«قيادة بديلة»؟

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الثلاثاء 6 فبراير 2018 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

نشرت جريدة الحياة اللندنية مقالا للكاتبة «فاتنة الدجانى» وجاء فيه: ما أشبه اليوم بالبارحة. الأجواء ذاتها، والظروف والحيثيات والتفاصيل. التاريخ إذ يتحول، مع تكراره، إلى مأساة على الطريقة الإغريقية حيث دائما ما تُسدَل الستارة على ضحية ما.

فى زمن قريب، تابعنا بعيون مفتوحة على اتساعها كيفية تغييب الرئيس ياسر عرفات بعد رفضه التوقيع على اتفاق كامب ديفيد فى عهد الرئيس الأمريكى السابق بيل كلينتون. وتابعنا الترويج إسرائيليا لـ«غياب شريك السلام»، ثم عملية «السور الواقى» العسكرية الإسرائيلية واجتياح الضفة الغربية، ولاحقا اغتيال عرفات بالسم.

لا يختلف الوضع كثيرا اليوم. لا المحاولات الإسرائيلية، فى السر والعلن، لاغتيال الرئيس محمود عباس (أبومازن) سياسيا، ولا المحاولات الأمريكية للضغط عليه أو إيجاد قيادة بديلة منه. لم يُسعِفه كونه الأب الروحى لاتفاقات أوسلو ونهج السلام الرافض العنف والكفاح المسلح. ولم يُخفف عنه أنه لم يعلن فى أى وقت موقفا معارضا للمفاوضات. فقط هالهم أن يصر على توسيع الرعاية الدولية لعملية السلام (كأن إسرائيل متمسكة بها)، وأن يتحدى الإدارة الأمريكية بعد قرار القدس.

حتى التسريبات الإعلامية لم ترحمه، وذهبت إلى فساد إدارته، ومنها كشف شراء طائرة خاصة من مال السلطة. ولكن، كل من كان ينتظر رد فعل شعبيا على هذه التسريبات، سيصاب بخيبة، ذلك أن الفلسطينيين على يقين من أن هذه التسريبات توظَّف إسرائيليا وأمريكيا للضغط على عباس، ومن ثم على الشعب، للقبول بـ «صفقة العصر». لا يعنى هذا أن ذاكرة الناس معطّلة، أو أنها لا تحتفظ بالملفات وحق المحاسبة فى اللحظة المناسبة، ولكن بالتأكيد ليس انسياقا فى الخطة الإسرائيلية أو خدمة لها.

فهل المشكلة فعلا فى شخص عباس أم فى فحوى «صفقة العصر»؟ الإجابة ستذهب حتما إلى استحالة إيجاد قيادة فلسطينية ترضى بما رفضه عباس أو بالتنازل عن الثوابت المعروفة، تماما كما أنه لا حل سياسيا من دون الرضا الفلسطينى. غير ذلك هو حتمية المواجهة المباشرة مع الاحتلال والإدارة الأمريكية بانتفاضة وبأساليب يتخوّف منها خبراء الأمن الإسرائيلى فى حال فرْض السلام بالقوة، وبصيغة تشبه انسحاب آرييل شارون من قطاع غزة. وهو ما كرره الموفد الأمريكى جيسون غرينبلات عندما قال إن خطة السلام للتنفيذ وليست للتفاوض، بمعنى فرض التسوية على الفلسطينيين، وهى إسرائيلية نصا وروحا.

أقصى ما يطمح إليه الفلسطينيون من عباس، وهم يتغاضون عن التسريبات، أن يحمى خطته كمهندس لاتفاق أوسلو، وكذلك السلطة الوطنية كمكتسب موضوعى، حين لا يعنى حلُّها سوى الانتحار السياسى، ثم تنفيذ الإصلاحات المطلوبة من دون التخوف من تزامنها مع المواجهة ضد «صفقة العصر». بهذا، تُصبح قضية خلافة عباس مسألة فرز وطنى فى سياق مشروع وطنى، وليست مسألة كواليس حيث يصنع استخباراتيا رئيسٌ من الملفات الغامضة، من خلال اتصالات مع شخصيات فلسطينية لتكون البديل الموعود.

إن أى حديث عن إزاحة عباس من واجهة السلطة الآن، وفى ظرف مواجهة «صفقة العصر» الأمريكية، أو تزايد التسريبات عن فساد إدارته أو «ديكتاتوريته»، أو أى مثالب أخرى (سواء كانت صحيحة أم ملفقة)، ليس أكثر من ملهاة جديدة تلتقى فى تغذيتها إعلاميا أطراف إقليمية ودولية. ومهما قيل فى عباس أو عنه، يبقى أنه رمزٌ فلسطينى، ورهانٌ دولى، وبهذا المعنى الدفاع عنه هو دفاع عن تراكم سنوات من النضال الفلسطينى. وتخلّى المجتمع الدولى عنه لا يعنى سوى القبول مبدئيا بنسف حل الدولتين.

فهل انتهى فعلا «أبومازن»؟

الحياة ــ لندن

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved