتكرر، على أمل أن يتعلم الشطار من كثرة التكرار.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved