رسالة إلى الله

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 5 يوليه 2019 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

كنت شاهدا على حالة الغضب الشديد التى انتابت المخرج الراحل كمال عطية (1919 ــ2006) حين تم تكريمه فى مهرجان الإسكندرية فى بداية هذا القرن، حين ردد مذيع الحفل ما يعنى أن المخرج هو صاحب الفيلم الواحد، فانتابت كمال عطية حالة من الغيرة والحمية على كل افلامه وأعلنها صريحة أنه ليس صاحب فيلم» قنديل ام هاشم»، فقط، بل إن له أربعة وعشرين فيلما يشاهدها الناس فى جميع الوسائل.
فى تلك الفترة كان الاستاد كمال هو الأكثر قربا لى من بين أبناء عصره بعد رحيل صلاح أبو سيف وكمال الشيخ المولود معه فى السنة نفسها.
كمال عطية هو مخرج وكاتب سيناريو، وشاعر غنائى، وأديب، وهى سمات لم تتوافر لمخرج من أبناء جيله، ربما حتى الآن، وقد كان محظوظا أن عمل مساعدا لصلاح أبو سيف فى افلامه الأولى، قبل أن يخرج فيلمه الأول «حبايبى كتير» عام 1950، وتتسم افلامه أن الكثير منه به أفكار ومعالجات لم ينتبه اليها الآخرون، ولا انسى فيلمه «المجرم» الذى أسند فيه إلى محمودالمليجى دورا لم يكن مألوفا له فى فترة انتاجه عام 1954، كما أنه أول من قدم موضوع التجربة الأولى فى حياة المراهقين خاصة التلميذة فى فيلم «بنت 17» عام 1957، وهى فكرة لم تطرح بهذا الشكل فى السينما، حيث تعاملت السينما مع المراهقة بتسطيح ملحوظ، والغريب أن النقاد لم يتوقفوا عند الفيلم بلا سبب، وهناك علامة فارقة أيضا فى السينما المصرية للمخرج لم تتكرر قط فى فيلم «رسالة إلى الله» من تأليف عبدالحميد جودة السحار، الذى فاز بجائزة مهرجان كورك بأيرلندا، وهو الفيلم الذى يبدو ممنوعا من العرض لموضوعه فى الشاشات، فهو بالغ الجرأة أنتجه يهودى، وكتبه مسلم، وأخرجه مسيحى، وسوف نتوقف عنده هنا، وأنا شخصيا اعتبره أهم أعماله على الاطلاق، بالاضافة إلى فيلم «قنديل أم هاشم» وفكرته البالغة الرجعية التى امتثل لها كاتبا السيناريو ونفذها المنتج فإن لكمال عطية فيلم لايقل أهمية عن أعماله العظيمة وهو «الشوارع الخلفية» عن رواية لعبدالرحمن الشرقاوى، حول الضابط العظيم الذى رفض أمر رئيسه المحتل باطلاق الرصاص على المتظاهرين فظل على موقفه.
وفى حياة المخرج أسماء افلام أخرى مثيرة للجدل منها «الإنسان يعيش مرة واحدة» المأخوذ عن رواية للكاتب الموهوب عادل كامل، أحد القريبين فى الأهمية من نجيب محفوظ بروايته «مليم الأكبر».
يعنى هذا أن كمال عطية بحث عن نصوص جيدة لتقديمها، ,انه لم يكف عن العمل الا بعد أن نغيرت الأجيال، وكان ابناء جيله جميعا قد توقفوا عن العمل، وعلى رأسهم أبو سيف، وكمال الشيخ، وقد ارتبط المخرج دوما بالعمل مع النجوم، الا انه فى فيلم «حديث المدينة» 1963 كان أول من عمل مع مجموعة كاملة من لاعبى الكرة الذين لم يقوموا بالتمثيل قط من قبل وتأتى نجوميتهم من مهاراتهم فى الملاعب، فقدم تجربة هى الأولى من نوعها فى الفيلم المصرى.
فيلم «رسالة إلى الله» 1960، كتبه مسلم، وانتجه وشارك فى كتابته بهودى وأخرجه مسيحى، والفيلم كان موجودا على الوسائل الاليكترونية، خاصة اليوتيوب، لكن الآن يمكن قراءة خبر أنه سيتوافر قريبا على اليوتيوب، ومن المهم التعرف عليه بمناسبة مئوية مخرجه، فهو يدور حول محصل القطار الذى يتسبب فى موت راكب حديث السن لم تكن معه تذكره، على جانب آهر فان ابنته الوحيدة تكاد تسفط من فوق المئذنة وتظل طيلة حياتها مصابة عصبيا ما يؤثر على عضلات وجهها،وتطول مرحلة علاجها. وصاؤت شابة يتجه الأب إلى الله، يرسالة مكتوبة على الورق، ويهتم صحفى كبير بالأمر حتى تزول الغمة، ومن الفيلم يمكن أن ندرك أن الأديان السماوية تتحد فى فكرة وجود الإله الذى يعبده الانسان ويلجأ اليه فى السراء والضراء، والفيلم هو أول بطولة للإذاعى والشاعر أحمد خميس، مع مريم فحر الدين، وجسين رياض، الذى قام بدور الأب، وهناك أيضا أمينة، رزق، وقد كان الفيلم يستحق أن يكون من بين الأفلام المائة الأكثر أهمية فى تاريخ السينما المصرية، لكن كما نشير دوما فإن النقاد لم يشاهدوا كل الأفلام كى يكونوا قادرين على دقة الاختيار وكم أتمنى من إدارة اليوتيوب عرضه ليعود له ما يستحقه من مكانة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved