سيناء ــ ليبيا.. خطة أمريكا والجيران

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 5 أكتوبر 2012 - 8:48 ص بتوقيت القاهرة

لم تصدر مؤسسة الرئاسة المصرية ولا وزارة الخارجية بيانا يشرح أسباب ومضمون اللقاء الهام الذى جمع الرئيس محمد مرسى بوزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون مساء يوم الاثنين 24 سبتمبر، بناء على طلب الوزيرة، بمدينة نيويورك، بعد عدة ساعات من لقائها مع الرئيس الليبى محمد المقريف.

 

إلا أن وزارة الخارجية الأمريكية أصدرت بيانا بعد منتصف تلك الليلة يوضح أن الاجتماع، الذى أستغرق 45 دقيقة، شهد مناقشة قضية أمن سيناء من حيث التفاصيل، والإجراءات التى تم اتخاذها مع «الجيران» لضمان تأمين وتحسين الأوضاع. وأشار كذلك إلى مناقشة مكافحة الإرهاب ليس فقط فى سيناء بل فى المنطقة كلها، وفى دول أخرى، وكيف يمكن لمصر أن تساعد «جيرانها» بما لديها من مؤسسات وإمكانيات لا توجد فى دول أخرى.

 

وعندما وجه سؤال لمسئول أمريكى حضر المقابلة حول ما ناقشه الجانبان بخصوص ليبيا، رد قائلا: إنه ليس من المناسب أن يذكر تفاصيل ما عرضه الرئيس مرسى من ملاحظات بخصوص ليبيا، وأضاف: أستطيع القول إنه ناقش والوزيرة كلينتون التحديات التى تواجهها ليبيا والدور الذى يمكن «للجيران» أن يقوموا به لتحسين الأمن الليبى.

 

وهكذا ركز الاجتماع على قضيتى الأمن فى سيناء والأمن فى ليبيا، والدور الايجابى الذى يمكن للجيران أن يقوموا به فى كلتا الحالتين.

 

●●●

 

الجيران فى حالة قضية أمن سيناء لا يقصد بهم إلا إسرائيل، وتتمتع إسرائيل بمعرفة استخباراتية قوية بطبيعة الأمور فى سيناء، وليس بمستغرب أن نقرأ تحذيرات إسرائيلية متكررة لمواطنيها بتجنب السفر إلى سيناء بناء على توافر معلومات لديهم عن احتمال وقوع أعمال إرهابية.

 

الجيران فى حالة أمن ليبيا يقصد بهم مصر تحديدا. وطبقا لما ذكره سفير أمريكى سابق «فلا يقدر إلا المصريون على توفير دعم حقيقى ومؤثر، مبنى على خبرات عملية سابقة، فى عمليات إعادة بناء وهيكلة وتشكيل جيش ومخابرات ليبيا». إلا أن استمرار وجود عدد من كبار قادة الجيش والمخابرات الليبيين السابقين ممن هربوا إلى مصر، وعدم إعادتهم للحكومة الليبية الجديدة يمثل معضلة للدور المتوقع من مصر. 

 

من وجهة نظر هذا المسئول الأمريكى تعد مصر أقرب الدول معرفة بثقافة وطبيعة الجيش والمخابرات الليبيين، فمصر هى الدولة التى لديها جيش مازال يجمع بين العتاد السوفييتى والأمريكى بنسب متقاربة (45 سوفييتى و55% غربى). ومصر هى الدولة التى لديها جيش تم تأهيل كبار قادته فى الاتحاد السوفييتى قبل أن ينقل الثقل داخله مؤخرا لخريجى الأكاديميات العسكرية الأمريكية. الجيش والمخابرات الليبية نشأت وتدربت وتسلحت معتمدة على بنية تحتية سوفييتية. واليوم لا مناط من إعادة توجيه ما تبقى منهما، وما سيتم إعادة بنائه على النمط الغربى، وتحديدا الأمريكى، ويخطط لذلك اعتمادا على خبرة التجربة المصرية.

 

وتمثل التجربة المصرية، إضافة للثقافة واللغة والجغرافيا عوامل تعطى ثقلا كبيرا لأهمية دور مصر فى الشأن الليبى عند صانعى السياسة فى الولايات المتحدة. وتعتقد واشنطن تحديدا أن مصر عليها دورا هاما لم تقم به بعد، إلا أن واشنطن تريد أن تقوم القاهرة بهذا الدور كجزء من حزمة مساعدات أمنية أمريكية، أو بعبارة أخرى أن تقوم به القاهرة «من الباطن».

 

وتدرك واشنطن جيدا أن ليبيا تمثل هدفا لا يحتمل التأجيل، حيث لم تتح لها منذ ستينيات القرن الماضى أى فرصة لبسط نفوذها داخل ليبيا الغنية بمصادر الطاقة.

 

وترى واشنطن أن منطقة «شمال شرق» وتحديدا مدينتى بنغازى ودرنة قد أضحتا مركزا لبؤر المتطرفين الجهاديين، لذا لم يكن مفاجئا للمخابرات الأمريكية حدوث الاعتداء على بعثتها الدبلوماسية والتى أسفرت عن مقتل السفير الأمريكى وثلاثة أمريكيين آخرين. كما لم يكن مفاجئا حضور الجنرال هنرى هام قائد القوات الأمريكية فى أفريقيا مراسم تأبين السفير الأمريكى الراحل كريستوفر ستيفنز فى العاصمة طرابلس، والذى أعقبه لقاء بين الجنرال وقادة وأمراء الكتائب الليبية بحضور عدد من المسئولين الليبيين. وفى ذات الوقت تدرك واشنطن جيدا أن ليبيا كانت ثانى أكبر الدول تمثيلا بين المقاتلين الأجانب ممن حاربوا ضد القوات الأمريكية فى العراق بنسبة 19%، وسبقتها السعودية بنسبة 41% طبقا لتقارير وزارة الخارجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب الدولى، لذا تعرف واشنطن أن أمامها مهمة استخباراتية شاقة لبسط نفوذها الأمنى فى ليبيا، خاصة فى منطقة شمال شرق.

 

وفيما يتعلق بشمال شرق مصر، فلا تؤمن واشنطن بقدرة الأجهزة المصرية وحدها على معالجة الموقف المتدهور فى سيناء. وتعتقد كذلك أن الفراغ الأمنى الذى ملأه الجهاديون المتطرفون، بعدما فقدت القاهرة السيطرة القوية على أجزاء كبيرة من سيناء، هو خطر كبير على استقرار كل الشرق الأوسط.

 

●●●

بعد هجوم أغسطس العام الماضى داخل ميناء إيلات والذى انطلق من أراضى سيناء، والذى ردت إسرائيل عليه بقتل خمسة جنود مصريين (بطريق الخطأ) داخل حدودنا الدولية، وخوفا من تصدع العلاقات المصرية الإسرائيلية، وطبقا لتقرير قدم للكونجرس الأمريكى الشهر الماضى، قدمت واشنطن مساعدات لمصر مساهمة منها فى تأمين سيناء. حيث «تدعم واشنطن مصر فى تأمين سيناء عن طريق إمدادها بمعلومات استخبارية، بما فى ذلك من رصد مكالمات هاتفية، ورسائل عن طريق الراديو بين المشتبهين بالقيام بأنشطة إرهابية»، إضافة إلى إطلاع مصر على صور تلتقطها أقمار صناعية وطائرات تجسس أمريكية. وإلى جانب هذه المهام ترصد الولايات المتحدة أى تحرك للقوات المصرية داخل سيناء» ــ كما ذكر نص التقرير.

 

وللأسف تواجه مصر اليوم واقعا جديدا وهو أن حدودها مع ليبيا التى كانت مستقرة تاريخيا، وليست مصدرا للتهديد، قد تحولت إلى بقعة ملتهبة يقع خلفها الحصن الأكبر للجهاديين الليبيين، ويلقى هذا بتبعات خطيرة مع سهولة تهريب مختلف أنواع الأسلحة من شمال شرق ليبيا وصولا لشمال شرق مصر فى سيناء، بما فى ذلك صواريخ أرض جو التى تستطيع اسقاط طائرات.

 

علامات استفهام متعددة تحتاج توضيحا من صانعى القرار المصريين حول العلاقة بين «مكافحة الجهاديين المتطرفين» فى شمال شرق مصر وليبيا، بدلا من أن يكون المصدر الوحيد لهذه التفاصيل جهات أمريكية أو إسرائيلية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved