الخشت والطيب.. نقاش المصاطب أم المتخصصين؟!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الخميس 6 فبراير 2020 - 10:20 م بتوقيت القاهرة

بعد أقل من ساعة من الجدل والنقاش بين الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب والدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة، بشأن تطوير وتصويب الخطاب الدينى والطريقة المثلى للتعامل مع التراث، كنت أتحدث مع إعلامى كبير وفوجئت به يهاجم شيخ الأزهر هجوما ضاريا، خلاصته أنه كان متعاليا فى النقاش، وشخصن الموضوع، وكشف عن مكنون نفسه المنحاز للتراث والمعادى للتجديد. سألته: هل سمعت أو شاهدت الرجل وهو يرد على الدكتور الخشت، فقال لا، ولكنه استمع إلى هذا الرأى من أحد أصدقائه!.
فى مساء اليوم نفسه، تلقيت اتصالا آخر من زميل هاجم الدكتور الخشت وانحاز لوجهة نظر الإمام الأكبر.. سألته: هل قرأت أو شاهدت أو استمعت لما قاله الدكتور؟!. فتلثعم وتحدث بعبارات مطاطة خلاصتها أنه اطلع على العناوين الرئيسية للنقاش، وبعد نقاش طويل أدركت أنه لم يطالع الموضوع أصلا، وفهمت أنه يرى أن الخشت مؤيد للحكومة والنظام، وبالتالى فالمنطقى مهاجمته حتى من دون مطالعة ما قاله الرجل!.
لا أكتب اليوم عن موقفى من النقاش بين الإمام ورئيس جامعة القاهرة خلال المؤتمر العالمى للأزهر لتجديد الفكر الإسلامى الذى انعقد يومى الإثنين والثلاثاء قبل الماضيين، ولكن أكتب عن ظاهرة خطيرة فى حياتنا العامة، خصوصا السياسية، وهى أن كثيرا منا يتخذون مواقف فى قضايا مهمة كثيرة، من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء معرفة ومطالعة الموضوع وفهمه من كل جوانبه، حتى يكون حكمهم سليما.
فى الأيام التالية للنقاش تأكدت أن الأمر لا يتعلق بموقف الزميلين المتعارضين، ولكنه يعكس استقطابا حادا فى المجتمع، يتمترس حلاله كل فريق خلف وجهة نظره المتطرفة.
لست ضد أن يؤمن كل شخص بفكرة أو مبدأ أو عقيدة فهذه طبائع الأمور، بل من المهم أن يكون لكل إنسان مبدأ وموقف، فالحياد فى بعض المواقف خيانة، لكن شرط أن يكون هذا الموقف على علم ودراسة وفهم واطلاع على القضية محل النقاش والجدل، وليس «عميانى»!.
الذى حدث بشأن النقاش بين رئيس جامعة القاهرة وشيخ الأزهر أن غالبية المعلقين والمتابعين، أعلنوا مواقفهم من دون معرفة ما الذى حدث بالفعل.
أعرف أنه من طبائع الأمور، أن يكون هناك تياران رئيسيان، الأول مع تجديد التراث والآخر يعارضه، وربما هناك رأى ثالث، يرى ضرورة التجديد، لكن من دون نسف التراث. مرة أخرى، فالمشكلة ليست أن يتبنى أحد رأيًا معينًا حتى لو كان يعرض الدين نفسه، شرط أن يكون ذلك نابعا من فهم ودراسة، فالقرآن نفسه يقول: «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».
خطورة ما حدث فى قضية «الطيب والخشت» أنه أكد لنا صعوبة إدارة حوار حقيقى بين الآراء والأفكار، بالنظر إلى أن كل طرف يتخندق ويتمترس حول موقفه المتطرف، ولا يوجد أى طرف مستعد لسماع وجهة النظر الأخرى، أو فهمها أو تقديرها. معظمنا يريد نسف وإلغاء الآخر، باعتبار أن نقاشاتنا تشبه المعارك الصفرية، التى يفوز فيها طرف بالضربة القاضية التى تسحق وتمحق الآخر.
فى مثل هذه القضايا الخاصة بالتراث، يحتاج من يخوض فيها أن يكون ملمًا بها وعلى علم حقيقى بشأنها، ودرسها إلى حد ما، ومطلع على كل ما يتعلق بها.
لا ينبغى لأحد أن يدخل هذا النقاش، على طريقة جمهور الأهلى والزمالك والمناكفات والمكايدات والتحرشات بين الجمهورين، ما يصلح للنقاش فى كرة القدم، لا يمكن أن يصلح للنقاش فى قضية التراث، وحتى فى النقاش الصحيح والمنطقى والعلمى فى كرة القدم، فإن خناقات وصراعات المصاطب، لا تصمد كثيرا، وبالتالى فإن كثيرين يقدرون الخبراء والنقاد الحقيقيين، الذين يتعاملون مع كرة القدم باعتبارها صارت صناعة متكاملة وتؤثر فى كل الأمم والشعوب وليس خناقة بين ٢٢ شخصا فى الشارع.
فإذا كان هذا هو ما ينبغى أن يكون عليه النقاش فى كرة القدم، فما بالكم بقضية مثل كيفية التعامل مع التراث الدينى؟!!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved