الخلافات الفلسفية بين شركاء 30 يونيو

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الأحد 5 أغسطس 2018 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

هل يمكن أن نعتبر أن شركاء 30 يونيو 2013 الذين التقوا على رفض استمرار حكم الإخوان، وفوضوا وقتها وزير الدفاع عبدالفتاح السيسى اتخاذ جميع الإجراءات لإنهاء احتجاجاتهم، والتى أسماها الرئيس بأنشطة إرهابية، هم تيارات فكرية لها منطلقاتها وتصوراتها عن مستقبل مصر؟، وأن خروج مصر من الحالة التى أغضبت الرئيس السيسى من تغريدات بعض أنصار هؤلاء الشركاء رهن بمسار العلاقات بين هذه التيارات؟
الذى يدعو إلى اللجوء إلى هذا المنهج فى تحليل مواقف هؤلاء الشركاء هو مداخلات الرئيس فى مؤتمر الشباب الذى انعقد يومى السبت والأحد الماضيين، فقد وجه اللوم إلى من دعا إلى رحيله بالتغريدات على موقع تويتر، ومعظمهم فى رأيه ممن ناصروه فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وقد سألهم فى الجلسة قبل الأخيرة للمؤتمر: ألستم أنتم الذين طالبتم بتدخل الجيش ضد حكم مرسى؟، وأضاف أن القوات المسلحة هى التى حاولت التوسط بين مرسى وجبهة الإنقاذ الوطنى، وأنها عندما خلعت محمد مرسى وأعلنت خطة الطريق فى ٣ يوليو إنما كانت تفعل ذلك بناء على تفويض شعبى تجلى فى مظاهرات يوم الجمعة ٢٦ يوليو ٢٠١٣ بناء على طلبه، ويصر الرئيس على أن هذا التفويض كان له وللقوات المسلحة، وأنهم ملتزمون به، ويطالب ممن منحوه هذا التفويض أن يفوا بالتزامهم بموجبه بتأييده. فهل يكفى ما قاله الرئيس لعودة من طالبوا برحيله عن هذا المطلب، وأن ينتظروا تحقيق الرئيس لما يريد أن يفعل بموجب هذا التفويض؟.
هنا سوف يكون من المفيد أن يوضح كل طرف ماذا يفهم من هذا التفويض، ولمن كان التفويض، وما هى شروطه؟ وهل يمكن أن تتفق أطراف ٣٠ يونيو على تفسير الرئيس لهذا التفويض، وما العمل إن لم تكن هناك بوادر للاتفاق؟ وما هى حدود التغير فى المواقف لهذه الأطراف. هذا هو المقصود بالخلافات الفلسفية لشركاء ٣٠ يونيو، ويمكن الاجتهاد فى معرفة ملامح هذه المواقف بناء على ما صدر من ممثلى هذه الأطراف من تصريحات، وما خرج عنهم من سلوك.
الشركاء الثلاثة:
الشركاء الثلاثة هم أولا أصحاب التأييد المطلق للرئيس، وهم ثانيا أنصار نظام مبارك الذين تطلعوا أن يكون رحيل الإخوان المسلمين مقدمة لعودة سياساته وعودتهم هم أو صفهم الثانى للمشاركة فى السلطة إلى جانب الرئيس السيسى، وهم ثالثا القوى الليبرالية واليسارية والجماعات الشبابية التى كانت تأمل أن تكون إزاحة الإخوان المسلمين عن السلطة هى المقدمة لتصحيح مسار الثورة بالعودة إلى قيم وأحلام ثورة ٢٥ يناير. ومن الواضح أن خلافات هؤلاء الشركاء اليوم تدور حول ما فهمه كل منهم بالمقصود من التفويض، ومن الذى تطلعوا إلى تفويضه، والغاية منه، وحول مسار الحكم فى مصر بعد أربعة أعوام من التفويض.
لمن التفويض؟ وما هو المقصود منه؟:
لم يكن هناك شك عندما احتدم الخلاف بين جبهة الإنقاذ الوطنى وأنصارها وحكومة الإخوان المسلمين أن المخرج هو بتدخل القوات المسلحة لوضع حد لحكم الإخوان إن لم يقبل الرئيس الاسبق مرسى بتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، وقد قبل شركاء يونيو فى مظاهرات عارمة تفويض وزير الدفاع عبدالفتاح السيسى وضع حد لحكم الإخوان إن لم يقبل الإخوان هذا المطلب، هذا التفويض كان مطلقا وبلا حدود من جانب قسم كبير من الرافضين لحكم الإخوان ثقة منهم فى شخص وزير الدفاع لما شاع عن مهنيته ونجاحه فى رفع كفاءة القوات المسلحة والحفاظ على وحدتها بعد إطاحة الإخوان بمجلسها الأعلى. وامتدت ثقة أصحاب التأييد المطلق للسيسى من شخصه كوزير الدفاع إلى كل القوات المسلحة باعتبارها المؤسسة الوحيدة فى البلاد من وجهة نظرهم القادرة على استعادة الأمن والاستقرار والعودة باقتصاد البلاد إلى أوضاع طبيعية. أما أنصار نظام مبارك فقد شاركوا فى التفويض لشخص وزير الدفاع، أملا منهم فى أن تتيح إزاحة الإخوان المسلمين إنهاء آثار ثورة يناير والعودة إلى سياسات الرئيس مبارك، ومشاركتهم فى السلطة باعتبارهم الوحيدين الذين يمكن أن يوفروا للرئيس الجديد ما يسمونه بظهيره السياسى. أما القوى الليبرالية واليسارية وجماعات الشباب التى قادت ثورة يناير فكان التفويض قاصرا على شخص وزير الدفاع، وهو تفويض محدود بالعودة إلى حكم مدنى واستئناف مسيرة ثورة يناير. طبعا كان هناك فى أوساط القوى الليبرالية واليسارية وخصوصا بين صفوف الشباب من رفضوا هذا التفويض، وعولوا كثيرا على إمكانية أن يكون هناك مخرج سلمى من أزمة المواجهة بين طرفى النزاع، بأن يقبل الرئيس مرسى بعض التنازلات مثل إقالة حكومة هشام قنديل وتعيين حكومة واسعة التمثيل بدلا منها أو أن يرضخ لمطلب تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة.
لقد حافظت القوى الليبرالية واليسارية وجماعات الشباب على موقفها الذى اعتبر أن تدخل القوات المسلحة فى ٣٠ يونيو ــ ٣ يوليو هو أمر مؤقت وضرورى للخلاص من حكم الإخوان المسلمين، ولكنه لا يجب أن يكون مقدمة لعودة البلاد إلى حكم عسكرى. وقد تجلى ذلك فى مناقشات لجنة الخمسين التى وضعت الدستور المعدل الذى وافق عليه الشعب فى يناير ٢٠١٤، ولذلك أصرت فى ديباجة هذا الدستور على أن الحكم الذى تنشده البلاد هو حكم مدنى ديمقراطى، والمقصود بالمدنى ليس فقط الحكم الذى لا يتربع على قمته رجال الدين، ولكنه أيضا الحكم الذى تخضع فيه القوات المسلحة والشرطة لسلطة مدنية. كما دفعت ثقة كل هذه القوى فى شخص وزير الدفاع، والذى لم يكن هناك أى شك أنه سيصبح رئيس مصر فى أول انتخابات رئاسية بعد انتهاء الفترة الانتقالية، بأن تقبل تغيير خارطة الطريق بحيث تتم انتخابات رئيس الجمهورية قبل انتخاب السلطة التشريعية الجديدة، وهو ما يعنى عملا أن يظل مطلق السلطان بدون مساءلة طوال الفترة التى تسبق تلك الانتخابات.
التفويض بعد انتهاء الفترة الرئاسية الأولى:
الرئيس عبدالفتاح السياسى موقن بأنه والقوات المسلحة ما زالا يتمتعان بهذا التفويض، وهو يطالب شركاء ٣٠ يونيو بأن يفوا بمسئولياتهم وفق هذا التفويض وإلى أجل لم يحدده، وإن كان قد ربطه بالنجاح فى انتقال مصر من حالة شبه الدولة إلى حالة الدولة، وخروجها من حالة العوز الأخلاقى والاقتصادى الذى ما زالت تعانى منه، ويجاهد هو لإخراجها منه، وأن التفويض لا يشمله وحده ولكنه يشمل القوات المسلحة؟ فهل بقى موقف هذه القوى الثلاث من التفويض على ما كان عليه فى ٣٠ يونيو٢٠١٣ أم أن المياه الكثيرة التى جرت فى نهر النيل منذ ذلك الوقت تدعوها إلى تغيير موقفها؟
طبعا هناك هؤلاء الذين ما زالوا يؤيدون الرئيس السيسى بلا تحفظ، ويؤيدون معه القوات المسلحة أيا كان ما تقوم به. فهو فى رأيهم الحائط المنيع أمام عودة الإخوان، والوحيد القادر على ضمان الأمن والاستقرار فى مصر، ولا يألو جهدا للعمل من أجل النهوض بالوطن، والقوات المسلحة هى المؤسسة الوحيدة القادرة على الإنجاز ليس فى مواجهة خطر الإرهاب فحسب، ولكن حتى فى تقديم الخدمات وتنفيذ المشروعات فى أقصر وقت وبأقل تكلفة بالمقارنة بقطاع خاص لا يهمه سوى تحقيق الربح، وقطاع عام مترهل. كما أنه ليس هناك بديل له فى رأيهم لا بين قادة الأحزاب السياسية التى تجاوز عددها المائة، ولا بين أنصار ثورة يناير التى قادت البلاد فى رأيهم إلى الخراب. وإذا كانت آثار السياسات الاقتصادية قد أرهقت كثيرين ممن ينتمون إلى هذا الفريق، بل ولم يعد بعضهم يرى مخرجا من الضائقة الاقتصادية فى ظل حكم الرئيس، إلا أن كثيرين فى هذا الفريق يرون أن الصعوبات الاقتصادية هى الثمن الذى يجب تحمله بعد إهمال الإصلاح الاقتصادى لعقود طويلة، وربما انضم آخرون إلى حملة التغريدات المطالبة برحيله.
أنصار حكم الرئيس حسنى مبارك خاب أملهم أيضا، فالرئيس السيسى وإن كان ما يزال يستعين فى بعض المواقع الإعلامية وشبه الحكومية بمن خدموا مبارك، فهو يحاول تجنيد نخبة جديدة من الشباب والنساء وعناصر جديدة من القطاع الخاص والعاملين سابقا فى شركات دولية، إلا أنهم لم يفقدوا الرجاء بأن يحافظوا على مواقع مؤثرة فى المجلس النيابى وفى الأحزاب السياسية وفى مؤسسات الإدارة المحلية وطبعا فى الـقطاع الخاص. هم فى الحقيقة قادرون كعهدهم على التكيف مع كل حكم، ولا مانع لديهم من أن يشاركوا قسطا من السلطة والنشاط الاقتصادى مع القوات المسلحة.
أما الشريك الثالث فى يونيو فلا يجد مكانا له فى ظل ما انتهى إليه نظام الرئيس السيسى. لقد اتسع الدور الذى تقوم به القوات المسلحة، ولا يبدو أن حلم الانتقال إلى حكم مدنى ديمقراطى هو فى سبيله إلى التحقق فى المستقبل القريب، بل وحتى الدستور الذى جاهد هذا الفريق لصياغته لا تجد نصوصه انعكاسا على أرض الواقع، وقد يجرى التعديل قريبا على النصوص الهامة الخاصة بفترة حكم الرئيس ومدته. كما أن السياسات الاقتصادية المتبعة انتهت بالبلاد إلى مديونية داخلية وخارجية خطيرتين وفقر متزايد، دون أن يبدو أنها تنقل البلاد إلى طريق النمو المتوازن والذى تعم ثماره على جميع المواطنين، بل ويندم بعض أنصار هذا الفريق على موافقتهم على التفويض فى يوليو 2013.
هل ثمة مخرج؟
فيلسوف ألمانى شديد التفاؤل اسمه يورجن هابرماس رأى أنه لا سبيل إلى التعامل مع اختلاف وجهات النظر هذه فى مجتمع ديمقراطى سوى فى إطار مجال عام واسع ورحب ومن خلال الحوار الذى وضع له شروطا: أن يكون مفتوحا لكل الموضوعات، فلا ينفرد واحد من أطرافه بتحديد جدول أعمالّه، وأن يدخله كل أصحاب وجهات النظر المتباينة، وأن يتحلى كل أطرافه بالتواضع وبأنه لا يملك وحده مفتاح الحقيقة. شروط هابرماس تفتح باب الأمل، ولكنه يتحدث عن مجتمعات أخرى، ولا تتيح أوضاع مصر فى الوقت الحاضر أى فرصة للوفاء بأى من هذه الشروط.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved