تجليات الرحلة الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكى للشرق الأوسط

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: السبت 5 سبتمبر 2020 - 8:10 م بتوقيت القاهرة

قام وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو، برحلة خاطفة إلى الشرق الأوسط فى الفترة ما بين 24ــ28 أغسطس سافر خلالها فى جولات سريعة بين عدة عواصم شملت إسرائيل، والسودان، والبحرين، والإمارات العربية المتحدة، واختتمها بسلطنة عمان. وقد تصدرت مباحثاته موضوعات رئيسية أولها عملية التطبيع بين إسرائيل وهذه الدول العربية على ضوء الاتفاق الذى رعته واشنطن لإقامة علاقات شاملة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة. وثانيها العلاقات بين الولايات المتحدة وهذه الدول فى جميع المجالات. وثالثها القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
وبدأت الرحلة فى إسرائيل وقد سبقها جدل حاد أثاره موضوع بيع واشنطن طائرات F35 للإمارات العربية ضمن اتفاق تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. وتعرض رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو لانتقادات حادة من وزارة الدفاع الإسرائيلية والكتل اليمينية واتهامه بعدم الشفافية وإخفاء هذا الموضوع البالغ الأهمية لإسرائيل، وإنكار نتنياهو موافقته على ذلك وقوله فى المؤتمر الصحفى المشترك مع بومبيو، إن واشنطن ملتزمة بالمحافظة على تفوق إسرائيل عسكريا على الدول العربية ومن غير المنتظر أن تخل بذلك بهذه الصفقة مع الإمارات. وقد رد عليه بومبيو بأن واشنطن حريصة دائما على تفوق إسرائيل، وأنها تتعامل عسكريا مع الإمارات العربية على مدى عشرين عاما ولم يؤثر ذلك على هذا التفوق.
وقد أدى هذا الموقف إلى أن تؤجل الإمارات المباحثات الأمنية مع وفد أمنى إسرائيلى كان من المفترض أن يسافر على أول رحلة طيران تجارية مباشرة لشركة العال الإسرائيلية من تل أبيب إلى أبوظبى والتى أقلت وفدا إسرائيليا أمريكيا ضم جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكى ترامب، ومستشار الأمن القومى الأمريكى، والمبعوث الأمريكى الخاص للشرق الأوسط، وذلك يوم 31 /8/ 2020، لعقد عدة اتفاقات اقتصادية وتجارية وسياحية وثقافية وعلمية وتكنولوجية بين الإمارات العربية وإسرائيل ترتيبا على اتفاق التطبيع بينهما وإصدار أبوظبى قرارا بإنهاء مقاطعة إسرائيل قبل بدء أول رحلة طيران عبر السعودية.
***
ولم يكن خافيا على وزير الخارجية الأمريكى الرسائل التى أرسلت إلى واشنطن بشأن عملية التطبيع بين الإمارات العربية وإسرائيل، والتى لقيت رفضا تاما من جانب الفلسطينيين، وتفاوتا فى مواقف الدول العربية، ما بين مرحب بها علانية دون تحفظ أو بعض التحفظات أو معترض عليها أو ملتزم الصمت. إلا أنه مع اقتراب قيام بومبيو بجولته الخاطفة، والإعراب عن ثقته هو ونتنياهو وغيرهما من القادة الأمريكيين والإسرائيليين من أن دولا عربية أخرى ستحذو حذو الإمارات العربية وتعرب عن قبولها التطبيع مع إسرائيل وفى مقدمة هذه الدول تلك التى شملتها جولته، وجدت السعودية، بعد فترة صمت، ضرورة إعلان موقفها حتى لا تناقض المبادرة العربية للسلام التى قدمتها للقمة العربية 2002 واعتمدتها القمة منهاجا للتسوية السياسية السلمية مع إسرائيل، فأعلن وزير الخارجية السعودى فى مؤتمر صحفى مع نظيره الألمانى فى برلين أن الرياض ملتزمة بالمبادرة العربية والتى تقضى بأنه لن يتم إقامة علاقات شاملة مع إسرائيل إلا بعد حصول الشعب الفلسطينى على حقوقه وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة على الأراضى الفلسطينية المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وهذا يعنى أن السعودية ليست فقط مستبعدة حاليا من الدول التى ترى واشنطن أنها مقبلة على التطبيع مع إسرائيل، بل إن إعلان موقفها هذا كان له تأثير كبير على عدة دول عربية أخرى.
كما استطلع أمين عام جامعة الدول العربية آراء الدول الأعضاء فى الجامعة وبناء عليه أعلن أن مبادرة السلام العربية لا تزال هى الخطة الأساسية التى تستند إليها الرؤية العربية والفلسطينية لتحقيق السلام العربى الإسرائيلى، وأن إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية هو غاية الدول العربية دون استثناء، وأن إقامة علاقات طبيعية بين الدول العربية وإسرائيل لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلى وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية. وأكد الرفض العربى التام لأى ضم إسرائيلى للأراضى الفلسطينية المحتلة، ونوه برفض الدول العربية لخطة السلام الأمريكية والمعروفة إعلاميا بصفقة القرن.
***
وبالرغم من هذه الرسائل الواضحة فلم يكن أمام وزير الخارجية الأمريكى إلا أن يكمل جولته لأنها جزء من الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكى ترامب لإبراز ما حققه من نجاح خاصة بالحليف الأخص لأمريكا وهو إسرائيل. واتجه بومبيو مباشرة من تل أبيب إلى الخرطوم التى شهدت جدلا وخلافات حول موضوع التطبيع مع إسرائيل أطاح بالمتحدث الرسمى باسم الخارجية السودانية بتهمة أن حديثه عن تطبيع الخرطوم مع تل أبيب رأى شخصى لم يفوض به. وكان لدى بومبيو اعتقاد أن الصعوبات الاقتصادية والمالية، والأزمة السياسية التى يمر بها السودان، وحاجته إلى رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع العقوبات الاقتصادية عنه، سيجعل استجابته لمطلب التطبيع مع إسرائيل يسيرا. ولكن رئيس وزراء السودان عبدالله حمدوك أبلغ بومبيو أن الحكومة السودانية المدنية الانتقالية غير مفوضة ببحث هذا الموضوع إلى أن تنتهى من استكمال متطلبات المرحلة الانتقالية فى عام 2022، وطلب من بومبيو فصل التطبيع مع إسرائيل عن موضوع رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع العقوبات عنه. وأبدى بومبيو تفهما لذلك دون أن يعلن عن جديد.
أما البحرين فقد كانت أول دولة رحبت وهنأت الإمارات العربية باتفاق التطبيع مع إسرائيل، ولكن عندما وصل بومبيو إلى المنامة تلقى رسالة واضحة وهى أن البحرين ملتزمة بالمبادرة العربية، وحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. وأبدى بومبيو تفهما لموقف البحرين لإدراكه مدى تأثرها بموقف السعودية من ناحية، وبما تحمله معارضة إيران الشديدة لقرار التطبيع بين الإمارات وإسرائيل واعتبار أنه موجه لها، وما يحمله ذلك من احتمال إحداث قلاقل فى البحرين إن هى أقدمت حاليا على التطبيع مع إسرائيل.
وقد لوحظ أن ما أعلن وما تسرب عن زيارة بومبيو لسلطنة عمان ولقائه لأول مرة مع السلطان هيثم بن طارق، لم يشر إلى عملية التطبيع مع إسرائيل، رغم أن عمان أشادت باتفاق إقامة علاقات بين الإمارات العربية وإسرائيل، وسبق أن زارها رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو فى عام 2018 والتقى بالسلطان قابوس بن سعيد. ولا شك أن سلطنة عمان قد تأثرت بموقف كل من السعودية، وإيران بشأن عملية التطبيع حاليا. كما أن سلطنة عمان تضطلع بدور غير معلن فى الاتصالات بين كل من واشنطن وطهران، سواء فى عهد الرئيس الأمريكى أوباما أو حاليا فى عهد الرئيس ترامب.
ومن الملفت للانتباه التغريدة التى كتبها بومبيو على «تويتر» وجاء فيها «التقيت اليوم مع سلطان عمان هيثم بن طارق آل سعيد، لمناقشة أهمية بناء السلام والاستقرار والازدهار عبر مجلس خليجى موحد» وهى تغريدة تعبر عن ما لمسه بومبيو بنفسه من مدى حالة الاختلاف القائمة بين دول مجلس التعاون الخليجى العربى، فقد تلقى رسالة غير مباشرة بإعلان الكويت الالتزام بالمبادرة العربية وحل الدولتين وأن الكويت سيكون آخر المطبعين مع إسرائيل. أما قطر التى لها اتصالات متنوعة مع إسرائيل فقد تحفظت على خطوات التطبيع مع إسرائيل الآن، رغم ما لها من علاقات وثيقة للغاية مع الولايات المتحدة. ومن ثم فقد أصبح مجلس التعاون الخليجى العربى يعانى من الانقسام بشأن العلاقات مع قطر مما أدى إلى استمرار المقاطعة لها على مدى ثلاث سنوات من السعودية والإمارات والبحرين إلى جانب مصر، واستمرار العلاقات العادية مع الكويت وسلطنة عمان، والآن نشأ انقسام آخر صامت بشأن التطبيع مع إسرائيل من حيث المدى والتوقيت. هذا فى الوقت الذى تسعى فيه واشنطن وإسرائيل إلى إقامة محور عربى إسرائيلى فى مواجهة ايران.
***
كما يلاحظ أن الولايات المتحدة تراجع موقفها تجاه الفلسطينيين وتدفع إلى بذل محاولات لضمهم إلى مسيرة السلام الأمريكيةــالإسرائيلية فى المنطقة، وتدرك أنه بدون الفلسطينيين لا يمكن أن تكون هناك عملية سلام حقيقية. ونظرا لانقطاع سبل الاتصال المباشر بين واشنطن والفلسطينيين، فثمة تنسيق مع بريطانيا التى قام وزير خارجيتها بزيارة خاطفة إلى كل من إسرائيل ورام الله وذلك أثناء جولة بومبيو فى المنطقة، والتقى وزير الخارجية البريطانى مع رئيس وزراء إسرائيل قبل أن يلتقى مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس فى محاولة لإقناعه بالدخول فى مفاوضات مع الإسرائيليين من أجل التوصل إلى اتفاق على تسوية سلمية. وهذا أمر مستبعد حاليا لعدم التزام إسرائيل بالمرجعيات الدولية وحل الدولتين.
إن جولة بومبيو فى المنطقة أوضحت له بجلاء أنه إذا كانت واشنطن قد نجحت فى صك اتفاق للعلاقات الشاملة بين إسرائيل والإمارات العربية والسعر الحثيث لدعوة عدة دول عربية لحفل توقيع الاتفاقات بين إسرائيل والإمارات العربية فى واشنطن منتصف سبتمبر الجارى، فإن التطلع إلى أن تحذو دول عربية أخرى بالإمارات العربية أمر لم يحن أوانه بعد، وأنه كما قال أمين عام جامعة الدول العربية أن القضية الفلسطينية كانت ولا تزال محل إجماع عربى وأن إنهاء الصراع العربى الإسرائيلى لن يتحقق إلا بإقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

مساعد وزير الخارجية الأسبق

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved