طموحات استبدال السلم الأمريكى بالسلم الصينى

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الخميس 5 أغسطس 2021 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع بروجيكت سينديكت مقالا للكاتب لى جونج وا تناول فيه ما تطمح إليه الصين من أن تصبح قوة سياسية واقتصادية عالمية، واستبدال مرحلة الباكس أمريكا أو السلم الأمريكى الذى ساد بعد فترة الحرب العالمية الثانية بمرحلة جديدة من السلم الصينى.. نعرض منه ما يلى.
منذ ما يقرب من عقد من الزمان، كان الرئيس الصينى شى جين بينج يعد بتحقيق «التجديد العظيم للأمة الصينية». وضح هذا الوعد ــ الذى أطلق عليه اسم الحلم الصينى ــ أكثر مع إدخال الهدفين المئويين: بناء «مجتمع مزدهر» بحلول عام 2021 (مئوية الحزب الشيوعى الصينى) وبناء «دولة اشتراكية حديثة» بحلول عام 2049 (مئوية تأسيس الجمهورية الشعبية). وفقا لشى، فالصين حققت هدفها الأول، فهل يكتمل الحلم الصينى؟
بينما يحدد الهدف المئوى الثانى أهدافًا مثل القوة والازدهار والديمقراطية والوئام والتقدم الثقافى، فإنه يعكس رؤية الصين بأن تصبح قوة اقتصادية وسياسية. فى النهاية، يبدو أن شى جين بينج يريد بناء «باكس سينيكا» أو «السلم الصينى»، ليحل محل «باكس أمريكانا» الذى ساد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
شى جين بينج لديه أهداف طموحة، والطموح والإنجاز ليسا غريبين على الصين. على الرغم من الأخطاء الجسيمة التى ارتكبها الحزب الشيوعى الصينى خلال السنوات الأولى للجمهورية الشعبية، إلا أنه فى الأخير حقق تحولات اقتصادية واجتماعية ملحوظة. خلال ثلاثة عقود، استطاعت الصين تحقيق معدلات عالية من الإنتاج وانتشال الملايين من براثن الفقر.
ساعد على هذا التحول «الرأسمالية ذات الخصائص الصينية» وهو نظام أثبت فاعليته واستمراريته أكثر مما توقعه الكثيرون. لعبت الحكومة الصينية دورًا مركزيًا فى تعبئة الموارد، وبناء البنية التحتية الوطنية، ودعم شركات التصدير، وتسهيل تدفقات رأس المال الأجنبى والتكنولوجيا.
يثبت سجل الصين أن النظام السياسى الاستبدادى لا يمنع التنمية بل فى الواقع يمكن أن يسرعها. فى الواقع، فيما يتعلق بمسألة أى نظام سياسى هو الأنسب للتنمية الاقتصادية، ديكتاتورى أم ديمقراطى ــ فلا يوجد دليل.
لقد أوضح الاقتصاديان دارون أسيموغلو وجيمس روبنسون أن وجود «مؤسسات سياسية استخراجية» تتركز فيها السلطة السياسية فى أيدى مجموعة صغيرة تؤدى إلى «مؤسسات اقتصادية استخراجية»، تستغل فيها الطبقة الحاكمة الأغلبية. وهم يجادلون بأن النتيجة هى حوافز أضعف لمعظم الفاعلين الاقتصاديين للانخراط فى أنشطة اقتصادية منتجة.
ومع ذلك، فقد بنت المؤسسات السياسية الصينية الاستخراجية مؤسسات اقتصادية شاملة، واستخدمت الحكومة الاستبدادية فى الصين قوتها لتنفيذ سياسات اقتصادية جيدة، وبالتالى تحقيق الاستقرار السياسى والنمو الاقتصادى القوى.
لكن هذا لا يضمن تحويل الحلم الصينى إلى حقيقة. فكما أشار العديد من المعلقين، تواجه الصين تحديات كبيرة داخلية وخارجية، والتى يمكن أن تعرقل التنمية الاقتصادية وتغذى عدم الاستقرار السياسى.
بعد عقود من تبنى سياسات صارمة لتنظيم الأسرة، من المقرر أن يتقلص عدد السكان فى سن العمل فى الصين بمقدار 170 مليونًا خلال الثلاثين عامًا القادمة. وفى الوقت نفسه، انخفضت معدلات العائد من الاستثمار، وتعرقل نمو الإنتاج، ولا يقوم النظام المالى الصينى بتخصيص الموارد للأغراض الأكثر إنتاجية، حيث تتلقى الشركات غير المربحة والحكومات المحلية المثقلة بالديون أكثر بكثير مما ينبغى.
واليوم، لا يزال دخل الفرد فى الصين أقل بكثير من الاقتصادات المتقدمة، مثل اليابان والولايات المتحدة. بلغ متوسط معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى فى الفترة 2012ــ2020 6.5٪ سنويًا ومن المتوقع أن ينخفض إلى 3ــ4٪ خلال الثلاثين عامًا القادمة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للقطاع الخاص سريع النمو فى الصين أن يشكل تحديًا لنموذج رأسمالية الدولة فى الصين. حيث بدأت المؤسسات الخاصة الكبيرة تبتعد عن اتباع التوجيهات الحكومية. تتخذ الحكومة الصينية إجراءات صارمة ضد من يتحداها مثل مؤسس شركة على بابا جاك ما بعد انتقاده العلنى للتنظيم الحكومى. ولكن فى حين أن عمالقة التكنولوجيا بحاجة إلى قوانين منظمة أفضل، فإن هذا النهج القاسى يمكن أن يعيق ريادة الأعمال ويخنق الابتكار.
كل هذا يمكن أن يقوض شرعية الحزب الشيوعى الصينى، خاصة فى وقت تتضاءل فيه قدرة الحزب الشيوعى الصينى على فرض إرادته بسبب نجاحه فى تكوين طبقة وسطى قوية، تضم الآن أكثر من 700 مليون شخص، تنمو بسرعة لأسباب أهمها التوسع السريع فى التعليم.
للحفاظ على النمو الاقتصادى ــ وبالتالى شرعية الحزب الشيوعى الصينى ــ يجب أن تحتفظ الصين بمكانتها كمصنع رئيسى عالمى. تحتاج الصين إلى الاستمرار فى تأمين المواد الخام والسلع الوسيطة من خلال سلسلة إمداد عالمية مستقرة، ويجب أن تستمر فى تصدير المنتجات النهائية إلى الولايات المتحدة والأسواق العالمية الأخرى. سيكون هذا صعبًا للغاية إذا لم تجد الصين طريقة للخروج من حربها التجارية والتكنولوجية المستمرة مع الولايات المتحدة.
أخيرًا، لكسب احترام العالم، ستحتاج الصين إلى البدء فى التمسك بالقيم والمعايير الديمقراطية، وإقامة علاقات سلمية مع الدول الأخرى. لقد صمد السلم الأمريكى (باكس سينيكا) لفترة طويلة، لأن العديد من الدول، بما فى ذلك جيران الصين، تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة فى التجارة والتمويل والتكنولوجيا والأمن. لذلك سوف يترددون فى قبول باكس سينيكا، ما لم تقدم لهم الصين شيئًا أفضل.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved