هل حقيقة لدينا برلمان؟
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الإثنين 6 مارس 2017 - 10:40 م
بتوقيت القاهرة
لمجلس النواب المصرى ــ وفقا للدستور ــ مهمتان رئيسيتان: التشريع ومراقبة الحكومة. هذا ليس وضعا جديدا، بل كان منصوصا عليه فى كل الدساتير السابقة. فلما صدر الدستور الحالى جاء بحكم إضافى لتدعيم استقلال وسيادة البرلمان، وهو ضرورة موافقته على تعيين مجلس الوزراء وإقرار البرنامج الحكومى. ولكن بعد مرور أكثر من عام على انتخابه فإن البرلمان لم ينهض بعد بمهامه الجسيمة بل يبدو معطلا ومشغولا بمعاركه وصراعاته الداخلية. وآخر مظاهر هذا الصراع الداخلى هو القرار الصادر الأسبوع الماضى بإسقاط العضوية عن نائب منتخب استنادا إلى حجج واهية واتهامات غير محددة، مع إصراره فى ذات الوقت على رفض الاعتراف بعضوية نائب آخر صادر لصالحه حكم من محكمة النقض.
ولكن إن كان الإعلام والرأى العام يتابعان ما يقوم به من البرلمان من مخالفات وتجاوزات، فإن الأهم والأخطر هو ما لا يقوم به. وإليكم بعض الأمثلة لتقاعس مجلس النواب عن القيام بواجباته الأصلية.
فى مجال التشريع، فقد أقر البرلمان بعد تشكيله مباشرة ثلاثمائة وأربعين قانونا صادرا بموجب قرارات جمهورية دون مناقشة جدية وفى خلال خمسة عشر يوما فقط ضاع معظمها فى ترتيبات إجرائية، وحينما تقدمت الحكومة ببرنامجها وفقا للدستور لم تستغرق مناقشته سوى جلسات محدودة لم تتضمن بدورها مناقشة حقيقة للسياسات المقترحة، ثم حينما أصدر البرلمان قانونا لتنظيم نشاط الجمعيات الأهلية وأرسله إلى رئاسة الجمهورية تم تجاهله وكأنه لم يكن (وهو بالمناسبة تشريع شديد السوء ولكن يلزم اعادة مناقشته وليس تجاهل وجوده)، ولما حكمت المحكمة الدستورية ببطلان عدة مواد فى قانون التظاهر لم يسارع البرلمان بتصويبه على الرغم من أن فى السجون من هم محبوسون بموجبه.
وعلى الصعيد الاقتصادى، فان البرلمان، ولسبب غير مفهوم، لم يعرض عليه واحد من أكبر القروض التى حصلت عليها مصر فى تاريخها، وهو قرض الاثنى عشر مليار دولار من صندوق النقد الدولى، على الرغم من دخوله حيّز التنفيذ وحصولنا على الدفعة الأولى منه، ولا يبدو مكترثا بمناقشة المشروعات القومية العملاقة التى تنفذها الدولة، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة، على الرغم مما ترتبه من التزامات على الخزانة العامة ومساهمة بأصول ملك الدولة، ولم يطلب حتى الآن كشف حساب عن مشروع توسيع قناة السويس الذى أضاف إلى الدين الداخلى أربعة وستين مليار جنيه، ولم يتطرق لقضية التوسع المستمر فى دور الدولة الاقتصادى على الرغم من أنه مصدر حيرة وقلق داخل مصر وخارجها.
وأما على الجانب السياسى فإن البرلمان لا يبدو أكثر اهتماما بممارسة دوره فى الرقابة على الحكومة، فلا هو مكترث بملف سد النهضة والآثار المترتبة على الانتهاء من تنفيذه، ولا بسوء إدارة ملف جزيرتى «صنافير» و«تيران» والمأزق الراهن الناتج عنه، ولا بما تنشره التقارير الوطنية والدولية عن أعداد المعتقلين وانتهاكات حقوق المواطنين وكأننا بصدد سكان دولة أخرى.
الواقع أن مجلسنا النيابى شغل نفسه وشغل الناس معه بقضايا ومناقشات معظمها لا شأن له بعمله التشريعى والرقابى. وهذا وضع خطير لأن تقاعس البرلمان عن أداء دوره الدستورى يعنى أن نصبح واقعيا بلدا بلا برلمان وبلا رقابة على الحكومة وبلا تمثيل شعبى فى إصدار القوانين، كما يعنى انفراد السلطة التنفيذية بكل أدوات الحكم والتشريع والرقابة، وهذا خلل بالغ فى ميزان الحكم لأنه يهدد مبدأ التوازن بين السلطات الذى ينهض عليه الدستور.
ويظل التقدير والاحترام واجبين لنواب البرلمان ــ سواء أعضاء التحالفات أم المستقلين العاملين فى صمت ــ المتمسكين بحقهم وواجبهم فى الاضطلاع بمسؤلياتهم، والرافضين للانزلاق إلى الحالة السائدة من الاستهتار والسكوت والضعف، فهم بحق أبطال ويستحقون كل مساندة من الشعب. أما من قنعوا بالسكوت والسلبية والانصياع فعليهم أن يدركوا أن الزمن سوف يحاسبهم عن صمتهم واستكانتهم وأنهم سوف يكونوا يوما ما محل مساءلة من الشعب عما فرطوا فيه من حقوقهم وحقوق من يفترض أن يمثلوهم.