مؤتمر المناخ.. مواجهات، تحالفات، وتداعيات!

أحمد عبدربه
أحمد عبدربه

آخر تحديث: السبت 5 نوفمبر 2022 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

تفتتح مصر اليوم الأحد ٦ نوفمبر، فاعليات المؤتمر رقم ٢٧ للدول الأطراف فى اتفاقية المناخ، وسط الكثير من الصخب والجدال حول ما الذى يمكن توقعه من المؤتمر الذى سيعقد فى مدينة شرم الشيخ لمدة تقترب من أسبوعين بمشاركة العديد من قادة الدول وفى مقدمتهم الرئيس الأمريكى جو بايدن ورئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك، بالإضافة إلى قادة حكومات ودول أخرى مثل البرازيل وفرنسا وإيطاليا، بالإضافة إلى الوفود الرسمية الممثلة لمعظم الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة، وعشرات المنظمات غير الحكومية والناشطين والناشطات فى مجال البيئة من مختلف دول العالم.
كان بايدن حريصا على تأكيد حضوره مبكرا لتأكيد الالتزام الأمريكى بتعهداتها البيئية، كما غيّر رئيس الوزراء البريطانى خطته من عدم الحضور كما أعلن مسبقا، إلى الحضور بعد الانتقادات العنيفة التى تلقاها داخليا ودوليا، وما زال حضور قادة روسيا والصين والهند محل شك، وسط اعتقاد بعدم الحضور والاكتفاء بتمثيل الدول الثلاث بوفد رسمى رفيع المستوى.
منذ أيام قليلة وقبل أن يبدأ حتى المؤتمر، دعا الملك تشارلز الثالث كلا من رئيس الوزراء سوناك، وعددا من ممثلى المنظمات الحكومية وغير الحكومية فى البلاد لاجتماع بخصوص التنسيق للموقف البريطانى خلال المؤتمر وبحسب ما نقلت الصحافة الإنجليزية، فإن الملك أكد فى هذا الاجتماع، الالتزام بتعهدات بريطانيا البيئية رغم الأزمة الاقتصادية وشدد على أن بريطانيا لابد أن تقدم نموذجا يحتذى به فى حماية البيئة على المستوى الدولى.
من المنتظر أن يشهد المؤتمر العديد من الأنشطة والمفاوضات، ومن المحتمل أيضا أن يشهد بعض المواجهات والتحالفات والتعهدات!

• • •
أما فيما يتعلق بالمواجهات، فمن المنتظر مشاهدة مواجهتين قويتين، الأولى تتعلق ببعض الأنشطة والفاعليات التى تنوى عدد من المنظمات الحقوقية والناشطين تنظيمها على هامش المؤتمر بخصوص أوضاع حقوق الإنسان فى مصر والشرق الأوسط، ومن المنتظر هنا أن تكون المواجهة على مستويين، الأول مواجهة بين الدولة المنظمة (مصر) وحكومتها من ناحية، وبين الناشطين والمنظمات الحقوقية من ناحية ثانية بخصوص استغلال الحدث سياسيا وتحويله بعيدا عن موضوعه الأصلى (المناخ)، ومواجهة أخرى مكررة حول عدم جواز الفصل بين الحقوق السياسية والاقتصادية وعدم اعتماد المفهوم الغربى باعتباره المفهوم الجامع المانع لحقوق الإنسان.
أما المواجهة الثانية فمن المنتظر أن تكون بين الدول الغنية الأكثر تلويثا للبيئة والدول الفقيرة التى تطالب الدول الغنية بدفع تعويضات تاريخية عن الأضرار التى سبّبتها لها من ناحية، وضرورة التزامها (أى الدول الغنية) بدعم الدول الفقيرة فى مواجهة التغييرات المناخية المستقبلية. من غير المتوقع أن تكون هذه المواجهة بين قادة الدول المعنية، حيث عادة ما تكون الكلمات الافتتاحية للقادة بروتوكولية وعادة لا يتخللها أى نقاشات، أو تعليقات، أو مفاوضات، ولكنها مواجهة متوقعة وبشدة فى الأيام التالية لمغادرة قادة العالم شرم الشيخ وبدء جلسات النقاش بين وفود الدول المشاركة!
• • •
أما عن التحالفات، فمن المتوقع أن تشهد جلسات المؤتمر ثلاثة تحالفات رئيسية متقابلة أو متقاطعة. التحالف الأول هو تحالف الدول الأكثر عرضة للتغيرات المناخية والمعروف باسم V20 والذى يضم الآن ٥٨ دولة، منها ٢٧ دولة فى أفريقيا والشرق الأوسط و٢٠ دولة فى آسيا والمحيط الهادئ، بالإضافة إلى ١١ دولة فى أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبى.
بحسب الموقع الرسمى للمجموعة، فإن التحالف سينظم ثلاث جلسات رئيسية، الأولى تعقد يوم ٨ نوفمبر وتتعلق بكيفية استغلال الدول الأعضاء فى المجموعة للطاقة المتجددة فى مواجهة التحديات المناخية، وسيتم التركيز على التجربة البنجلاديشية كنموذج، أما الجلسة الثانية فستكون يوم ١٤ نوفمبر فى الصباح وسيتم التركيز فيها على العلاقة بين المخاطر البيئية والهجرة الداخلية والدولية بشكل يضع موضوع الهجرة فى قلب مناقشات المؤتمر وغيره من المؤتمرات المستقبلية بخصوص قضايا المناخ!
وأخيرا ستعقد المجموعة جلسة ثالثة وأخيرة فى نفس اليوم (١٤ نوفمبر)، بعد الظهيرة وستقوم بالتركيز على حث الدول الغنية على الالتزام بتعهداتها فى التعويضات عن الأضرار المناخية وكذلك الالتزام بتمويل مشروعات مواجهة الكوارث الناتجة عن التغيرات المناخية فى الدول الفقيرة.
أما التحالف الثانى فسيكون تحالفا أفريقيا بالأساس، ورغم اشتراكه مع التحالف الأول فى الكثير من الموضوعات والنقاشات، إلا أنه من المتوقع أن يتحرك باتجاه اعتماد أجندة إفريقية خالصة سيتم قيادتها وتنسيقها بواسطة الرئيس الحالى للمجموعة الإفريقية للمفاوضين بخصوص التغيرات المناخية السيد إبراهيم شتيما من زامبيا بخصوص وضع أولويات للدول الإفريقية فى التحرك للتفاوض أثناء المؤتمر، وتنسيق موقف إفريقى موحد على مستوى قادة الدول الإفريقية المشاركة بخصوص تعويضات دول القارة من التغيرات المناخية وكذلك وضع أجندة للتنمية المستدامة عن طريق استخدام الطاقة المتجددة، وهذا الاقتراح تقوده كينيا، وأخيرا تسعى الدول الإفريقية أيضا إلى حث الدول المشاركة على الالتزام بخفض انبعاثاتها من الغازات المسببة للاحتباس الحرارى لتحقيق تعهدات الدول الموقعة على اتفاقية باريس للمناخ.
وأخيرا يأتى التحالف الثالث ممثلا فى مجموعة دول الاتحاد الأوروبى والتى حددت أربعة أهداف لتحقيقها خلال جلسات المؤتمر (وفقا للموقع الرسمى للاتحاد الأوروبى)، وهى تأكيد التخلى عن السياسات الحكومية الداعمة لإنتاج الوقود الأحفورى، وضع أجندة زمنية لتقليل الاعتماد على الفحم كمصدر للطاقة، خفض انبعاثات غاز الميثان، والتأكيد على عدم تجاوز ارتفاع درجات الحرارة العالمية عن ١.٥ درجة. ورغم أن الاتحاد الأوروبى لم يضع تعهدات قاطعة بخصوص التعويضات عن الأضرار المناخية إلا أنه أكد انفتاحه على مناقشة الحلول «العملية» الممكنة بخصوص هذا الالتزام أخذا فى الاعتبار أزمة الطاقة العالمية بسبب الحرب الروسية ــ الأوكرانية.
• • •
أما بخصوص التداعيات التى قد تؤثر على فاعليات المؤتمر والتعهدات وتعهدات الدول المشاركة، فهناك ثلاثة أحداث رئيسية قد تؤثر على نتائج هذا المؤتمر:
الحدث الأول يتمثل فى ارتفاع احتمال غياب الرئيس الصينى عن القمة، وهو ما يعنى أن التنسيق الأمريكى ــ الصينى الذى أعلن الطرفان الالتزام به خلال قمة جلاسجو العام الماضى بخصوص التعهدات البيئية لكلا الطرفين، قد لا يشهد أى تطور وخصوصا فى ظل توترات سياسية ودبلوماسية متصاعدة بين اثنين من أكبر المساهمين فى التلوث العالمى.
أما الحدث الثانى الذى قد يؤثر على سير فاعليات مؤتمر المناخ فهو أن الانتخابات الأمريكية النصفية تعقد فى هذه الأيام، وفى ظل توقعات أن الحزب الجمهورى قد يسيطر على أحد مجلسى الكونجرس أو حتى المجلسين معا (النواب والشيوخ) ، فإن هذا قد يؤثر على التعهدات التى يمكن للوفد الأمريكى تقديمها وخصوصا فى ظل اختلاف واضح بين سياسات الحزب الجمهورى والحزب الديموقراطى بخصوص التزامات الأخير البيئية.
أما الحدث الثالث والأخير فهو مؤتمر مجموعة العشرين الذى سيقام فى إندونيسيا خلال الأسبوع الثانى من مؤتمر المناخ، وعلى أجندته أيضا قضية التغيرات المناخية، وفى حال عدم تمكن دول العشرين من التوصل إلى اتفاق بخصوص القضايا المناخية، فإن هذا قد يؤثر أيضا على سير المفاوضات والنقاشات بين وفود الدول المجتمعة فى شرم الشيخ!
• • •
من هنا يبدو أن فرص نجاح المؤتمر، بخصوص التوصل إلى تعهدات جديدة قاطعة من الدول الغنية سواء بخصوص التزاماتها البيئية أو بخصوص تعويضات ودعم الدول الفقيرة محدودة وإن كانت غير مستحيلة، لكن يبقى التضامن فى مواجهة المخاطر البيئية والتنسيق بخصوص قضايا المستقبل هو الهدف الأكثر واقعية للتحقق فى شرم الشيخ.
أستاذ مساعد للعلاقات الدوليةــ جامعة دنفر

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved