عن عودة المغرب للاتحاد الأفريقى

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الإثنين 6 فبراير 2017 - 10:50 م بتوقيت القاهرة

نشر معهد الدراسات الأمنية مقالا لـ«بيتر فابريسيوس» ــ الخبير الاستشارى بالمعهد ــ حول عودة المملكة المغربية إلى الاتحاد الأفريقى بعد غيابها قرابة الـ 33 عاما، وأثر ذلك الرجوع على دول الاتحاد وبخاصة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية والتى تسببت قديما فى خروج المغرب من المنظمة الأفريقية، والفوائد التى يمكن أن تعود على الاتحاد نتيجة لذلك الرجوع.

يستهل «فابريسيوس» المقال بأن أمر عودة المغرب ممثلة فى عاهلها الملك محمد السادس إلى الاتحاد الأفريقى مرة أخرى عقب انقطاعها لسنوات وسنوات كان أشبه بعودة عاطفية مؤثرة تذكر بغناء المطربة «مادونا إيفيتا» حين قالت «لا تبكى يا أرجنتين من أجلى، فى الحقيقة أنا لم أرحل أبدا». هكذا كانت عودة المغرب إلى حضن أفريقيا خلال يوم الإثنين الموافق 30 يناير 2017 باجتماع مغلق لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقى، ضمن أعمال اليوم الأول من قمة قادة دول ورؤساء حكومات بلدان الاتحاد الأفريقى، تحت شعار «2017: سنة تسخير العائد الديموغرافى من خلال الاستثمار فى الشباب».
قال العاهل المغربى خلال خطابه التاريخى هذا «إنه لأمر جيد للغاية أن تعود إلى بيتك بعد وقت طويل من الغياب لملاقاة الأسرة الأفريقية» مضيفا أنه يأمل «أن يساهم ذلك فى تعزيز علاقات التعاون والأخوة والصداقة التى تجمع بين المغرب والدول الأفريقية»، وقد صرح بذلك إلى عدد من رؤساء الدول الأفريقية المتواجدين بقاعة نيلسون مانديلا ــ الزعيم الجنوب أفريقى الراحل ــ خلال قمة الاتحاد الأفريقى الـ 28 المنعقدة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، فى إشارة إلى غياب المغرب منذ عام 1984، أى قرابة الـ 33 عاما عقب اعتراف منظمة الوحدة الأفريقية وقتها ــ الاتحاد الأفريقى حاليا ــ بأن الصحراء الغربية عضو مستقل.

كما أشار فى خطابه خلال القمة إلى أنه قام بـ46 زيارة إلى 25 دولة أفريقية، وما هذا إلا رغبة ودليل على تعزيز العلاقات المغربية الأفريقية. كما أكد أن هدف المغرب ليس التسبب بالانقسام ولكن مساعدة الاتحاد على مزيد من تحقيق التقدم والوحدة، وذلك حتى يغلق الباب أمام أى حديث حول عودة المغرب وما قد تسببه من شروخ وتصدعات داخل جدران الاتحاد.

أما فيما يتعلق باستقبال العاهل المغربى من قبل أعضاء الاتحاد الأفريقى؛ فقد قابله عدد كبير من القادة بالكثير من الحفاوة والترحيب عقب دخوله القاعة، لكن عددا آخرا من الزعماء ظل جالسا وسيطر الصمت عليهم، فيما اختار رئيس جنوب أفريقيا «جاكوب زوما» ألا يكون متواجدا من الأساس.
***

انتقل فابريسيوس بعد ذلك لتصريح وزير خارجية الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية «محمد سالم ولد السالك» فى حديثه إلى وكالة فرنس برس الإخبارية، حيث قال إنه قد تم قبول المغرب بالاتحاد الأفريقى من اللحظة التى لم تفرض بها أى شروط. مضيفا أن «انضمام المغرب بلا تحفظ إلى الاتحاد من شأنه أن يساعد فى إيجاد حل للنزاع الصحراوى المغربى بين دولتين أفريقيتين جارتين وتتمتعان بالعضوية فى الاتحاد الأفريقى».

لكن فى الوقت ذاته أكد «السالك» بأنه «فى حال رغبت المغرب بالتشكيك فى عضوية الصحراء الغربية بالاتحاد الأفريقى فسيتوجب عليها وقتها الحصول على دعم ثلثى الدول الأعضاء». وقد أثيرت عدة أخبار حول قيام المغرب بالفعل منذ العام الماضى بتوقيع توقيعات وصلت إلى 28 ولاية من أجل طرد الصحراء الغربية من الاتحاد. يثار هنا تساؤل مهم قد صرح به «زوما» فى بيان عقب القمة: هل المغرب ستقوم باستكمال التوقيعات للإطاحة بالصحراء الغربية أم أن دولا كالجزائر وجنوب أفريقيا ستتمكنان من إقناعها باستقلال الصحراء الغربية؟، ولكن على أى حال فستكشف الفترة المقبلة عن ما يمكن حدوثه فيما يتعلق بذلك الملف الشائك وعن أية تطورات سترتبط بعودة المغرب إلى المنظمة الأفريقية.

كما يرى البعض أن محاولة المغرب للإطاحة بالصحراء الغربية قد تكون ذات آثار مدمرة للغاية، لكن إجمالا إنه لأمر جيد أن تعود المغرب مرة أخرى إلى الاتحاد الأفريقى؛ فهى جغرافيا جزء لا يتجزأ من القارة الأفريقية، كما أن بإمكانها المساهمة بإضافات كبيرة وجيدة للقارة؛ فمثلا يمكنها أن تساهم فى سد العجز المالى الذى يمر به الاتحاد، خاصة أن قرار الاتحاد بفرض ضريبة 2% على الواردات من أجل تقليل الاعتماد على المنح الأجنبية لن يتم تنفيذه خلال فترة قصيرة.

يشير الكاتب أيضا لما صرح به الملك محمد السادس إلى القادة الأفارقة ــ المتواجدين بقاعة مانديلا ــ عن المساهمات الكثيرة التى قامت بها المغرب من أجل جعل القارة الأفريقية أفضل، حتى فى الأثناء التى غابت فيها عن الاتحاد. حيث سرد عددا من اتفاقيات التعاون التى عقدتها المغرب مع عدد من الدول الأفريقية ــ كل على حدة ــ إضافة إلى تقديمها لآلاف المنح الدراسية للطلاب الأفارقة، فضلا عن مصانع الأسمدة التى قامت ببنائها فى إثيوبيا ونيجيريا، وتبنيها لعدد كبير من المشاريع الزراعية فى العديد من البلدان، وقيامها بالمساهمة فى بعثات حفظ السلام فى أفريقيا، حيث قدمت آلاف الجنود إلى 6 بعثات منهم، فالقوات المغربية لا تزال فى عدة دول كجمهورية أفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، إضافة إلى مساهمتها فى وساطة السلام فى ليبيا ومنطقة نهر مانو.

إضافة إلى كل ما سبق فقد وعد العاهل المغربى بأن المغرب عقب عودتها لبيتها مرة أخرى ستقوم بتزويد أنابيب الغاز الطبيعى والتى تمتد من غرب أفريقيا عبر المغرب لإمداد أوروبا، إضافة إلى توفير الرعاية والعلاج الملائم للاجئين الأفارقة الذين يتدفقون إلى المغرب وصولا إلى أوروبا. كما وعد بمحاولة إعادة اتحاد المغرب العربى مرة أخرى إلى العمل عقب ذلك السبات العميق؛ ذلك الكيان الأفريقى الاقتصادى والذى تعطل عمله بسبب التنافس بين أفراده وبخاصة بين المغرب والجزائر حول الصحراء الغربية، إضافة إلى الصراعات الداخلية.

قد تكون الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ربحت، ولكنه ربحا لا يعدو أن يكون سوى ربح صغير، حيث إن الرابح الأكبر على المدى الطويل سيكون المغرب. وعلى الصحراء الغربية أن تعلم أن المغرب لاعب كبير ولن يكون دورها صغيرا لفترة أطول من ذلك ليس فقط من أجل إمكاناتها الاقتصادية والعسكرية، ولكن لكونها تعد بمثابة الجسر إلى أوروبا وما ورائها.

***
يختتم الكاتب بأن الجبل لم ولن يذهب إلى محمد ــ العاهل المغربى ــ ومن ثم فقد عزم هو على الذهاب إليه، ولكن ما يفعله هناك سوف تتم متابعته ومشاهدته عن كثب من الجميع.

إعداد: نهاد محمود

النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved