من يطفش حقًّا من مصر؟

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الخميس 6 أغسطس 2009 - 2:44 م بتوقيت القاهرة

حينا بعد حين تتوافر لدينا القرائن الدالة على أن شواغل الرئيس مبارك لا تتيح له قراءة الصحف المصرية. وهى ذات القرائن التى تؤيد ما يتردد فى دوائر النخبة من أن الذين يذهبون للقاء الرئيس ينبه عليهم قبل الدخول بعدم إزعاجه بالمعلومات والأخبار التى لا تسر الخاطر، ومن ثم ينصحون بأن يكون حديثهم مقصورا على الأخبار المريحة، التى تبعث على السرور والاطمئنان.

لا أستبعد أن تكون نتائج الاستطلاع الذى قيل إن الحزب الوطنى أجراه مؤخرا من جنس المعلومات المرغوبة. ذلك أنه تحولت إلى نشرة أخبار وردية عبرت عن ازدياد ثقة الناس فى الحكومة التى تعمل بتوجيهات الرئيس. وتحدثت تلك النتائج عن التحسن النسبى فى مستوى المعيشة والدخل، وفى خدمات الصحة والتعليم ومياه الشرب وتوفير الخبز المدعوم، إضافة إلى الاقتناع السائد بزيادة هامش الحرية فى المجتمع. إلى غير ذلك من الخلاصات الدالة على أن الناس فى بر مصر ينظرون إلى المستقبل بشكل أكثر تفاؤلا.

لست أشك فى أن هذه النتائج حققت مرادها فى إراحة الرئيس وطمأنته إلى أن الأوضاع مرضية، وأن مضمونها أكد ما تردده الأبواق الرسمية عن «أزهى العصور» التى بات يرفل فيها الشعب المصرى، فى ظل استرشاده بحكمة الرئيس واحتمائه بقانون الطوارئ.

دعك من الشك فى طبيعة العينة التى سئلت فى الاستطلاع، وهل كانت من بين عناصر الحزب الوطنى أم لا. دعك أيضا من الحيرة التى تنتاب قارئ الصحف حين يطلع على تلك النتائج، ثم يقع فى صحف أخرى على نتائج معاكسة لاستطلاعات مؤسسات دولية، اعتبرت أن الشعب المصرى بين أكثر شعوب العالم سخطا على حكومته وعدم رضاء عن أحواله، فربما قيل إن تلك مؤسسات مشبوهة تحركها الغيرة مما بلغته مصر من إنجاز وزهو. لكن ما يلفت نظرنا أنه فى ذات اليوم الذى نشرت فيه صحيفة «الأهرام» نتائج استطلاع الحزب أبرزت العناوين الرئيسية للصفحة الأولى تصريحات للرئيس مبارك حول بعض القضايا الداخلية، إذ طالب وزير الصحة بضرورة توفير الأدوية لعلاج الفقراء، وشدد على أهمية توفير مياه الشرب للمواطنين. كما حذر من «تطفيش» رجال الأعمال بإطلاق الشائعات حولهم، فى حين أنهم يقومون بدور مهم فى دفع عجلة التنمية.

أدرى أن هذه التصريحات صدرت عن الرئيس بعد أيام قليلة من فضيحة محافظة القليوبية التى اختطلت فيها مياه الشرب بالمجارى، مما أدى إلى انتشار التيفود بين الأهالى، لكن الملاحظة الأهم أنها جاءت بعد 28 عاما من تولى الرئيس مبارك للسلطة. ورغم أن خطابات عدة له ألمحت إلى الاهتمام بالفقراء وتوفير الخدمات المختلفة لهم، إلا أنه من الواضح أنها لم تؤخذ على محمل الجد. ولم يحط الرئيس علما بذلك. فلم يبلغه أحد بالحقيقة ولم تمكنه شواغله من الاطلاع على ما تنشره الصحف من أخبار وتقارير عن تدهور الخدمات التى تقدم لشعب المحروسة.

وقفت فى تصريحات الرئيس عند امتداحه لرجال الأعمال وتحذيره من «تطفيشهم» رغم أن الجميع يعرفون أنهم الوحيدون الذين يشعرون بأن البلد يعيش «أزهى العصور». ذلك أن الخبر الذى لم يقرأه الرئيس أن الذى يطفش حقا من مصر هم شباب الأجيال الجديدة، الذين ضاقت بهم سبل الحياة. ولم يصدقوا استطلاعات الحزب الوطنى، ولا الأخبار المغشوشة التى تصدر عن المسئولين ويسوقها الإعلام الرسمى. فتسابقوا على مغادرة البلد إلى حد التضحية بحياتهم للوصول إلى شواطئ أوروبا بحثا عن الأمل الضائع. فغرق منهم الكثير ونجا آخرون ــ هل يعقل أن يكون الخبر نقل خطأ إلى مسامع الرئيس. فقيل له إن الذين «يطفشون» هم رجال الأعمال «الغلابة» هربا من شعب مصر المفترى الذى لا يكف عن الغمز فى قناتهم والتلسين عليهم؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved