«أكتوبر».. أحبّ الشهور إلى قلبى!

إيهاب الملاح
إيهاب الملاح

آخر تحديث: الجمعة 5 أكتوبر 2018 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

من بين شهور السنة كلها أحب شهر أكتوبر؛ حياتى كلها، بل أحب ما فيها، مقرون بهذا الشهر!
أكتوبر الشهر الذى وُلدت فيه أنا وأبى وخالى الأقرب إلى روحى وملامحى، «أكتوبر» اسم المجلة التى عملت بها ــ ولا زلت ــ وأمضيت فيها عُمرًا، «أكتوبر» اسم المدينة الأشهر غرب النيل وفيها أستقر أنا وأولادى. لكن ليس هذا فقط هو ما يربطنى بأكتوبر؛ إنه الشهر الذى وعت فيه ذاكرة طفولتى البريئة بهجة مشاهدة أفلام الحرب ودراما ومسلسلات الحرب بكل بساطتها وسذاجتها الفنية، كما أعترف أن المناسبة الوحيدة التى أنتظرها من العام إلى العام هى ذكرى انتصار أكتوبر، ليس فقط بسبب النوستالجيا العارمة التى تجتاح أبناء جيلى بكل ما يربطهم بعقدى الثمانينيات والتسعينيات وعلاماتهما الثقافية البارزة: «دموع فى عيون وقحة»، «رأفت الهجان»، ومن قبلها دراما السبعينيات الاجتماعية والإنسانية، برامج التليفزيون، مواد القناتين الأولى والثانية، أفلام الحرب وأغانيها المنعشة الشجية.. أيام!

ولدتُ بعد الحرب بأربع سنوات؛ لكنى أعتبر نفسى ممن عاصروها بالوعى والإدراك والمعرفة والقراءة؛ منذ وعيتُ وحرب أكتوبر تشكل رافدا مهمًا فى تكوينى الخاص؛ صحيح أننى استغرقت زمنًا طويلا كى أتخلص من شوائب المبالغات والفجاجة الدعائية الرخيصة التى يتصور البعض أنهم بذلك يخلدون ذكرى الانتصار العسكرى الأكبر فى تاريخنا الحديث، لكنى أيضا استخلصت عبر هذه الرحلة أن (حرب أكتوبر) بما لها تستحق الاحتفاء بقيمتها وأثرها وبطولاتها الحقيقية فعلا.

كان أول كتاب قرأته عن حرب أكتوبر أو يحمل تفاصيل عن الحرب كتاب «البحث عن الذات» للرئيس الراحل أنور السادات! ولا أنكر أن الكتاب بهرنى وأعدت قراءة الفصول التى خصصها لحرب أكتوبر عشرات المرات! ثم قرأت الفصول التى خصصها الكاتب الراحل موسى صبرى فى كتابه «السادات الحقيقة والأسطورة» للحديث عن أكتوبر.

وأذكر أن المرة الأولى التى قرأت فيها مجلة (أكتوبر)، واقتنيت عددًا منها، كان فى النصف الثانى من الثمانينيات، ربما سنة 1986، أو 1987، لا أذكر على وجه التحديد، لكنى أتذكر جيدا أن والدى أعطانى نقودًا لشراء المجلة التى كانت تنشر مذكرات المشير محمد عبدالغنى الجمسى، أحد أبطال حرب أكتوبر، ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة أثناءها، وطلب منى متابعة الأعداد لاحقًا وتجميع حلقات المذكرات كاملة.
وحينما أعدتُ قراءة المذكرات كاملة بعد ذلك، واستوقفتنى الأسطر التى خصصها للشهيد الأسطورى، العميد أركان حرب إبراهيم الرفاعى؛ أو كما يصفه دائما صديقى محمود عبدالشكور «المقاتل الأسطورى» الذى ولد فى يونيو 1931 واستشهد وهو على رأس قواته ظهر يوم الجمعة 19 أكتوبر عام 1973. إنه أحد أبطال مؤسسى مدرسة الصاعقة المصرية، ومن معلميها الأوائل، ذاعت شهرته مع حرب الاستنزاف بقيادته رجال المجموعة 39 «الأسطورية» التى أذاقت الإسرائيليين الويلات، واستمرت عملياتها خلال حرب أكتوبر. وحصل على أكثر من نوط ووسام عسكرى توجها بنجمة سيناء عام 1974 بعد استشهاده.

بعد سنوات من قراءتى لكتاب الجمسى، وقعت تحت يدى رواية الراحل جمال الغيطانى التى استلهم أحداثها من سيرة الشهيد «الرفاعى». ثم توالت القراءات والكتب والدراسات والمقالات التى أكدت لى أنها لم تكن مجرد حرب بل كانت بالفعل ملحمة بطلها الإنسان المصرى دون منازع.

وما زلتُ حتى اللحظة لا أنسى هذه المتعة الخالصة وأنا مستغرق فى القراءة أتلقى بشغف وانبهار تلك المعلومات والتفاصيل المبهرة عن الإعداد للحرب، وخطة الخداع، واتخاذ القرار، وكتابة التوجيه الاستراتيجى بخط الرئيس السادات الذى يكلف فيه القوات المسلحة بتنفيذ عمليه العبور «بالتعاون والتنسيق مع القوات المسلحة السورية، أو منفردة وحدها بحسب ظروف الحرب».. إلخ.

ومن وقتها، وأنا أخصص وقتا كل عام مع مطالع أكتوبر لقراءة كل ما يقع تحت يدى من كتب ودراسات ومقالات.. تعدلت الرؤية واغتنت بكثير من التحليلات، وتجاوزت الكثير من الخطابية والدعائية والاحتفال الساذج؛ نعم قيمة حرب أكتوبر ليست فى السذاجة المفرطة فى طرائق الاحتفال، بل فى استيعاب ما أسميه «التأسيس المعرفى لحرب أكتوبر». إنه الحدث الأكبر الذى يؤكد أنه مهما كانت الظروف «سيئة» و«محبطة» و«رديئة» على كل المستويات، ومهما كانت الصعوبات والعوائق والمشكلات، فإنه من الممكن حال اتخاذ الأسباب والدوافع بشروطها العلمية المحكمة فإننا من الممكن تجاوز كل ذلك وتحقيق إنجاز كبير وحقيقى ومبهر ليس فقط أمام أنفسنا ولنا بل أمام العالم كله وباعترافهم.

نعم. «أكتوبر» أحب شهور السنة إلى قلبى..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved