توحيد المتمرّدين فى سوريا.. السعودية تنخرط فى النزاع

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأربعاء 6 نوفمبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

كتب يزيد صايغ، باحث رئيسى فى مركز كارنيجى للشرق الأوسط، مقالا تحليليا نشر على الموقع الالكترونى للمركز، بعنوان «توحيد المتمرّدين فى سوريا: السعودية تنخرط فى النزاع»، ورد فيه ان وجود خطةٌ سعوديةٌ لبناء جيش وطنى جديد للمعارضة السورية تؤدى إلى استقطاب المتمرّدين. وإلى احتمال تقويض أهداف الرياض فى سوريا.

أشار الكاتب فى مستهل المقال إلى أن إعلان العديد من الجماعات السورية المتمرّدة، خلال الأسابيع الماضية، موجة من الاندماجات والتحالفات. من الناحية النظرية، يمثّل الاتجاه بادرة مطلوبة تشير إلى أنه يجرى فى نهاية المطاف تجاوز معضلة التفتّت الشديد فى صفوف المعارضة. ومن شأن مثل هذا التطوّر أن يكمل ظهور بضعة تجمّعات متعدّدة الكتائب و«جبهات» مهيمنة فى التمرّد المسلح خلال العام الماضى.

يرى صايغ أن الواقع يبدو عكس ذلك تماما. إذ تعكس الإعلانات الأخيرة عن الاندماج والتحالف عملية إعادة ترتيب للجماعات المسلحة بدل توحيدها، وهى تكشف عن وجود منطق تنافسى يقوده توقّع الحصول على تمويل خارجى ينذر بقدر أكبر من الاستقطاب السياسى وتعميق الانقسام فى صفوف المتمرّدين. ومن المحتمل أن يكون قادة المعارضة المعترف بها حاليا أول الخاسرين، أى الائتلاف الوطنى لقوى الثورة والمعارضة والمجلس العسكرى الأعلى للجيش السورى الحر. غير أن العديد من تحالفات المتمرّدين الجديدة، بما فيها تلك التى تتلقّى الدعم السعودى المكثّف، سحبت اعترافها بالائتلاف الوطنى والمجلس العسكرى الأعلى، أو هدّدت بذلك، وذلك ردّا على استعدادهما المفترض لحضور المؤتمر.

ويستكمل صايغ، ما لم يلتزم المتمرّدون الذين تدعمهم السعودية باستراتيجية سياسية متّفق عليها ويتقبّلوا فكرة أن يمثّلهم الائتلاف الوطنى، فمن المرجح أن يعانوا من انعدام القدرات والتماسك نفسهما مثلما هو حال من يسعون إلى أن يحلّوا محلّهم. كما أن السعودية، ومن خلال تمويل مجموعات مختارة من المتمردين، تخاطر بإضاعة فرصتها وتقويض أهدافها فى سوريا.

•••

كما يعكس التحوّل إلى موقف أكثر حزما بشأن الأزمة السورية استياء القيادة السعودية من الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا على تفكيك قدرات سوريا فى مجال الأسلحة الكيماوية. إذ يبعد هذا الاتفاق بالفعل شبح القيام بعمل عسكرى بقيادة الولايات المتحدة ضد النظام، ويحتمل أن يعيد تأهيل الأسد كشريك للمجتمع الدولى. وقد دفعت الرياض منذ فترة طويلة باتّجاه اتّخاذ موقف أكثر صرامة من النظام. ولم يؤدّ احتمال التوصل إلى تفاهم بين الولايات المتحدة وإيران بشأن الملف النووى إلا إلى جعل القيادة السعودية أكثر تصميما على إسقاط الأسد.

•••

ويشير صايغ إلى ان احتمال بناء جيش متمرّد خارج سورية ضعيفا. ويكمن السبيل العملى الوحيد لبناء مثل هذا الجيش فى دمج ورعاية الجماعات المسلحة الموجودة داخل سورية، غير أن ذلك أصبح أيضا أكثر صعوبة لأن تحالفات المتمرّدين تتبدّل وتتكاثر.

تهيئ العديد من الجماعات المتمرّدة السورية نفسها لتلقّى تمويل وأسلحة من السعودية بالإعلان عن اندماجات وتحالفات. والواقع أن التنافس على التمويل الخارجى كان منذ فترة طويلة دافعا قويا للديناميكيات التنظيمية داخل التمرّد المسلح فى سوريا. ولا يأتى كل هذا الدعم من مصادر حكومية. فقد أصبح من المألوف أن يرعى المانحون غير الحكوميين فى المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة الجماعات المتمرّدة التى يختارونها، وهى تتكوّن فى معظم الأحيان من السلفيين أو الجهاديين، كما تفاخر صفحات الفيسبوك الخاصة بهذه القوى.

•••

ويُلتَمَس الكاتب العذر للقيادة السعودية فى اعتقادها بأن تدخّلها سيكون حاسما الآن وقد أصبحت تتولّى زمام السيطرة ومستعدة للالتزام بما يصفه أحد المطلعين توفير الأموال «بلا حدود»، وذلك على النقيض من الدور المتواضع الذى لعبته بين الأطراف التى تدعم التمرّد المسلّح فى سورية قبل عام مضى. بيد أن هذه المقاربة قد تأتى بنتائج عكسية. فقبل عام من الآن كانت خطوط المعركة أكثر بساطة، حيث كان الجيش السورى الحر يقف فى مواجهة نظام الأسد. أما اليوم فإن القيادة السعودية تسعى إلى شنّ معركتين، إحداهما ضدّ الأسد وعائلته، والأخرى ضدّ منتسبى القاعدة فى سوريا. غير أن الرياض لا تربح المعركة ضد الجهاديين، وقد تؤدّى جهودها إلى شقّ صفوف المعارضة أكثر.

وبالقدر نفسه من الأهمية، فإن الاندفاع السعودى لبناء جيش ذات طابع سنّى واضح يزيد احتمال تشتّت المتمرّدين، وتشتّت حتى الجماعات الإسلامية والسلفية الوسطية الملتقية عقائديّا والتى تستهدفها الخطة السعودية. وتشمل الجماعات التى رفضت الانضمام إلى «جيش الإسلام»، على سبيل المثال، العديد من الفصائل المسلحة الرئيسة فى منطقة الغوطة الشرقية وأعضاء من جبهة تحرير سوريا الإسلامية، ما يجعل وحدتها وتماسكها موضع تساؤل.

•••

ويرى الكاتب أن تعمّق الاستقطاب داخل المعارضة السورية، يتسبّب تركيز الخطة السعودية على إنشاء جيش سنّى فى إضعاف من لهم مصلحة مشتركة فى منع صعود الجناح الجهادى للتمرّد المسلح.

بيد أن المقاربة السعودية، ومن خلال توجيه تدفّقات التمويل والأسلحة مباشرة للجماعات المتمرّدة على الأرض، بدل توجيهها كلية عبر المجلس العسكرى الأعلى، تتعارض مع احتياجات الدعم العسكرى. ومن خلال الالتفاف على المعارضة المعترف بها والاعتماد على التمويل الضخم لإنشاء جيش موحّد للمتمردين لا تضمن الرياض فعّاليته العسكرية ولا تفعل شيئا لمعالجة القصور السياسى الحرج الذى تعانى منه المعارضة السورية. كما أن التركيز على التأثير فى ديناميكيات التمرّد والإشراف الدقيق عليها يعقّد العلاقات بين المدنيين والعسكريين على الأرض.

كل هذه الأمور لها انعكاسات كبيرة على مؤتمر جنيف- 2 المقبل. إذ يواجه الائتلاف الوطنى لحظة مصيرية فى الوقت الذى يتناقص عدد شركائه.

•••

فى هذا السياق يؤكد صايغ أن المملكة العربية السعودية لديها ما يكفى من الأسباب للشعور بالأسى تجاه الموت والدمار المستمرّ الذى أصاب الشعب السورى، وبعدم الرضا إزاء تصرّفات أصدقائها وحلفائها فى مجموعة أصدقاء سوريا. بيد أن مقاربتها الحالية تنطوى على خطر تقويض أهدافها فى سوريا.

ولاريب أن اتساع رقعة الخلاف بين الرياض وواشنطن يجعل الأردن والائتلاف الوطنى، وهما طرفان مهمان لنجاح خطط السعودية فى سوريا لكنهما ليسا أقل اعتمادا على قوة ومتانة علاقاتهما مع الولايات المتحدة، فى وضع غير مريح ولا يمكن التمسك به.

بالإضافة إلى ذلك فإن الاختلاف بين المقاربتين السعودية والأمريكية يزيد فى تعقيد مؤتمر جنيف- 2 للسلام. ومع أن البيان الختامى لاجتماع مجموعة أصدقاء سوريا الذى عقد فى 22 أكتوبر وضع شروطا صعبة للمشاركة فى المؤتمر ومعايير صارمة للعملية الانتقالية تلبّى تطلّعات الائتلاف الوطنى والسعودية، فإن إصرار الرياض على استبعاد طهران من مؤتمر جنيف- 2 يفتح الباب أمام حدوث خلاف آخر محتمل مع حلفائها، والذين أشار العديد منهم صراحة إلى استعدادهم لقبول المشاركة الإيرانية.

قد تجادل القيادة السعودية بأن خطتها لزيادة الضغط العسكرى على نظام الأسد سوف تجبره على قبول الشروط التى حدّدها أصدقاء سوريا للمشاركة فى مؤتمر السلام. وبدا أن تركى الفيصل يقول هذا عندما أكّد الحاجة إلى مساعدة المعارضة على تحقيق «توازن على الأرض». ولكن هذا ينفيه الخلاف غير المتوقّع وغير المعتاد مع الولايات المتحدة، الأمر الذى يضرّ باحتمال أن تتمكّن الخطة السعودية من جمع المتمرّدين فى جيش موحّد. قد لا يعقد المؤتمر أو ينجح على أى حال، بيد أن حقيقة أن الجماعات المتمرّدة التى تتلقّى الدعم السعودى رفضت المؤتمر جهارا يقلّل من حظوظه أكثر. كما أن الأضرار الجانبية التى أصابت الائتلاف الوطنى تقوّض جزءا مختلفا من المقاربة القيادة السعودية، ما يشكّل هدفا آخر فى مرماها.

ولعل هذا يجعل القيادة السعودية تعتمد اعتمادا كبيرا على المتمرّدين السنّة فى سوريا. فإذا ما فشلت خطتها لتوحيدهم، فإن صدقيّة الرياض ستتضاءل. والأسوأ من ذلك، هو أن المملكة العربية السعودية يمكن أن تجد نفسها وهى تكرّر تجربتها فى أفغانستان، حيث أسّست جماعات متباينة من المجاهدين تفتقر إلى إطار سياسى موحّد. ولم تتمكّن تلك القوى من حكم كابول بمجرد أن استولت عليها، ما مهّد الطريق لحركة طالبان للسيطرة عليها. وتبع ذلك ظهور تنظيم القاعدة، حيث وصلت ارتدادات ذلك فيما بعد إلى المملكة العربية السعودية نفسها.

•••

وفى الختام يرى الكاتب أن الاعتماد السعودى على التمويل وتوفير الأسلحة كدعامتين رئيستين لاكتساب النفوذ، والتركيز على زيادة الضغط العسكرى على النظام من دون وضع استراتيجية سياسية واضحة لإلحاق الهزيمة به فى موازاة ذلك، كما التركيز على حشد وتعزيز المجموعات ذات الطبيعة السنّية، ينطوى على خطر المساهمة فى الوصول إلى نتيجة مماثلة. ولذا ينبغى على القيادة السعودية أن تكون حذرة إزاء ما تفعله فى سوريا. فجيش محمد قد يعود إلى مكة فى نهاية المطاف.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved