نمبر وان

محمد عبدالمنعم الشاذلي
محمد عبدالمنعم الشاذلي

آخر تحديث: الخميس 5 أغسطس 2021 - 8:25 م بتوقيت القاهرة

ممثل شاب، موهوب بلا شك، حباه الله بجسم قوى، حافظ عليه ونماه بالمران الدائم فصار مفتول العضلات قوى البنية الأمر الذى دفع المنتجين فى حبسه فى أدوار الأكشن والحركة وفى دور الفتوة الذى يأخذ حقه بيده ويفرض سطوته بذراعه. استغله سماسرة وتجار الإعلانات فقدموه فى إعلانات وحفلات يظهر خلالها على المسرح ويتجرد من بعض ثيابه لاستعراض عضلاته المفتولة مع الرقص والغناء. غلبته فتنة الشباب وتملكه الغرور الذى لم يعمل على مداراته بل أصر على إشهاره ووقف مباهيا بين الناس هاتفا بأعلى صوت «أنا نمبر وان»!. ذكرنا بتصرفاته برياضى شهير فى السبعينيات من القرن الماضى وهو محمد على كلاى الذى كان يهتف عقب انتصاراته فى مبارياته «أنا الأعظم – I am the greatest» إلا أنه كان يمثل قضايا؛ فوقف مع قضية الحقوق المدنية ضد العنصرية ووقف مع المواطنين السود ووقف ضد حرب فيتنام وفضل السجن على التجنيد فى الجيش الأمريكى، وضد المؤسسة الأمريكية المسيطرة مع الإنسان الضعيف، أخيرا كان محبوبا فى بلادنا بسبب تحوله إلى الإسلام.
فتح الغرور الزائد والتباهى بما أنعم الله به عليه من مظاهر الثراء والثروة باب النقد والهجاء على الممثل الشاب، قليل منه بسبب الحرص على الذوق العام ومسيرة الحركة الدرامية والفنية وكثير منه بسبب الحسد والغيرة ونسى الجميع أن الممثل يؤدى الدور الذى رسمه له السيناريو ويحركه المخرج وكلاهما يعمل لصالح منتج همه الأكبر تحقيق المكسب المالى من شباك التذاكر الذى تراجع إلى المرتبة العاشرة أمام سطوة دخل الإعلانات.
انهال الهجاء على الممثل الشاب بسبب غروره وهتافه بأنه نمبر وان، ولكن للإنصاف وتوخى العدل هل كان الممثل الشاب أول من ادعى أنه نمبر وان؟
•••
بمراجعة سريعة للتاريخ نجد أن العديدين قبله ادعوا ذلك وقد يكونوا فعلوا ذلك بأسلوب أقل فجاجة وأكثر ذكاء ومن خلال شبكات علاقات عامة محترفة وذات كفاءة.
فاتن حمامة أعلنت سيادتها فى مجال السينما بلقب سيدة الشاشة العربية، الأمر الذى استفز نجمة أخرى مثل مريم فخر الدين فانبرت فى مهاجمتها ومهاجمة لقبها على شاشة التلفزيون. يوسف وهبى نصب نفسه عميدا للمسرح العربى حتى نحاه الزعيم الجديد عادل إمام. أم كلثوم لم تكتف بلقب كوكب الشرق وأضافت له لقب سيدة الغناء العربى وبلغت حساسيتها مداها بغضبها من برنامج كانت تقدمه مذيعة شهيرة عن الأفضل وفضل القلة فيروز عليها وطالبت بوقف البرنامج ويذكر لها غضبها الشديد على عبدالحليم حافظ بسبب تحفظه على الموعد الذى حددته لظهوره على المسرح فى حفل 23 يوليو.
عبدالوهاب أجمد الزمن عنده فأصبح موسيقار الأجيال الماضى والمستقبل والحاضر ومنحناه الدكتوراه ثم رتبة اللواء وهى لم يبلغها بيتهوفين الذى لم يصبح يوما الموسيقار اللواء الدكتور بيتهوفن.
بايعنا أحمد شوقى أميرا للشعراء فى وجود فحول مثل حافظ إبراهيم وعلى محمود طه. جعلنا طه حسين عميدا للأدب العربى حتى حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل والتكريم من جهة خارجية كفيل بأن ينحى سيبويه وأبو الأسود الدؤلى عن مكانتهم العربية.
حتى الأماكن نجعل لها نمبر وان. فى الخمسينيات كانت ميامى فى الإسكندرية نمبر وان ثم أزاحتها المعمورة فى الستينيات ثم كان العجمى ثم مارينا حتى وصلنا إلى مراسى.
ولعل نمبر وان لها تأصيل سوسيولوجى وسيكولوجى فى الشرق الأوسط حيث لا يرتاح الحكام إلا بانتخابهم بنسبة 99.9% ليكون نمبر وان الذى لا يضاهيه أحد.
وما دمنا طرقنا باب السياسة فلنبحث ما فعله نمبر وان على الساحة السياسية، فلنتعرف بأن أكبر معوق للتضامن العربى هو تصارع عدد من الدول العربية الكبيرة على من هو نمبر وان.
وبمراجعة التاريخ نجد أن أهم عنصر لنجاح حركة عدم الانحياز أن قادة الحركة العمالقة جمال عبدالناصر ونهرو وشواين لاى وتيتو ونكروما لم يتطرق إلى ذهنهم فى لحظة من منهم نمبر وان.
رغبة بريطانيا فى التمسك بمكانتها كنمبر وان ومحاولاتها المستميتة لكبح ألمانيا وصعودها كقوة تنافسها على الساحة الدولية فكانت الحرب العالمية الأولى التى دمرت خلالها ألمانيا وسقطت الإمبراطوريات فى تركيا والنمسا وروسيا، ورغم انتصار بريطانيا فقد كانت نهاية الحرب بداية أفول الشمس عن إمبراطوريتها التى لا تغرب عنها الشمس ثم غربت شمسها تماما بعد الحرب العالمية الثانية.
لم تتعظ الدول ولا الساسة لدرس الحرب العالمية الأولى، ونرى اليوم التاريخ يعيد نفسه والولايات المتحدة تستميت للحفاظ على مكانتها كنمبر وان وتضغط بكل قوتها لكبح طموح الصين بحرب اقتصادية وسياسية وإعلامية عارمة.
ولعل أخبث أشكال الصراع على مكانة نمبر وان جرت أثناء الحرب الباردة عندما تمسكت الولايات المتحدة باللقب لأنها تملك من السلاح النووى ما يكفى لتدمير العالم أربعة وعشرين مرة بينما لا يملك الاتحاد السوفيتى إلا أن يدمر العالم عشر مرات.
•••
السعى للإجادة والتمييز مطلوب ولعله وراء التقدم والحضارة، ولكن هل من الضرورى أن يكون السعى والتقدم لأن يكون نمبر وان والذى يؤدى فى كثير من الأحيان إلى الصراع والتصادم وإعاقة التعاون. تحدث فى برنامج تلفزيونى أحد العلماء عن الإهدار الكبير فى برامج الفضاء بسبب عدم التعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى وأنه لو كان هناك تعاون بينهما لتحقق أكثر مما تحقق كثيرا. وحتى فى مجال العلم والشركات الكبرى بدلا من أن يتعاون الكبار لإنتاج مصل ولقاح لجائحة الكورونا نجد تصارعا على مكانة نمبر وان؛ كل يشكك فى الآخر وينحيه عن الساحة. لعلنا نأخذ القدوة والأسوة من الرياضيين وما حدث فى سباق الماراثون عندما ظن العداء الكينى Abel Mutai أنه وصل إلى خط النهاية فكاد يتوقف فلحقه الثانى فى السباق الإسبانى Ivan Ferhandez ودفعه دفعا إلى خط النهاية والفوز بالسباق وعند سؤاله أكد أن التعاون والحق والعدل هو الدافع قبل الفوز وفعلها من قبل لاعبنا الكبير محمد رشوان الفائز بالميدالية الفضية فى الجودو فى دورة لوس أنجلوس الأوليمبية عام 1984 الذى رفض استغلال إصابة غريمه ليهزمه ويفوز بالذهبية.
الغرض السامى هو الإجادة للارتقاء بالأداء والتقدم دون النظر إلى البعد الشخصى وليس من المهم أن أكون أنا نمبر وان ولكن أن نكون جميعا نمبر وان. ويحكى فى هذا الصدد أن رجلا فى أعقاب الثورة الفرنسية خاطب آخر بقوله يا سيدى فرد عليه بقوله لقد قمنا بثورة حتى لا يكون هناك أسياد، فرد عليه الأول قائلا لا لقد قمنا بالثورة لنكون جميعا أسياد.
هناك فرق بين الغرور والكبر وبين الاعتداد بالنفس. فالمغرور يرى أنه أفضل من الجميع أما المعتد بنفسه فلا يرى أحد أفضل منه وشتان بين هذا وذاك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved