بوادر أمل رغم تعقد المشهد العربي

سيد ابو زيد عمر
سيد ابو زيد عمر

آخر تحديث: الخميس 5 ديسمبر 2019 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

من أهم أسباب حدوث الزلازل والهزات الأرضية عدم استقرار الكتل الصخرية الضخمة فى موضعها الصحيح فى باطن الأرض، وينجم عن الاحتكاك الناجم عن سعيها الحثيث لاستعدال هذا الوضع كل تلك الآثار التى تصل أحيانا إلى حد الدمار. ولقد كان هذا حال أغلب أرجاء المنطقة خلال العقد الأخير إزاء عدم ثبات واستقرار نظمها السياسية، وإن هذه النظم لم تقدم الأداء المقنع لشعوبها، وإن هذه الشعوب حاولت أن تصل بالنظم لديها إلى الوضع الأمثل الذى يحقق مطامح شعوبها فى العيش والحرية والكرامة الإنسانية، مقدمة كل ما يقتضيه نضالها من تضحيات.

وإذا ما استثنينا مصر التى وضعت أقدامها بقوة على الطريق التى ارتضت المضى فيه، فإن الأزمات العربية الأخرى مازالت تجاهد على طريق الوصول إلى بر الأمان، ومازالت تقدم المزيد من التضحيات وتختلف فى درجة تقدمها والانفراج فيها، والبعض يراوح مكانه لا يتوقف عن نزف الدماء، وأضيفت إليها الموجة الثانية من الأزمات بتفجرها فى كل من العراق ولبنان. وباتت الحلول فى أغلبها بعيدة المنال للاعتبارات التالية:

أولا ــ التدخلات الخارجية الدولية والإقليمية، والتى تزيد النار أوارا واشتعالا، هذا التدخل الذى يأخذ مختلف الأشكال العسكرية المباشرة أو من خلال التسليح والتدريب أو العمل الاستخباراتى. ولا أعتقد أنه يوجد مثيل للمنطقة العربية فى صور التدخل الأجنبى المباشر فى شئونها، وكأن مقدراتها قد أمست فى يد غيرها، بل هم مدعوون أحيانا لهذا التدخل بكل حرية وأريحية دون مجرد الاستئذان.

ثانيا ــ القوى المعادية فى داخل كل دولة المعرقلة للوصول إلى أية حلول مقبولة، وتعطيل أى تقدم على طريق الحل. ولا هَم لها سوى استمرار الأزمة واشتعالها.

ثالثا ــ تغليب المصالح الطائفية والفئوية والشخصية على المصلحة العامة والوطنية، وأوضح الأمثلة على ذلك ما ارتكبته ميليشيات الحشد الشعبى فى العراق، والاتفاق الذى عقده فايز السراج فى ليبيا يوم 28 نوفمبر الماضى مع الرئيس التركى لمواجهة الجيش الوطنى الليبى ودعم الجماعات الإسلامية فى الشرق الليبى وحصول تركيا على الغاز والنفط وضمان نصيبها من مشاريع إعمار ليبيا ومناوأة مصر واليونان.

رابعا ــ إن الاقتصار على تحديد أهداف هذه الاحتجاجات فى بعض الحالات، دون أن تكون مصحوبة بالتفاصيل وآليات الوصول إليها، قد تبدو أحيانا وكأن هذه الانتفاضة عاجزة أو قاصرة عن تحمل مسئولية المستقبل وتقديم الحلول الصحيحة له، فهى تبدو بمثابة قفزة إلى المجهول دون أن تكون هناك قيادة واعية لديها صورة واضحة عما تسعى إليه. وبمعنى آخر فإن غياب قيادة واضحة قادرة على طرح تصور متماسك لما يجب اتخاذه يضعف من موقفها.

خامسا ــ اللجوء إلى استخدام القوة من قبل النظم فى مواجهة محتجين عزل، وأصبح من اللافت للنظر تزايد الشكوى من اللجوء للقوة المفرطة خاصة فى العراق ولبنان بما فيها استخدام قنابل الغاز القاتلة المخصصة عادة للمداهمات وليس لفض المظاهرات، والرصاص المطاطى منتهى الصلاحية، والضرب المباشر بالرصاص الحى، ووجد أن 70% من الإصابات مباشرة فى الرأس والصدر، وقد صدر أكثر من تصريح لمسئولين إيرانيين (شريعتمدارى) يطالب فصائل الحشد الشعبى العراقى بقمع المتظاهرين فى النجف، وهو ما تقوم به بالفعل وحدات حزب الله أيضا فى لبنان، ووصلت أعداد القتلى فى العراق إلى المئات (تزيد عن 400).

***
حرى بنا أن نعترف أنه قد تحقق خلال الفترة الماضية ما يمكن أن نطلق عليه نجاحا فى أن يكسب المحتجون أرضا على الصعيد السياسى، واضعين فى الاعتبار أنها خطوات غير نهائية لم تحسم ومازالت تجد الكثير من المقاومة، تأتى فى مقدمتها انطلاق الاحتجاجات الأخيرة متحررة من قيود الحزبية والطائفية، تحمل مشاعر كبيرة من الغضب ضد إيران وتدخلها الممقوت والسافر فى الشئون الداخلية، ورفض المحاصصة والطائفية، ولعل هذا الطرح الذى يجد تأييدا من مختلف طوائف الأمة وخاصة فى العراق ولبنان بدرجات متفاوتة، يصل إلى الحد الأقصى بالمطالبة بإلغاء الطائفية (ومن ثم إلغاء المحاصصة) ويكون ذلك نقلة نوعية فى مسار الحياة السياسية العربية، وتتضمن اتفاقية الطائف عام 1989 عن لبنان نصا صريحا لتحقيق هذا الهدف الذى وصف بأنه هدف وطنى أساسى يقتضى العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية وعلى مجلس النواب المنتخب اتخاذ الإجراءات الملائمة، وتشكيل هيئة وطنية من الرئاسات اللبنانية وشخصيات سياسية وفكرية واجتماعية لدراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية، ويتم فى المرحلة الانتقالية إلغاء قاعدة التمثيل الطائفى واعتماد الكفاءة والاختصاص فى الوظائف العامة، وإلغاء ذكر الطائفة والمذهب فى بطاقة الهوية. وصولا إلى الهدف الأسمى بإعلاء شأن الدولة الوطنية، وابتعادا عما حاولت الولايات المتحدة إرساءه من نظم قائمة على الأعراق والطوائف فى العراق. ومن المبكر معرفة مدى إمكانية الوصول إلى إلغاء هذا النظام الكريه الذى يفرق بين أبناء البلد الواحد.

***
ومن جانب آخر فإن احتجاجات الغضب ضد إيران التى وصلت إلى حد إحراق القنصليتين الإيرانيتين فى كربلاء والنجف، ومكاتب بعض الأحزاب الشيعية الإيرانية التوجه، والهتاف ضد مرشد الثورة الإيرانية «على خامنئى» ذاته، وتفجر الاحتجاجات على نطاق واسع داخل إيران الذى اضطر الأجهزة الإيرانية إلى قمعها بقسوة ووحشية. وهذا يضعف الموقف الإيرانى وقد يقلص من غلوائه فى تدخله فى الدول العربية بادعائه تمثيل إيران لكل عموم الشيعة فيها، فقد وضح خطل هذا الرأى وتأكيد انتماء مختلف الطوائف إلى دولهم الوطنية.

ورغم جمود الموقف فى مختلف دول الأزمات العربية، نلحظ من جانبنا وجود تحرك طفيف يمكن البناء عليه فيما يلى:

أولا ــ فى الملف السورى، يقف النظام السورى بثبات خاصة بمساندة من روسيا التى أضافت قاعدة عسكرية جديدة لما لديها على الأرض السورية. وبدأت سوريا بالفعل إجراءات وضع الدستور الجديد من خلال لجنة 150 المقسمة ين النظام والمعارضة. كما بدأ النظام السورى فى التواجد فى الشمال بعد غيبة طويلة عن هذه المنطقة الشائكة.

ثانيا ــ ويمضى الحراك السودانى بالصورة المتفق عليها بين المجلس العسكرى وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير بعد التوصل إلى الاتفاق على تقاسم السلطة لفترة انتقالية بوساطة أثيوبية وتشكيل المجلس السيادى وتسمية «عبدالله حمدوك» رئيسا للحكومة الانتقالية، ويعد ذلك خطوة طيبة تتيح التفرغ لحل المشكلات الاقتصادية والمعيشية الكأداء.

ثالثا ــ وعلى الجانب الليبى يواصل خليفة حفتر محاولاته السيطرة على العاصمة طرابلس وتصفية الميليشيات التى تجد دعما من رئيس المجلس السيادى فايز السراج، ويشوب اتفاقيتيه الأمنية والبحرية مع تركيا أنها تجاهلت وجود كل من كريت وقبرص فى احتساب الحقوق البحرية، وأن السراج لا يحق له شرعا التوقيع على هذه الاتفاقات منفردا فى غياب بقية أعضاء المجلس الرئاسى.

رابعا ــ يعتقد «مارتن جريفث» المبعوث الدولى لليمن أن أطراف الأزمة قد أصبحوا أكثر اقتناعا بإنهائها وخاصة على الجانب الحوثى والسعودى والإماراتى، وأنهم أصبحوا أكثر استعدادا لقبول التسوية السياسية، وهو ما بينته التصريحات الصادرة عن الجانبين. ومن جانب آخر فقد كان اتفاق الرياض بين ممثل الحكومة الشرعية المعترف بها وممثل المجلس الانتقالى الجنوبى قد وضع حدا للأزمة التى كادت أن تقسم اليمن من جديد، فالاتفاق ينظم العلاقة بين الجانبين ويعطى الجنوبيين اعترافا داخليا بعد ما كانوا يوصفون بالإنقلابيين.

خامسا ــ خفوت دعوات التفتيت والتقسيم، فلم تعد مطروحة بنفس القوة تلك النظريات والأفكار التى أخذت تقسم الدول العربية إلى عشرات الدويلات، وعلى العكس من ذلك تبدو الجماهير العربية أكثر تمسكا بدولها الوطنية، وإن كانت هذه المخاطر مازالت تروج لها الدوائر المعادية.

***
قد يجدر التساؤل عما إذا كان الدور العربى سيظل مستبعدا من الملفات الرئيسية، لكى تظل مقدراتها بيد القوى الدولية والإقليمية، على الرغم من كون الجماعة العربية ممثلة فى الجامعة العربية هى الأجدر والأفصح فى تناولها. استمرار هذا الوضع يضعف من هذا الدور أو احتمالات القيام به فى المستقبل، ذلك أنه يوجه إليه اللوم فى هذا الابتعاد، وكأنه يتم بناءا على رغبته. وهذا الأمر يستحق أن يدرس بعناية وأن نجد الوسائل الكفيلة بأن يكون الوضع العربى العام وسلامته من أولى مهام العمل العربى المشترك. وتكون نقطة البدء بمبادرات من العواصم العربية الرئيسية. فلا يمكن أن يستمر الوضع بالصورة التى نراها والتى وصلت إلى حد التشكيك فى وجود العروبة ذاتها. والقوى الأجنبية بالقطع ليست من أولوياتها البحث عن المصالح العربية، إن لم تكن تعمل ضدها.

ومن جانب آخر، فمن المهم إطلاق وتشجيع مبادرات العمل العربىــ المدنى، تعويضا عن ضعف العمل الرسمى، فمنظمات واتحادات العمل العربى المشترك قادرة على القيام بالدور المطلوب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved