العمل العربى العسكرى المشترك.. طبيعة المهمة قضية للنقاش

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الإثنين 6 أبريل 2015 - 2:52 م بتوقيت القاهرة

أعاد اتفاق القمةِ العربية السادسة والعشرين، على إنشاء قوة عربية عسكرية مشتركة ــ الأمل فى نفوس كثيرين ممن أصابهم الإحباط أن يكون هذا القرار مقدمة لتحويل فكرة العمل العربى المشترك من عبارة فارغة من المضمون إلى واقع حى يمكن تطويره والبناء عليه والانتقال به من مجال إلى مجال آخر. ويعزز هذا الأمل أن مشروعات التكامل الناجحة فى تاريخ العالم هى التى كان دافعها الأول تحقيق الأمن للدول الداخلة فيها أو تعظيم استفادتها من الروابط الاقتصادية فيما بينها أو الأمران معا. ولاشك أن ذلك واضح فى أنجح مشروعات التكامل التى عرفها العالم وهو مشروع الوحدة الأوروبية، وذلك على الرغم مما يواجهه من عقبات فى الوقت الحاضر، فالروابط بين الدول الأوروبية تمتد من التعاون العسكرى فى إطار حلف الأطلنطى إلى التعاون الاقتصادى فى إطار الجماعة الأوروبية. ومع أن التصور النهائى لمشروع القوة العسكرية العربية المشتركة لم يتحدد بصورة نهائية بعد، انتظارا لاجتماعات رؤساء الأركان العرب فى الدول التى وافقت على إنشاء هذه القوة، إلا أن الحماس لهذه الفكرة دفع الكثيرين من الكتاب العرب من العسكريين السابقين والمدنيين المهتمين بالقضايا الإستراتيجية إلى طرح اقتراحاتهم بالنسبة لما يجب أن تكون عليه. وهو أمر محمود بكل تأكيد. نحن لا نقفز إلى ما قاله رئيس وزراء فرنسى شهير من أن أمور الحرب تصل من الأهمية إلى حد أنه لا يجب تركها للجنرالات وحدهم، ولكننا نؤكد أن الجنرالات العرب يمكنهم أيضا أن يستفيدوا مما يطرحه الكتاب العرب من أفكار بناءة فى هذا الخصوص. ومما يجب أن يكون موضوعا للنقاش العام هو طبيعة المهام التى ستكلف هذه القوة بتنفيذها، وعملية اتخاذ القرار فى استخدامها، وهيكل قيادتها، ونوعية المهام القتالية التى ستكلف بها، فضلا عن الأوضاع المالية والفنية الضرورية لتشكيل هذه القوة. ويطرح هذا المقال بعض هذه القضايا للنقاش العام.

•••

ولعل أهم هذه القضايا هو مسألة طبيعة المهمة التى ستلقى على هذه القوة، فهل هى قوة صنع سلام أم قوة حفظ السلام. الفارق كبير بين المهمتين. حفظ السلام يكون مطلوبا عندما يكون هناك اتفاق بين الأطراف المتصارعة، ويكون من الملائم لحفظ السلام الذى اتفقوا عليه أن تكون هناك قوة ثالثة يقبلونها تشرف على تنفيذ ما اتفقوا عليه، وربما تفصل بين القوات المتحاربة لتحول دون تجدد الصراع المسلح. أما قوة صنع السلام فهى تتدخل لإنهاء الصراع المسلح إما انتصارا لطرف فيه فى مواجهة طرف آخر، وإما لفرض تسوية قد لا تقبلها الأطراف المتصارعة فى البداية. مهمة قوات الأمم المتحدة فى لبنان هى حفظ السلام الذى وافق عليه طرفان أساسيان هما الحكومة اللبنانية ووراءها حزب الله من ناحية والحكومة الإسرائيلية من ناحية أخرى. وتفصل قوات الأمم المتحدة بين القوى العسكرية لحزب الله والقوات الإسرائيلية وتشرف على تنفيذ اتفاق تم التوصل إليه فى أعقاب الحرب الفاشلة التى شنتها القوات الإسرائيلية فى سنة 2006 على لبنان وحزب الله معا. مهمة قوات الاتحاد الإفريقى فى الصومال هى صنع السلام بتمكين الحكومة الصومالية من ممارسة مهامها فى العاصمة مقديشيو بطرد الميليشيات المسلحة منها ومن مناطق أخرى فى الصومال. الفارق واضح بين المهمتين، تسليح قوات حفظ السلام يكون خفيفا وهو بكل تأكيد أقل مما يتوافر لدى الأطراف التى تحاربت وقبلت أخيرا بوقف القتال، وليس من المتوقع أن تدخل فى أى قتال. أما فى حالة صنع السلام فيجب أن تكون القوات مجهزة للقيام بمهام قتالية تستطيع فيها هزيمة الطرف أو الأطراف التى لا تقبل شروطا للتسوية تسعى هذه القوات إلى فرضها، بل ويجرى إرسال هذه القوات للقتال لفرض هذه التسوية. من الواضح أن حالات الصراع الدائرة فى الوطن العربى لا تبشر بأن تكون مهمة قوة عسكرية عربية مشتركة هى حفظ السلام لأن أطراف الصراع فى كل هذه الحالات تقريبا يتصورون الصراع على أنه مباراة صفرية تنتهى بانتصار طرف على طرف آخر وقبول هذا الطرف الآخر لهزيمته. هذا هو الحادث فى اليمن، وهذا أيضا حتى الآن هو موقف الأطراف الأساسية فى الصراع الذى يجرى على أرض سوريا، مثل تنظيمى جبهة النصرة وداعش من ناحية وحكومة بشار الأسد من ناحية أخرى. طبعا التحديات هائلة فى حالة قيام القوة العربية المشتركة بصنع السلام، ولكننا نأمل أيضا أن تسفر جهود سياسية مواكبة لعملها فى أن تصبح مهامها الرئيسية هى حفظ السلام.

•••

القضية التالية فى الأهمية هى عملية صنع القرار بالنسبة لاستخدام هذه القوات. هل يكون القرار السياسى بالتدخل فى يد مجلس وزراء الجامعة العربية أم تكون هناك دائرة أخرى لاتخاذ القرار تتكون أيضا ربما من وزراء خارجية الدول التى وافقت على إنشاء هذه القوة والمشاركة فيها؟، علما بأن عددا من الدول العربية تحفظت على إنشاء هذه القوة فى مقدمتها الجزائر والعراق ولبنان. أغلب الظن أن القرار بالنسبة لاستخدام هذه القوة ستتخذه هيئة تقتصر على الدول المشاركة فيها، ولكن حتى فى هذه الحالة لابد من ضمان عدم اعتراض الدول العربية الأخرى، وإلا سينقلب الأمر إلى حرب باردة عربية أخرى بين هذين الفريقين. صحيح أنه لابد من أن تكون هناك معايير يهتدى بها قرار التدخل، ولكن ليس من السهل لا الاتفاق على المعايير ولا على تفسيرها. الأسهل أن يكون المعيار هو أن يأتى طلب التدخل العسكرى من جانب حكومة معترف بها عربيا، كما هو الحال مثلا فى حالة حكومة اليمن التى خلعها الحوثيون، ولكن على أى أساس يمكن تبرير التدخل العربى المسلح فى سوريا مثلا إذا كانت الحكومة التى تواجه ثورة ضدها هى التى كان معترفا بها عربيا ودوليا؟ وهل يمكن أن تتدخل هذه القوات إذا كانت إحدى الحكومات العربية تواجه ثورة شعبية ضدها؟ لو ثار مثل هذا الموقف فى واحدة من الدول التى تشارك فى تشكيل هذه القوة مثل الأردن أو المغرب أو البحرين مرة أخرى فهل تستجيب القوات العربية المشتركة لمثل هذا الطلب الذى يضعها فى مواجهة مع قطاع كبير من شعب هذه الدولة؟. ربما يكون الأسهل الاتفاق على أن يقتصر التدخل على حالات تدخل عسكرى غير عربى أو مساندة عسكرية غير عربية لقوات غير نظامية فى إحدى الدول العربية التى تطلب حكومتها مساعدة القوات العربية المشتركة.

ولا تقل القضيتان الأخريان فى الصعوبة وإن كان حلهما أيسر. قضية قيادة هذه القوات لا يجب أن تكون محلا للتنازع بين الحكومات المساهمة فى هذه القوات. طبعا لن ينفرد شخص واحد بإدارة هذه القوات، وإنما على الأرجح سيكون هناك مجلس يضم رؤساء الأركان فى الجيوش العربية المشاركة هو الجهاز العسكرى الأعلى فى هذه القوات، ولكن لابد له من رئيس. ربما يكون التناوب حلا للحساسيات الوطنية التى لا يمكن التخلص منها بسهولة، والأفضل بطبيعة الحال أن يكون هناك رئيس لهذا المجلس من الشخصيات العسكرية العاملة ذات التكوين المتميز والكفاءة فى إعداد قوات بلده لتكون على أتم الاستعداد لمواجهة أى طارئ. ويشغل هذا الشخص منصبه لفترة واحدة لا تتجاوز مثلا أربع سنوات لا تتجدد حتى يكون هناك مجال للتناوب ولإفساح المجال أمام اصحاب الرؤى والأفكار الجديدة ولتجنب جمود الفكر فى مواجهة أوضاع متغيرة وعام سريع التحول.

•••

على أن القضية الأخيرة هنا هى التى تقتضى اجتهادا وخروجا عن الأطر المألوفة للتدريب والمناورة. فأغلب الظن أن التحدى الحقيقى أمام هذه القوة سيكون استخدامها للتصدى لقوات غير نظامية مثل ميليشيات الحوثيين فى اليمن، وهناك أمثلة لها فى دول عربية أخرى مثل تنظيمات داعش وجبهة النصرة وأجناد مصر وأنصار بيت المقدس وقوات فجر ليبيا. محاربة القوات غير النظامية كان تجربة فشلت فيها القوات الفرنسية وبعدها الأمريكية فى فيتنام، ولم تقلل إسرائيل من خطرها عليها إلا بإقامة جدار الفصل العنصرى. الجيوش العربية جرى إعدادها لمحاربة جيوش دول أخرى، ولكنها لم تتلق تدريبا على مواجهة قوات غير نظامية، وهو ما أعيا جيوش دول عديدة فى المشرق والمغرب على حد سواء. ولذلك ستكون القضية تلك شاغلا رئيسيا لقيادة هذه القوات العربية المشتركة. ومع ذلك يتمنى كاتب هذه السطور أن يكون وجود هذه القوات فى حد ذاته رادعا لمن يريد الاعتداء على استقلال ووحدة أراضى الدول العربية، فتبقى هذه القوات العربية المشتركة ولكن لا تثور الحاجة لاستخدامها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved