إعادة النظر فى التحالف بين سوريا وحزب الله

من الفضاء الإلكتروني «مدونات»
من الفضاء الإلكتروني «مدونات»

آخر تحديث: الأحد 5 أغسطس 2018 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

نشرت مدونة «ديوان» الصادرة عن مركز كارنيجى لدراسات الشرق الأوسط مقالا للكاتب «مهند الحاج على» عن التطورات الأخيرة التى طرأت على العلاقات بين النظام السورى وحزب الله. فبينما تشارف الحرب السورية على نهايتها، يبدو أن نظام الأسد وحزب الله يسعيان لتصحيح التوازن فى علاقتهما فى لبنان.
بداية أشار الكاتب إلى أنه فى 8 مارس 2005، ألقى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خطابا مثيرا للاستقطاب أمام تجمع حاشد فى بيروت، فيما كان الجيش السورى يستعد للانسحاب من لبنان بعد ثلاثة عقود من الانتشار فى البلاد. فأدلى نصر الله بكلمة حملت عنوان «شكرا سوريا»، فى إشارةٍ إلى الدعم الثابت الذى قدمه نظام الأسد إلى المقاومة الإسلامية ضد إسرائيل. وكانت تلك لحظة محورية، إذ تسلم حزب الله مواقع نفوذ عدة كانت خاضعة سابقا إلى سيطرة سورية، كما تولى إدارة شبكاتها المحلية. إذا، أصبح رجال سوريا فى لبنان رجال حزب الله.
اليوم، وبعد مرور ثلاثة عشر عاما، تحدث العملية نفسها لكن بشكل معاكس، وفى سوريا هذه المرة، إذ يبدو أن حزب الله يعتزم الحد من وجوده هناك، بضغط من روسيا وبقبول من نظام الأسد، بعد ست سنوات من القتال وسقوط الآلاف من القتلى والجرحى. فعلى حد تعبير أحد السياسيين اللبنانيين، آن الأوان كى تقول سوريا بدورها «شكرا حزب الله»، أو على نحو أدق، أن تشكر كلا من حزب الله وإيران على كل الجهود التى بذلاها دفاعا عن نظام الأسد، لكن مع رفض محاولة جعل سوريا ساحة أخرى لإيران ووكلائها.
فى غضون ذلك، لم يبقَ لبنان فى منأى عن التطورات الأخيرة التى تشهدها سوريا. فقد بات النظام السورى المتعافى يسعى إلى استعادة بعض النفوذ الذى خسره فى المشهد السياسى اللبنانى. وتحدث هذه العودة الوليدة إلى السياسة اللبنانية بالتزامن مع تنامى الضغوط الروسية على إيران فى سوريا. فبعد أسابيع على دعوة روسيا كل القوات الأجنبية إلى الخروج من سوريا، نشرت صحيفة الوطن السورية التى يملكها ابن خال الرئيس بشار الأسد مقالة انتقدت مستشار المرشد الأعلى الإيرانى للشئون الدولية على أكبر ولايتى لقوله إن التدخل الإيرانى حال دون سقوط النظام السورى.
يتردد صدى الانتقادات كذلك على المقلب الآخر. ففى الشهر الفائت، حذر نائب إيرانى من أن كلا من سوريا وروسيا «تضحيان» بإيران، حتى أنه وصف أيضا سلوك الأسد بـ«الوقح».
***
ويضيف الكاتب أنه حتى شهر مايو الماضى، كانت وسائل الإعلام التابعة لحزب الله فى لبنان تحث رئيس الوزراء المكلف سعد الحريرى على توقيع اتفاقية التعاون العسكرى بين لبنان وروسيا التى من شأنها منح القوات الروسية حق استخدام قواعد عسكرية لبنانية. لكن، بعد التوتر الذى طرأ الشهر الماضى بين الشرطة العسكرية الروسية وإحدى الوحدات التابعة لحزب الله على الجهة السورية من الحدود مع لبنان، التزمت وسائل الإعلام التابعة لحزب الله الصمت حيال هذه المسألة. ونظرا إلى أن حزب الله أدى دورا أساسيا فى إلحاق الهزيمة بالمعارضة السورية فى القصير والمناطق المجاورة لها فى العام 2013، حافظ على وجوده العسكرى هناك وعلى انخراطه فى الشئون المحلية. وتجدر الإشارة إلى أن الحدود اللبنانية الشمالية ــ الشرقية حساسة للغاية بالنسبة إلى حزب الله، إذ يهرب من خلالها الكثير من الأسلحة من سورية.
ومنذ الانتخابات البرلمانية اللبنانية فى مايو الماضى، بات يمكن التمييز نوعا بين كتلة موالية لسورية وأخرى موالية لحزب الله فى لبنان. من جهته، يقوم وزير الخارجية فى حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، بالضغط على الحريرى لإعادة بناء العلاقات مع سورية، مجادلا بأن هذه الخطوة ستيسر عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وتسمح باستئناف حركة الصادرات اللبنانية عبر معبر نصيب الحدودى مع الأردن، وتمنح لبنان كذلك دورا فى جهود إعادة إعمار سورية. وغالب الظن أن باسيل، الطامح إلى رئاسة الجمهورية، يرى أن سورية ستُفسح له المجال السياسى اللازم لانتخابه.
فى غضون ذلك، أدت نتائج الانتخابات البرلمانية إلى تعزيز نفوذ سورية، إذ عادت إلى البرلمان اللبنانى مروحة من السياسيين الذين تربطهم علاقات وثيقة بنظام الأسد. وتجسدت هذه العودة مثلا من خلال إيلى الفرزلى، وهو سياسى أرثوذكسى وحليف قديم لسوريا خسر مقعده فى مجلس النواب بُعيد الانسحاب السورى من لبنان فى العام 2005. وقال الفرزلى بعد انتخابه نائبا لرئيس مجلس النواب أخيرا: «ما حصل هو تصحيح لخطأ تاريخى». إذا، تشكل عودته إلى منصبٍ كان شغله خلال سنوات الهيمنة السورية تأكيدا رمزيا على انقلاب قواعد اللعبة مقارنة مع ما حدث فى العام 2005.
كذلك، تناغم موقف جميل السيد، وهو نائب آخر فى البرلمان كان مسئولا أمنيا بارزا خلال فترة الوجود السورى فى لبنان، مع موقف باسيل فى الدفع نحو توطيد العلاقات مع سورية. ويُشار إلى أن السيد سُجن لأربع سنوات على خلفية دوره المزعوم فى اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق رفيق الحريرى، ووجه أخيرا انتقادات إلى سعد الحريرى إثر قيامه بالتنسيق مع روسيا بشأن حل أزمة اللاجئين السوريين، وحثه بدلا من ذلك على زيارة دمشق.
***
لا يمكن اعتبار أن ثمة شرخا فى العلاقة بين حزب الله والنظام السورى المدعوم من روسيا، فهذا أمر مستبعد، بل يجرى الفريقان على ما يبدو إعادة نظر فى شروط تحالفهما. ففى الماضى، لطالما اتسم نظام الأسد بالمرونة على الساحة الدولية، وغالبا ما فاجأ طهران وحزب الله بالتفاوض مع إسرائيل، وكانت آخر مرة فى العام 2007 عندما أجرى الطرفان محادثات «غير رسمية، على حد تعبير وزير إسرائيلى. يُضاف إلى ذلك أن المخاوف الإيرانية تأججت مجددا عقب تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أخيرا على أن إسرائيل لن تعارض عودة النظام السورى إلى الواجهة فى حال سحبت إيران قواتها من البلاد.
يختتم الكاتب حديثه قائلا أنه: فى الوقت الراهن، يبدو حزب الله عازما على الاضطلاع بدور أكبر فى الحكومة اللبنانية العتيدة. وعلى ضوء العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، قد يجد نفسه مضطرا للانكفاء إلى الجبهة الداخلية، حيث يلوح فى الأفق عددٌ من التحديات، ولا سيما أن البلاد تواجه أزمة اقتصادية كبيرة قد تلقى بوزرها على قاعدة دعم حزب الله الضعيفة اقتصاديا.

النص الأصلى: 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved