السعر.. الثمن.. القيمة

وائل زكى
وائل زكى

آخر تحديث: الثلاثاء 6 فبراير 2018 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

أخيرا وصلت النسخة الحديثة من الهاتف المحمول وأعلن عن سعره وتبارى المواطنون لشرائه، لم يكن أى منهم ليتنازل عن جهازه ولو بنفس المبلغ الذى دفعه كسعر معلن للجهاز، وقد يبرر أحدهم رفضه بتحمل كلفة الانتقال والوقوف بطابور الحجز وتكبد المشقة واستهلاك وقتٍ وإنفاق مصروفات، لقد أصبح للجهاز عنده ثمن يفوق سعره، فى حين يشترى أحدهم سيارة من مالك لم يستعملها سوى «لكسر زيرو» العداد أى لم تسر أكثر من كيلومترات، ليصبح ثمنها أقل من سعرها الذى بيعت به بمبلغ لا يتناسب والكيلومترات المستهلكة، إذًا الثمن يختلف عن السعر بمقدارٍ قد يكون سالبا أو موجبا ويتوقف ذلك على القيمة المكتسبة أو المفتقدة عند تقدير الثمن مقارنة بالسعر.

نقول إننا نثمّن لفلانٍ ما قام به من جهود، أى نقدر جهوده التى يصعب تقديرها بسعرٍ، وأحيانا يقال إن فلانا سيدفع الثمن غاليا جراء ما ارتكبه، وبالتالى ما سيدفعه قد يكون مالا وقد يكون حياته حتى، فالثمن مقدّر أما السعر فمحدد، وتحديد السعر يرتبط بمدخلات السلعة التى تسعّر، وهو كل الخامات واستهلاك مستلزمات الإنتاج والتجهيز من تعبئة وتغليف وخلافه ثم النقل شاملا جهد العاملين ووقتهم ثم يضاف هامش الربح للمستثمر والذى يفى بإدارة رأس المال وتنميته واستمرارية الإنتاج فى ظل ظروف السوق، ليخرج لنا ناتج بسعر محدد، وقد تتدخل الدولة لتحديده طبقا للظروف الموضوعية التى يدرسها خبراؤها ويسهل تحديدها ومن ثم تحديد سعر السلعة.

***

والسلعة هى كل منتج يسد حاجة ويوفر منفعة للاستعمال، يشمل ذلك كل أصل خام أو مورد طبيعى، وغالبا السلعة شيء مادى ملموس، خلاف الخدمة التى تتمثل فى نشاط يقوم به شخص طبيعى أى فرد، أو شخص اعتبارى أى جهة لصالح أشخاص آخرين، السلعة لها مواصفات يمكن فحصها قبل الشراء أما الخدمة فلها معايير ويصعب فحصها قبل طلبها ولكن تعتمد على عوامل عدة منها مقدار الثقة فى مؤدى الخدمة وانتهاءً بتقصى آراء من سبق له تجربتها، والسلعة يمكن إنتاجها فى وقت واستخدامها فى وقت لاحق أى يمكن تخزينها، أما الخدمة فتؤدى وقت طلبها، وعلى ذلك فالسلعة يحدد سعرها أما الخدمة يقدر ثمنها، وتعمل الحكومات على تحديد أسعار السلع الأساسية كالمياه والغاز والكهرباء والوقود ثم السلع الضرورية كبعض السلع الغذائية، وتعمل على توفير الخدمات الأساسية بمعايير تضمن الحد المناسب لأدائها بشكل يتوافق ومتطلبات المجتمع، كالتعليم والصحة وتقدر لذلك أثمانا تتفاوت بتباين معايير أداء الخدمة.

***

الإسكان، هل هو سلعة يحدد لها سعر أم خدمة يقدر لها ثمن؟، ذلك يتوقف على مدخلاته، فهى خليط بين السلع والخدمات، بداية بتوفير مواد البناء مرورا بتوفير الشبكات والمرافق والخدمات المهنية والحرفية للتشييد والبناء وغير ذلك من سلع وخدمات، غير أن كل ذلك يتم تنفيذه على الأرض التى تعد أصلا من أصول الإسكان أو الزراعة أو الصناعة أو السياحة ويصعب توصيفها كسلعة، فامتلاك الأرض ليس مطلقا، أنت تستخدم التربة فقط ولا تتصرف فيما تحتها، وإن كنت تستغل محجرا أو بئرا لماء أو غاز أو بترول، لك حق الاستغلال لفترة محددة يمكن تجديدها ولا يمكن الشراء للملكية المطلقة، وإذا حدث أن اكتشفت آثارا فى أرضك أو ثروة طبيعية فتأكد من مصادرة أرضك للمنفعة العامة، وبذلك تنتفى عن الأرض صفة ملكية السلعة بالمفهوم المطلق، وفى حين أن لكل سلعة عمرا افتراضيا، تجد الأرض بالنسبة للدولة أصلا مستديما يستخدم فى إنشاء مبنى، والمبنى له عمر افتراضى يستعمل خلاله ثم يزال أو ينهار، وتظل الأرض تنتظر استخدامها فى استعمال آخر.

هذا يعنى أن الأرض لها ثمن يقدّر وليس لها سعر يحدد، يمكنك شراء أى سكّين بسعره المحدد، وربما ستستعمله فى جريمة أو تقطيع فاكهة ويظل سعره كما هو غير مرتبط بالغرض، أما إن كانت هناك أرض زراعية تباع بالفدان والقيراط ثم أصبحت ذات يوم داخل كردون المدينة فإنها ستباع بالمتر وقد يصل ثمنه إلى ما كان يباع به القيراط للزراعة، هنا ارتبط ثمن الأرض بقيمة الاستعمال، وهذا لا يعنى أن الاستعمال السكنى ذو قيمة عن الزراعى، ولكن حدد قيمته هنا الاحتياج وحجم الطلب أمام ندرة توافر أراضٍ للبناء، والأهم هو القرار الإدارى بجعل تلك الأرض متاحة للاستخدام السكنى بدلا من الزراعى، ومن ثم فالقرار الإدارى فى معظم الحالات هو العامل الرئيسى فى تحديد أثمان الأراضى.

***

كل ما هو باقٍ أو لا يرتبط بعمر افتراضى فهو للاستخدام ويقدر له ثمن، وكل ما هو فانٍ غير مستدامٍ أى له عمر افتراضى فهو للاستعمال ويحدد له سعر، فالأرض تستخدم والمبنى يستعمل، الأرض تثمّن والمبنى يسعّر، ولكن متى يضفَى على السعر قيمة تكسب السلعة ثمنا أو قد لا تقدر بثمن؟، متى منحها الزمن بقاءً أو منحها الإنسان قيمة، فمتى اكتسبت السلعة من مقومات الاستدامة زادت قيمتها وأصبح لها ثمن يفوق سعرها، ويظل عامل الزمن كدليل استدامة هو العنصر الحاكم الأقوى، فالمبنى الأثرى له ثمن أعلى بفضل استدامته وما يترتب عليها من الحفاظ على قيم تراثية وغيره، ويزداد المبنى قيمة كلما استدام حتى لا يقدر بثمن، فمن ذا الذى يستطيع أن يقيّم الأهرامات بثمن، أو يضع لبرج بيزا المائل سعرا وهو معيوب كبناء إنشائى.

كذلك الإنسان يمنح الأشياء قيما من قيمته، فالسيارة المستعملة من شخص لا تقارن قيمتها بسيارة كان يركبها أحد الزعماء أو الفنانين، حتى قد يعرض أحدهم سيارة مستعملة للبيع ويصفها بأنها استعمال طبيب، فما بالك بقيمة سيف كان يستخدمه أحد قادة العصور الوسطى فى معاركه، والصورة المعروضة فى أحد محال بيع الصور لا تقارن بصورة فى متحف أو معرض لفنان معروف، فما بالك بقيمة صورة رسمها أحد فنانى القرون الوسطى حيث تتضافر فى القيمة عنصرا الزمن والإنسان، الزمن لا يعود، هو الثابت فى تقدمه يضفى على المستديمات فيه قيما بطول بقائهم، أما الإنسان فمقياس قيمته ترتبط بقدره داخل مجتمعه، فتقل قيمة من عاش لنفسه وترتقى قيمة من يخدم الإنسانية ويخدم بلده، ويظل تقدير القيمة للفرد نسبيا بحكم الناس ودوام الأثر فيهم، فقد تترك أثرا لولدِك حتى وإن كان الأثر قيما ومبادئ، وقد تترك أثرا لبلدك حتى وإن كان ما تركته لم يكن سوى ولدِك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved