أردوغان واللحن الملعون

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 6 يناير 2020 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

بتحريكه قوات تركية إلى ليبيا، يصر رجب طيب أردوغان على إشعال المنطقة بنيران ربما لن يفلح أحد فى إخمادها قبل سنوات من حرق وقتل الأبراء من الليبيين، وإن زعم المستعمر التركى أنه جاء «لسلام ليبيا»، وهو فى الحقيقة يعمق خرابها ودمارها الذى ظل العالم يتجاهل تداعياته الخطيرة منذ سقوط معمر القذافى وحتى اليوم، قبل أن تعود الأزمة الليبية إلى الواجهة من بوابة التدخل العسكرى التركى.
ضاقت الأرض على أردوغان بتلقيه الهزيمة تلو الأخرى، داخليا بتدنى وضع الاقتصاد التركى، وخارجيا بفشل عسكرى فى سوريا وعزلة دولية وضياع أمل دخول النادى الأوروبى، وهو الحلم الذى راود الحكومات التركية المتعاقبة من دون تحقيق. وها هو السلطان الواهم يسعى لكسر الطوق المضروب حول عنقه بمغامرة ارسال جنوده ليلقوا حتفهم على التراب الليبى.
يناور أردوغان باستخدامه حكومة فايز السراج درعا لخوض معركة غاز شرق المتوسط، بعد أن خرج منها خالى الوفاض، غير مدرك أن اللعب بالنيران الليبية لن يحقق له ضالته، فالقضية أعمق وأكبر من ارسال بضعة بيادق إلى غرب ليبيا لمساندة ميليشيات إرهابية وعناصر من المرتزقة الذين يقاتلون بالأجر ويخوضون الحروب بالوكالة عن الغير.
وبوصول الجنود الاتراك إلى ليبيا نكون أمام إطلاق العنان لحرب إقليمية، تسعى جهات دولية لإشعالها، إما بغض الطرف، أو المساندة غير المباشرة للأطراف التى تتهيأ للانغماس فيها. فها هم الأوروبيون أصحاب الخطوة الأولى فى دمار ليبيا عبر حلف شمال الاطلسى «الناتو»، يتلكأون فى اتخاذ موقف واضح ضد التحركات العسكرية التركية، فيما تجرى السفارة الأمريكية فى طرابلس لقاءات مع حكومة السراج، والاكتفاء بالحديث عن ضرورة التعاون للقضاء على الميليشيات الإرهابية!!
إسرائيل التى تراقب عن كثب ما يدور فى المنطقة ربما تجد فى التحركات التركية نحو ليبيا وانشغال العالم بالحرب المشتعلة بين الولايات المتحدة وإيران عقب مقتل قائد فيلق القدس الإيرانى قاسم سليمانى، ربما تكون الأكثر ارتياحا لألسنة اللهب المتصاعد، فهى الآن تجنى مكاسب مجانية، وستكون الرابح الأكبر من أى خراب يلحق بكل ما هو عربى.
أما دول المغرب العربى التى ستكون أول من يكتوى بالنيران الليبية عندما يتطاير شررها، فبعضها ــ للآسف ــ يناصر المستعمر التركى القادم لاستعادة أحلام خلافة عثمانية غابرة، أملا فى فتات زائل من المكاسب الآنية، والبعض الآخر يتجاهل إعلان موقف صريح ضد ما يدور على أعتاب حدوده، على الرغم أن هؤلاء سينالون نصيبهم من الخسارة الفادحة لأمن واستقرار بلادهم، إذا ما اتسعت دائر النار.
مصر التى عملت، ولا تزال، على خروج الأشقاء الليبيين من مستقع الدمار الذى يسعى أردوغان وغيره إلى إبقائهم فيه، لا يمكن لها أن تقف مكتوفة الأيدى أمام ما يدور على حدودها الغربية، من منطق أن الأزمة الليبية شأن مصرى، ليس بمنطق الجور على حقوق الغير، ولكن دفاعا عن أمنها واستقرارها وهى التى تتشارك مع ليبيا فى حدود تتجاوز 1100 كيلو متر.
لم تحرك مصر الجغرافيا وتذهب إلى الأناضول، أو أسطنبول، وإن اقتربت من ذلك ذات يوم، لكن المحتل التركى يستدعى تاريخا غابرا عنوانه نهب الثروات العربية، وعندما عجز وبات «الرجل المريض» سلم ليبيا للمحتل الإيطالى، والآن يحاول إعادة اللعبة من جديد، غير مدرك تغيرات الزمان الذى محا الامبراطورية العثمانية من فوق خريطة العالم.
نحن لا نريد الدخول فى حروب، ولا نسعى لخوض معارك لنهب ثروات الشعوب، ونرفض أى تدخل عسكرى فى ليبيا، ومع تقديم الحل السلمى على كل الحلول، غير أن أمننا القومى يملى علينا الدفاع عن حدودنا ومصالحنا، ولا يمكن أن نقف متفرجين أمام أى تهديد، ولعل جوقة «الفرار» التى تنعق فى أسطنبول تحريضا ضد مصر تعى أن الأوطان أبقى من الأغا التركى وإن أطربها نشاز لحنه الحربى الملعون.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved