ناقوس الخطر

محمد الهوارى
محمد الهوارى

آخر تحديث: الجمعة 5 أغسطس 2022 - 7:15 م بتوقيت القاهرة

الحركات التصحيحية فى الاقتصاد وفى أسواق المال العالمية عادة ما تحدث على ثلاث مراحل. المرحلة الأولى تكون مفاجئة وعادة ما تتسبب فى تباطؤ عام وهبوط فى أسعار الأصول. المرحلة الثالثة أيضا، تشبه الأولى ولكن دون عنصر المفاجأة. أما المرحلة الثانية وهى الأهم والأطول زمنا، فيحدث فيها تمييزا بين الأصول من حيث المقومات الأساسية لسعرها. فى هذه المرحلة ترتفع أسعار بعض الأصول ذات المقومات السعرية القوية حتى خلال هبوط عام. أما الأصول الأضعف فرغم هبوط أسعارها بشدة خلال المرحلة الأولى فغالبا ما تشهد أسعارها هبوطا أشد فى المرحلة الثانية.

يدخل العالم حاليا المرحلة الثانية من الحركة التصحيحية التى بدأت فى أوائل هذا العام. ورغم أن هذه الحركة أشد عمقا وأطول زمنيا من توقعات معظم المتعاملين حتى أكثرهم تشاؤما، إلا أنه مازال هناك عدة نقاط مضيئة فى الاقتصاد العالمى تجعلنا نستبعد حدوث ركود عالمى خاصة فى الولايات المتحدة؛ صاحبة أكبر وأهم اقتصاد فى العالم. حتى وإن حدث ركود وهو ما أستبعده فأتوقع أن يكون سريعا وضعيفا. ولكن فى الوقت نفسه، نستطيع أن نرى بوضوح نقاط الضعف فى الاقتصاد العالمى وفى أسواق المال العالمية وأتوقع أن نرى هبوطا شديدا فى أسعار كثير من الأصول نختص منها بالذكر:

١ــ العملات المشفرة بأنواعها: صرح بيل جيتس فى حوار أجراه فى شهر يونيو الماضى برأيه فى العملات المشفرة وقال إنها ببساطة تبحث عن الأحمق الأكبر Greater Fool. أى أنه يعتبر مشترى تلك العملات أكثر حماقة من البائع. وعندما تنتهى هذه الحماقة، لا يجد البائع من يشترى عملاته بسعر أعلى وبالتالى يهبط السعر. وعندما تقوم البنوك المركزية بتخفيض المعروض النقدى ورفع معدل الفائدة، تزداد صعوبة إيجاد الأحمق الأكبر فتنخفض أسعار العملات المشفرة.

٢ــ الأصول الأوروبية: أوضحت فى مقالات سابقة أنه رغم إيمانى أن الاقتصاد العالمى يدخل حركة تصحيحية صحية تتيح نموا أكثر استقرارا فى المستقبل فكنت ومازلت أرى عددا من نقاط الضعف من ضمنها الاقتصاد الأوروبى الذى يعانى بصورة متزايدة من آثار الحرب الروسية الأوكرانية. يقول بعض المحللين إن أوروبا دخلت ما يسمى بحلقة الدمار Doom Loop بسبب حجم الديون الأوروبية ونسبة ملكية البنوك الأوروبية فيها، وكذلك بسبب الفارق الرهيب بين الدول الأوروبية صاحبة الاقتصادات القوية مثل ألمانيا، وبين الدول صاحبة الاقتصادات الأكثر ضعفا مثل إيطاليا، والتى تتأثر بصورة مطردة عند ارتفاع تكلفة المخاطر. قام صندوق «بريدجووتر»، أحد أكبر صناديق التحوط فى العالم، بعمل رهانات عكسية بقيمة أكثر من ١٠ مليارات دولار ضد بعض الأصول الأوروبية فى شهر يونيو. أرى أن هذه الرهانات فى محلها، فالاقتصاد الأوروبى يدخل مرحلة حرجة. وإن كنت أثق أن البنك المركزى الأوروبى سيتمكن من خلق آليات تنقذ الموقف، إلا أن التاريخ يشهد أنه دائما ما يكون متأخرا قليلا فى اتخاذ الإجراءات الضرورية مما يضع أسعار الأصول تحت ضغط حقيقى. 

٣ــ أصول بعض الدول النامية: تحدثت فى مقال سابق أنه ليس جميع الدول النامية معرضة للتأثر الشديد من الحركة التصحيحية للاقتصاد العالمى. فالاقتصادات الغنية بالسلع الأولية مثل البترول لم تتأثر بشدة حتى الآن، وإن كنت أراها ستبدأ بالتأثر فى المرحلة الثانية التى ندخلها حاليا. الأهم أن الاقتصادات التى تتمتع بالمرونة والمناعة Resilience ستكون الأقل تأثرا. فى حركات تصحيحية مشابهة فى الثمانينيات والتسعينيات شهد العالم حالات إفلاس وصعوبات طويلة الأمد لعدة اقتصادات ناشئة. فى الثمانينيات مثلا بعد حملة مشابهة لمكافحة التضخم أطلقها «بول فولكر» المحافظ التاريخى للبنك الفيدرالى الأمريكى، شهد العالم عدة حالات إفلاس لدول نامية خاصة فى أمريكا اللاتينية مثل البرازيل وبيرو والأرجنتين. وفى التسعينيات، أيضا بعد حملة مشابهة لمكافحة التضخم أطلقها محافظ تاريخى آخر للبنك الفيدرالى الأمريكى وهو «آلان جرينسبان» شهد العالم إفلاس المكسيك وبعدها بعامين شهد أيضا متاعب اقتصادية شديدة لروسيا وللنمور الآسيوية. أى أنه رغم تمكن تلك الدول من المرور من الأزمة وقتها إلا أن استمرار الأخطاء الهيكلية فى إدارة تلك الاقتصادات أدت بهم للأزمة الشهيرة فى عام ١٩٩٧ بالنسبة للنمور الآسيوية وفى عام ١٩٩٨ بالنسبة لروسيا. 

المثال الأخطر والذى يدعونا لإطلاق ناقوس الخطر هو المثال الأخير الخاص بالدول النامية. فيجب أن يدرك صانع القرار أننا مقبلون على مرحلة أشد صعوبة وخطورة من التى سبقتها وأن هذه المرحلة ستستمر لعدة شهور. الأولوية الآن للتخطيط الصحيح على المدى القصير والمتوسط والطويل واتخاذ خطوات سريعة جدا وجادة للوقوف على أرض صلبة حتى نتمكن من المرور من هذه الأزمة، وكذلك الاستعداد لأى هزة قادمة بأن نصبح أحد الاقتصادات التى يشار إليها بالبنان لقدرتها على تحمل الصدمات بدون آثار شديدة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved