احذر.. خلف الشاشة إنسان مثلك

نادين السيد
نادين السيد

آخر تحديث: السبت 5 نوفمبر 2022 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

شعر شيرين، تجاعيد ميرفت، وجه أصالة، طلة هيفاء: لغويا، كلها كلمات مضافة وكلهن مضاف إليهن، ومعنى ذلك أنها أشياء تخصهن وتخصهن فقط. ولكن لسبب ما ــ ولعل ذلك السبب يكمن فى مساحات الرأى ذات المجهولية التى يوفرها الإنترنت ــ أصبح المضاف إليه مضافا إلى جميع جمهور الإنترنت الغفير، وكل من يملك هاتفا ذكيا له كامل الحق فى الإدلاء برأيه فى شكل أو إطلالة أو حتى وزن أى شخص مشهور أو مؤثر على السوشيال ميديا أو «إنفلونسر».
ولسبب ما، أصبح كل من هو مشهور من فنان أو من رواد السوشيال ميديا مباحا، أصبح شخصه وشكله الخارجى مباحا للانتهاك والنقد القاسى وأبشع الأوصاف، متناسين تماما أن تلك التعليقات تنشر فى مساحات عامة يمكن لأى شخص، من ضمنهم الشخص المعنى، أن يراها ويتألم منها. فحين يكتب المستخدم تعليقا جارحا فهو لا يضع بالاعتبار أن ذلك الشخص المنتقد إنسان من لحم ودم مثله تماما، وأن شهرته أو عدد متابعيه ومتابعاته على السوشيال ميديا لا ينتقص أبدا من مشاعره أو إنسانيته ولا يقيه من الأمراض النفسية الناتجة عن تنمر رواد مواقع التواصل، والتى يمكنها أن تصل إلى اكتئاب حاد وأفكار انتحارية. وليته انتقادا موضوعيا لسلوك ما، ولكنه غالبا انتقاد على الشكل الخارجى الذى هو اختيار شخصى بحت لا يمتّ لأحد بأى صلة ولا يؤثر على أحد بأى شكل من الأشكال.
وطالما كانت حياة المشاهير عرضه للانتقاد، ولكن الانتقادات كانت عادة ما تكون فى مساحات المحادثات الخاصة بعيدا عن مسمع الشخص المنتقد. ولكن الإنترنت أخذ تلك المحادثات من المساحة الخاصة إلى المساحة العامة، ومن محادثات الصالونات إلى تعليقات الفيسبوك والتجريح عبر الرسائل الخاصة على الإنستجرام.
والغريب هو أن ذلك الشخص الناقد لا يجرؤ على توجيه تلك التعليقات بعيدا عن ساتر مواقع التواصل التى تبيح لمن يستخدمه إظهار أبغض وأحلك نواحى شخصيته التى يخجل من إظهارها فى حياته العادية لمجرد أنه يختبئ وراء ستار المجهولية، وكأنه يتجرد من المبادئ الإنسانية والتأدب الاجتماعى وأعراف المعاملة لحظة الضغط على زر تطبيق الفيسبوك. فلا يمتلك معظم النقاد جرأة أن يوجه ذلك الهجوم لصديق أو صديقة مثلا تعليقا على صورة حديثة له أو لها، أو حتى شخص غريب قابله فى أى مكان عام.
ولأنه من المستحيل إرضاء الجميع، فتجد المرأة ــ التى هى إحصائيا أكثر عرضه للتنمر الإلكترونى ــ نفسها منتقدة مهما فعلت. فهى منتقدة إذا تقبلت التجاعيد ورفضت عمليات التجميل، ومنتقدة إذا تبنت ثقافة التجميل والبوتوكس. فرواد مواقع التواصل لم تعجبهم ميرفت أمين حين ظهرت بإطلالة طبيعية وملائمة للمناسبة الحزينة والظروف التى مرت بها، ولم تعجبهم أصالة أيضا حين أجرت عمليات تجميلية وبدت أصغر كثيرا من سنها.
صادفت مؤخرا منشورا فى أحد جروبات الفيس بوك لمستخدمة تسأل عن جسم واحدة من مشاهير مواقع التواصل وعما إذا كان جسمها طبيعيا أم نتيجة لعملية تجميل، والمذهل أن تلك المستخدمة نشرت صورة مقربة لأجزاء من جسم تلك السيدة أخذتها من فيديو لها. وحين علقت أن ذلك انتهاك لمساحة تلك السيدة ولجسدها كان تعليقها أنها مشهورة وهى التى نشرت الفيديو، ولذا من حق تلك المستخدمة أن تنشر سكرين شوت من الفيديو، وأن تتساءل عما إذا خضعت لعمليات تجميل، وأنه من العادى مناقشة أمر خاص مثل هذا على الملأ فقط لكونها مشهورة، كأن شهرتها هذه جعلت جسدها مباحا للنشر والتعليق والانتقاد.
قمة الانفصام فى الشخصية أن ذلك يحدث فى نفس المجتمع الذى يخجل من ذكر أسامى الإناث، ولكن الواضح أن أجساد الفنانات أو مشاهير مواقع التواصل لا تخضع لتلك الأعراف على الإنترنت، تلك المساحة التى تحولت فجأة لنسخة أكثر توحشا من صحف أمريكا الصفراء الجريئة «التابلويد» والتى لا تتماشى تماما مع قيم المجتمع المحافظ الذى نعيش به. ذلك المجتمع الذى يبغى تغطية المرأة كلية، ولكن يستبيح مناقشة أدق التفاصيل الخاصة بنفس تلك المرأة، فقط لأنها مشهورة ولأنه متخفٍ وراء ستار الجهاز الذكى الذى يستخدمه.

أستاذ مساعد بقسم الإعلام فى الجامعة الأمريكية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved