ما بعد «الحرب الرابعة».. التقييم والدروس المستفادة والدور المحورى المصرى لرسم مسار «خريطة الطريق»

محمد مجاهد الزيات
محمد مجاهد الزيات

آخر تحديث: السبت 5 يونيو 2021 - 10:17 م بتوقيت القاهرة

بخلاف ما بعد ثلاث حروب سابقة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، فى 2008 و2012 و2014 فإن ما بعد الحرب الرابعة (مايو 2021) سيكون مختلفا، ربما هناك مؤشرات لحقبة نوعية فى إطار معادلات الاشتباك بشكل عام على المستويين السياسى والعسكرى، لا تتوقف على طبيعة المتغيرات على مستوى اللاعبين الرئيسين، هناك معطيات جديدة فى الموقف الأمريكى فى ظل إدارة بايدن، وهناك تطور لافت فى الموقف المصرى على صعيد الرؤية الاستراتيجية الشاملة للتعامل مع الملفات المعقدة، وستوظف القاهرة، كلاعب محورى، الزخم الحالى فى محاولة عقد أكثر من صفقة؛ منها تبادل الأسرى، والتوصل لهدنة طويلة المدى، وإصلاح البيت الفلسطينى الممزق، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة الإعمار.

نتائج الحرب.. تقييم وخلاصات
ما جرى فى غزة خلال 11 يوما والذى يجرى بعدها على المستوى السياسى والإعلامى يشير إلى أن الدوافع التى أدت إلى اندلاع الحرب الرابعة لا تزال بعيدة عن المعالجة بشكل حاسم، كقضية القدس وتحديدا حى الشيخ جراح، والانتهاكات الإسرائيلية، لاسيما فى ظل توقع تكرار هذا السيناريو فى حى سلوان. وهنا تجدر الإشارة إلى أن خطاب نتنياهو تركز على استهداف القدرات العسكرية للفصائل الفلسطينية، وهو حديث متكرر بعد كل حرب وفى الاعتقاد أنه لا يملك ولا يريد اجتثاث حماس طبقا لرؤية استراتيجية إسرائيلية ولنتنياهو بشكل خاص.
كما أن نتنياهو كان يتصور أنه سيخرج من الحرب قادرا على تشكيل حكومة أغلبية إلا أنه فشل فى تحقيق ذلك والحديث يدور حاليا حول تشكيل حكومة لا يشارك فيها نتنياهو ولا حزبه فى متغير جديد يعيد تشكيل البيئة السياسية داخل إسرائيل وبالتالى فإن الحرب الرابعة أفرزت متغيرات سواء على الداخل الإسرائيلى لم يكن مخططا لها. ولن تسمح تل أبيب لحماس بأن تستثمر ذلك فى حسم الموقف الفلسطينى لصالحها، بل بقيت الأمور على ما هى عليه رغم الالتفاف الفلسطينى حول صواريخ المقاومة فى البداية إلا أن قضية إعادة الإعمار والخسائر المدنية بدأت تطفو على السطح وتثير الكثير من التساؤلات حول ما جرى.
لقد حاول نتنياهو أن يطبق استراتيجيته التى تبناها منذ وصوله للحكم فى أنه يمكن أن يحقق الأمن لإسرائيل وينشر الاستيطان ويطرد الفلسطينيين من منازلهم دون تقديم أى تنازلات فى القضية وأن يحقق السلام الإقليمى مع الدول العربية، وهو ما حققه من خلال الاتفاقات الإبراهيمية ودون أن يقدم تنازلات أيضا. إلا أن ما جرى أكد أن هذه الاتفاقيات لم تحقق أى سلام كما تم الادعاء وأن الأمن الإسرائيلى لن يتحقق إلا بمعالجة جذور المشكلة والعودة إلى إعطاء الشعب الفلسطينى حقوقه. وسوف تواصل مصر جهودها بين الطرفين ليس فقط لتثبيت الهدنة ولكن بحثا عن بعض الأسس لإعادة طرح القضية الفلسطينية على مائدة التفاوض وتحريك الرباعية الدولية وتأكيد أن المشكلة ليست فى إطلاق الصواريخ، ولكن فى إيجاد حل جذرى للقضية وانتهاء ما يسمى بـ«صفقة القرن».
انعكاسات النتائج العسكرية للحرب منها على سبيل المثال قدرة الفصائل على تطوير قدراتها النوعية والعملياتية؛ فقد تمكنت من توسيع المسرح العلمياتى لصواريخها واستهداف مواقع استراتيجية فى الشمال والجنوب مثل مطار رامون مطار بن جوريون وخط غاز عسقلان، كما استخدمت نوعيات جديدة من المدفعية الموجهة مثل صواريخ الكورنيت حيث تم تسجيل هجومين على أهداف إسرائيلية فى غلاف غزة بهذه النوعية من الصواريخ المتطورة. بالإضافة إلى إدخال الطائرات المسيرة أيضا لساحة الحرب وهى «شهاب» و«الزوارى» المستنسخة من نماذج إيرانية لاسيما طائرة «أبابيل»، الأولى هجومية والثانية طائرة استطلاع.
لكن فى المقابل، هناك كلفة كبيرة للحرب، تتمثل فى الدمار الواسع الذى تعرضت له البنية التحتية فى القطاع، والتى وصلت إلى تدمير 20 ألف مسكن موزعة ما بين أبراج وبنايات سكنية فى غزة و300 منشأة اقتصادية وصناعية بالإضافة إلى محولات الكهرباء والمرافق السياحية وهو ما أدى إلى نزوح 80 ألف فلسطينى من مساكنهم.
وعكست هذه التطورات انكشاف القدرات العسكرية الإسرائيلية خاصة منظومة القبة الحديدية. فى ظل مؤشرات التقييم المتاحة كان مستوى فاعلية الأداء ما بين ٨٥ – ٩٠٪، لكن الحديث الأمريكى عن دعم تطويرها يؤكد أنها لم تكن بتلك الدرجة من الكفاءة خاصة وأن الفصائل اعتمدت على الإطلاق المكثف للصواريخ، وبالتالى فإن اختراق الحد الأدنى من الصواريخ بنسبة ١٠٪ هو ما تراهن الفصائل على أن يحدث فارقا فى معادلة الردع. وبالتالى لا يتوقع فى ظل تقييم الحرب الإسرائيلية على القطاع أن تكون هناك مغامرة إسرائيلية بخوض حرب على جبهات متعددة، خاصة فى ظل تفوق قدرات حزب الله اللبنانى مقارنة بقدرات الفصائل الفلسطينية، بالإضافة إلى أنه حصل مكتسبات جديدة مثل تمدده فى سوريا بالإضافة إلى الدعم العسكرى الإيرانى على تلك الجبهة. وبالتالى يمكن القول أن قرار وقف إطلاق النار جاء فى توقيت مناسب لكلا الطرفين، رغم ادعاء كل منهما تحقيق أهدافه فى تلك الحرب وهو ما تكرر فى الحروب الثلاثة السابقة ولم يعالج جذور المشكلة الفلسطينية وأدى إلى مجرد هدنة مقابل هدنة.

سياقات حاكمة.. إشكاليات المرحلة
الرهان على الموقف الأمريكى. تسعى القاهرة بتنسيق دولى وإقليمى إلى التوصل إلى هدنة طويلة المدى، ولعل الجهد المصرى الذى انطلق من أول أيام المعركة فى جولات مكوكية بين الطرفين والذى تم دعمه بمساندة دولية فى مقدمتها الدعم الأمريكى، كان إدراكا من واشنطن أن مصر قوة مركزية فى المنطقة لا يمكن تجاهلها وأنها الدولة الوحيدة القادرة على التفاهم مع طرفى الصراع وطرح الخيارات والسيناريوهات القابلة للتوفيق بين شروط كل منهما. وتبلورت قضية إعمار غزة كحاجة ملحة فى هذا التوقيت وإن كانت هناك ضغوط إسرائيلية واشتراطات أمريكية وأوروبية بـألا يتم ذلك من خلال حماس وهى عقبة يتم البحث حاليا فى كيفية تحقيق هذا الشرط وعدم معارضة حماس لها.
طرح الجانب الأمريكى فى بداية تدخله فى الأزمة «قضية القدس» وضرورة تهدئة الأوضاع هناك والذهاب إلى حل سياسى للقضية الفلسطينية برمتها والحديث عن «حل الدولتين». إلا أنه لوحظ بعد وقف إطلاق النار والتصريحات اللاحقة للرئيس الأمريكى جو بايدن ووزير خارجيته أنتونى بلينكن خلال زيارته للمنطقة أن الجميع ركز على السلام الاقتصادى وتحسين معيشة الشعب الفلسطينى وتراجع الحديث عن «حل الدولتين» أو آليات تنفيذ ذلك الحل وتحديد برنامج زمنى للعودة إلى التفاوض.
رأب الصدع الفلسطينى الداخلى. لازال الخلاف الفلسطينى ــ الفلسطينى عاملا حاكما فيما يتعلق بالتطورات الجارية، وقد أدى تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية فى غزة إلى تراجع ثقل وشعبية الرئيس الفلسطينى وسحب معه شعبية منظمة فتح وهو أمر سوف يفرض تأثيره خلال المسارات القادمة للأزمة، حيث أن ما جرى فى غزة سوف يمثل عاملا لزهو حماس وتصدرها للمشهد وادعائها للدفاع عن القضية الفلسطينية بعناصرها المختلفة. وبالتالى سوف يلقى الجانب الفلسطينى منقسما وسوف يؤدى ذلك فى تبلور مناخ لا يساعد على جهود دولية حثيثة أو آلية منظمة لطرح القضية الفلسطينية بعناصرها على مائدة التفاوض.
تأثير طهران. فقد وُضِح بصورة جلية الدور الإيرانى فى الحرب الرابعة سواء على المستوى العسكرى أو السياسى. ولا شك أن الحرص الذى أبداه القادة السياسيين والعسكريين بالفصائل من الإشادة للمساندة الإيرانية قد عبر بوضوح عن حجم التأثير الإيرانى على تلك الفصائل وخاصة حركة الجهاد، وهو ما سيترك تداعيات كبيرة خلال الفترة القادمة، لاسيما أن الجانب الإسرائيلى يثير هذه النقطة بشكل دائم. حيث تسعى إسرائيل إلى تقويض الدور الإيرانى، وضمان وقف الدعم الذى تقدمة للفصائل الفلسطينية، وهو أمر صعب بشكل عام، إذ من الممكن فى أفضل الأحوال تحجيم هذا الدور نسبيا.

اليوم التالى.. وخريطة الطريق

بعد نجاح القاهرة فى التوصل لوقف إطلاق النار، تسعى مصر إلى تحويل التهدئة إلى هدنة طويلة المدى، بالإضافة إلى ترتيب الأوضاع الفلسطينية الداخلية، كخطوات تهدف إلى تهيئة الأجواء لاستئناف عملية السلام، واستثمار الاهتمام العالمى بهذا الملف فى ظل التطورات الأخيرة، وبالتالى فإن مصر ليست مجرد وسيط وإنما هى شريك استراتيجى. وقد تبلورت هذه الشراكة فى عدة مسارات، منها نمط الحركة المصرية، فى إطار عملية «التفاوض المتوازى». فقد كان الوفد المصرى يتحرك بشكل متوازٍ بين جميع الأطراف فى غزة وتل أبيب ورام الله مع تسجيل نقاط تقدم فى كل جولة بين الأطراف توجت بزيارة رئيس المخابرات العامة عباس كامل إلى إسرائيل والأراضى الفلسطينية. حيث أجرى لقاءات مع نتنياهو ووزير الدفاع ودوائر صنع القرار، وهو السياق ذاته الذى جرى على الجانب الفلسطينى بهدف تضييق المساحة على عامل توزيع الأدوار والمساومات، حيث تمت الترتيبات مع الدائرة الأمنية للفصائل لضمان وقف إطلاق النار بالإضافة إلى مناقشة ملفات الهدنة وتبادل الأسرى. وعلى التوازى تتواصل التحركات الدبلوماسية المصرية، فقد استقبلت القاهرة وزير الخارجية الإسرائيلى جابى أشكنازى، فى أعقاب الزيارة التى قام بها شكرى الأسبوع الماضى إلى تل أبيب والأراضى الفلسطينية. وتعكس هذه التحركات إجمالا تبلور رؤية مصرية استراتيجية وشاملة للحل، تضع فى اعتبارها التوفيق بين مطالب جميع الأطراف، وكان الإطار الحاكم لهذا الإطار ما أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى نفس التوقيت من ضرورة إنجاز ملفات التهدئة وتحقيق التضامن الفلسطينى حتى يمكن تحقيق اختراق فى جميع الملفات، وتوفير الأجواء لإحياء عملية السلام.

مستشار أكاديمى فى المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved