أغيثونا من هذه الغرفة

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الجمعة 5 نوفمبر 2010 - 10:59 ص بتوقيت القاهرة

 لم أكن أتصور أن يصل الخوف والرعب من احتكار تكتل سينمائى لدور العرض وتوزيع الأفلام بها إلى هذه الدرجة.. فمهما كانت قوة وسطو ونفوذ أعضاء هذا التكتل ما كان يقدر بالأطراف الأخرى المتضررة أن تلجأ لهذه الوسيلة وهى الاستجداء ونداءات الاستغاثة والإنقاذ على طريقة «الحقونا» و«أغيثونا يرحمكم الله».

لم أكن أتصور ان يطلب أصحاب بعض المجمعات السينمائية تدخل المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة لحمايتهم وحماية الاستثمار السينمائى من ممارسات الاحتكار التى ضيقت الخناق عليهم وتلاعبت بأرزاقهم وأحلامهم وحبهم للعمل بالسينما.. كنت أتصور رغم ألم الخسارة أن تصل شركات الإنتاج والتوزيع وأصحاب دور العرض إلى حلول ترضى جميع الأطراف، من يملك مؤسسة كبرى ومن يملك حلما صغيرا فى التواصل، لأن الجميع فى ساحة معركة واحدة، وإذا تملكت الأزمة ستعصف بالكل، شئنا أم أبينا فإن صناعة السينما فى مصر تعانى ضغوطا كثيرة، ربما تحد من عزيمتها وقوتها خلال الفترة المقبلة، لذا كان على الجميع ألا يأكل فى بعضه، وكان على القوى أن يأخذ بيد الضعيف ويمنحه الفرصة للبقاء وتحقيق ربح يمكّنه من الاستقرار.

إن أساس المشكلة يعود لروح الأنانية التى انتابت بعض الشركات فى لحظة ضعف وخوف من المجهول فى الساحة السينمائية، حيث قررت هذه الشركات التعاون من أجل السيطرة على السوق بنجومه وسينماه وحركة الإنتاج والاستحواذ بكل شىء.. فالكارثة أن هؤلاء هم المنتجون والموزعون وأصحاب النصيب الأكبر من دور العرض، فكيف ستأتى العدالة هنا، فهم بالقطع يقومون بتوزيع أفلام نجوم الشباك والذين يحظون برواج جماهيرى فى دور العرض التابعة لهم من أجل حصد أكبر كم من الإيرادات.. وآخر شىء يفكرون به هو دور العرض الباقية التى تملكها شركات أخرى صغيرة أو أفراد مازالوا يعشقون السينما ويغيرون عليها، وإذا تعطفوا عليهم سيمنحونهم أفلاما ربما لم تحقق حتى نسبة «الهولد أوفر» وهى النسبة المتوسطة لاستمرار الفيلم بدار العرض ولا يهم ما إذا أغلقت هذه الدور أبوابها وتشرد مئات العاملين بها.

من هنا جاءت صرخة هؤلاء ومنهم بالقطع المهندس عمرو عثمان صاحب نداء الاستغاثة لوزير الصناعة والتجارة وهو لجأ لذلك بعدما ذهب لغرفة صناعة السينما (الأم الحنون والأب الحكيم للسينمائيين!) لكن الغرفة كعادتها لم تحرك ساكنا ولم تفض الاشتباك ولم تنصف الضعيف، أتعرفون لماذا؟ لأن معظم أعضاء لجانها الخاصة بمناقشة مثل هذه النزاعات هم أنفسهم المحتكرون أصحاب السطوة الكبرى فى الساحة السينمائية، فكيف ستنصف الغرفة المتضررين من الاحتكار؟!

اننى لم أتفاءل يوما بأن تلعب غرفة صناعة السينما دورا فى فض أى اشتباك بين السينمائيين، أو حتى وضع تصور لحلول أزمات السينما المتتالية سواء داخل مصر أو فى الأسواق الخارجية الأم الحنون باتت خانعة هزيلة وأصاب الأب الحكيم الهزال والعبث.. تركت الغرفة للتكتل أن ينمو ويتوغل ويستحوذ على حركة الإنتاج والتوزيع ودور العرض تحت بند سوق حرة وهى تدرك تماما ان هذا يمثل خطرا كبيرا بحكم النفس الطماعة.. وعلى الصعيد الخارجى لم تقف لحظة أمام نفسها لتفكر كيف انسحب البساط من تحت أقدام الفيلم المصرى فى الأسواق العربية والأفريقية ولم تواجهه قراصنة السطو على الفيلم المصرى الذى أصبح مباحا بدون مقابل ولا عزاء للخاسرين.

إذا كان احتكار الصناعات الغذائية والمعمارية خطرا عظيما، فإن احتكار صناعة الإبداع والفن خطر ووباء أعظم لأنه سيؤدى إلى حلم ينمو داخل أى فرد يريد أن يعمل بهذه الصناعة وان يكون له وجود مغاير ومختلف، ذلك الوجود الذى كان له فى عهد باءت صولات وجولات على يد المنتج الفرد المحب للسينما المصرية، المكتشف لنجومها الجدد.. الذى لا يأبه بتكوين الملايين على حساب قيمة يتمسك بها وهدف ينشده، حتى لو كان بعضهم انخرط فيما يسمى بأفلام المقاولات.. لكن لم نسمع صراخا.. لم نسمع نداء استغاثة.. لم نسمع عن احتكار مرعب لكل مفردات السوق السينمائية!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved