حوار سريع مع سائق تاكسى

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الخميس 5 نوفمبر 2015 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

فى التاسعة من مساء الاثنين قبل الماضى ركبت سيارة تاكسى أبيض من أمام مقر جريدة الشروق فى جاردن سيتى إلى مقر فضائية «سكاى نيوز عربية» فى العجوزة. المشوار استغرق نحو عشرين دقيقة تقريبا وخلاله دار حوار عشوائى وسريع مع السائق.
هو يدعى محمد ع.ح عمره ٥٤ عاما واصر ان يرينى بطاقة رقمه القومى تصديقا لكلامه، يعمل منذ عام ١٩٨٩، وصار موجها أول فى إدارة تعليمية بأحد مدن الجيزة، ورغم انه على الدرجة الأولى فإن مرتبه لا يزال ١٦٧٥ جنيها.
محمد متزوج ولديه ستة من الأبناء، أربعة أكملوا تعليهم وتخرجوا، واثنان لا يزالان فى الجامعة.
ولهذا السبب كان الاستمرار فى العمل على التاكسي ــ الذى بدأ عام ١٩٨٥ــ إجباريا حتى يتمكن من توفير الحد الأدنى من مصاريف المعيشة الآخذة فى الارتفاع كل يوم، متحملا عدم الجلوس مع أسرته، واللف بالتاكسى أحيانا لساعتين من دون أن يجد زبونا.
الأبناء الأربعة للرجل رفضوا بإصرار الذهاب إلى صناديق الاقتراع، لأن بعض زملائهم تم القبض عليهم، وبعضهم قتل فى مظاهرات سابقة وبعضهم غير مقتنع بالمرشحين.
عندما سمعت هذه المعلومة ظننت أن العائلة إخوانية أو متعاطفة مع الإخوان، لكن الوالد ذهب فى اليوم الأول للتصويت، اقتناعا بأن هذا دوره، هو أيضا سبق ان أدلى بصوته لصالح عبدالفتاح السيسى فى الانتخابات الرئاسية.
القتلى الذين تعاطف معهم الأبناء الأربعة لم يكونوا جميعهم من الإخوان . لكن أحد الأبناء كاد يقع فى شباك الجماعة، واستطاع الأب أن يقنعه بعدم الاستمرار فى هذا الطريق، واستجاب الابن للنصيحة كما يعتقد الأب.
الأب حاول إقناع الزوجة بالذهاب للإدلاء بصوتها، لكن الأبناء تكتلوا عليها، وأقنعوها بعدم الذهاب احتراما لما قالوا إنه دم زميلهم، وزملاء اخرين تم القبض عليهم منذ فترة، ولم يخرجوا حتى الآن.
عندما ذهب الأب الموجه الأول وسائق التاكسى فى نفس الوقت إلى اللجنة الانتخابية، لم يكن يعرف الشىء الكثير عن المرشحين، وجد ورقة مدونا بها الأسماء، لكن الخط كان صغيرا، والرموز غير واضحة، وفى النهاية اختار ثلاثة من أبناء قريته، وواحدا من قرية أخرى قال إنه معروف عنه السمعة الطيبة، وخدمة الناس.
الرجل لم يصوت لقائمة فى حب مصر، وعندما قلت له إنك قريب جدا من الإخوان أنكر مرة أخرى، وقال إنه إنسان عادى يصلى ويصوم مثل غالبية المصريين، ويحرص على مشاهدة العاشرة مساء لوائل الإبراشى، رغم أنه لا يتفق مع كل ما يقوله.
الذى يشغل محمد هو لقمة العيش وأن يطمئن على أن ينهى أولاده تعليمهم الجامعى، ويجدوا وظائف ويتزوجوا، هذا هو هدفهم الكبير فى الحياة وهو مستعد أن يشجع ويؤيد وينتخب أى شخص يمكن أن يضمن له هذا الأمر، أو على الأقل يساعده فى تطبيق هذه المطالب.
هل حالة محمد غريبة أو مختلفة؟ أم أنه نموذج لكثير من المصريين أو على الأقل شريحة معتبرة منهم؟.
فكرت فى هذا السؤال بعد أن نزلت من التاكسى. لم أره غريبا أو مختلفا، هو إنسان مصرى طبيعى، لا تشغله السياسة بمفهومها النظرى أو النخبوى فقط الذى يشغل الكثير من الاعلاميين والمثقفين.
هو يهتم وينشغل بما يعتقد انه السياسة الحقيقية، أى أن تكون حياته وحياة أسرته معقولة وجيدة أو على الأقل عادية وامنة.
دعونا لا نختلف حول هوية هذا الرجل، لكن دعونا نفكر فى كلامه وكلام أسرته، بغض النظر اتفقنا معه، أم اختلفنا، فهو يستحق الاهتمام والتأمل والدراسة وليس التجاهل والانكار.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved