صفقة القرن.. هذا هو المطلوب إثباته

عبد العظيم حماد
عبد العظيم حماد

آخر تحديث: الخميس 6 أبريل 2017 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

من صياغة الرئيس عبدالفتاح السيسى لحديثه إلى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يوم الإثنين الماضى فى مؤتمرهما الصحفى القصير بالبيت الأبيض عن صفقة القرن، ومن نبرة الصوت، كان واضحا أن الرئيس لا يتمنى أو يقترح أو يطلب، بل يتحدث عن شىء فى المتناول، هو واثق من حدوثه، فقد قال لترامب: «ستجدنى داعما وبقوة أيضا لمساعيك للتوصل إلى صفقة القرن، من أجل حل مشكلة القرن» وكان يقصد ــ بطبيعة الحال ــ الصراع العربى الإسرائيلى.
يؤكد هذا الاستنتاج نبرة الثقة الممزوجة بالتباهى التى رد بها الرئيس الأمريكى قائلا: سنفعل معا.
هذه الثقة التى تحدث بها الرئيسان، والمعطيات السابقة على لقائهما يفهم منها أنهما متفقان على مضمون تلك الصفقة، أو على الأقل على خطوطها العريضة.
من تلك المعطيات ما صرحت به مصادر أمريكية مطلعة من أن إدارة ترامب أبلغت كل العواصم العربية المعنية أن الرئيس يريد من كل ضيف عربى أن يأتى إلى واشنطن بمبادرات، لا مجرد مطالب أو نصائح.
وبالطبع فإن نتائج قمة عمان العربية الأخيرة تعد من بين المعطيات التى تؤكد أن حديث صفقة القرن يدور حول مشروع محدد المعالم.
لكن يبقى أن أهم المعطيات هو ماسبق أن قاله أو كتبه ترامب نفسه فى اليوم التالى للقائه برئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وتناولناه هنا فى «الشروق» يوم 24 فبراير الماضى، وكان ما قاله أو كتبه الرئيس الأمريكى بالحرف الواحد هو: «إن التسوية القادمة فى الشرق الأوسط لم يسبق أن بحثت من قبل، وأنها تتضمن العديد من الدول، وتشمل مساحات كبيرة من الأراضى».

.................
تلك الثقة التى تحدث بها الرئيسان المصرى والأمريكى عن عزمهما على تحقيق صفقة القرن، وهذه المعطيات التى تعزز الثقة.. تطرح علينا ــ كمصريين ــ السؤال التالى: ما هو دور مصر فى الصفقة عطاء وأخذا؟
يجب أن نتذكر دائما نفى المتحدث باسم رئاسة الجمهورية استعداد مصر للدخول فى أى صفقة تشمل تبادل أراضى مع إسرائيل، بحيث يُضم جزء من سيناء إلى قطاع غزة، لإقامة الدولة الفلسطينية، ويجب أن نتذكر أيضا أن هذا النفى جاء ردا على تصريح لوزير وبرلمانى إسرائيليين يؤكدان أن تبادل الأراضى بين مصر وإسرائيل كان موضوع بحث بين ترامب ونتنياهو، قبل أن يعود أولهما، ويدعى أن كلامه افتقر إلى الدقة.
إذا تذكرنا ذلك، فمعناه استبعاد مساهمة مصر بجزء من سيناء فى الصفقة، وهو ما نتمناه، ويتمناه كل مصرى بالقطع، وإن كان الحذر أيضا من أوجب الواجبات، لأن الطرفين الأمريكى والإسرائيلى لا يتورعان، ولن يتورعا عن استخدام جميع أساليب الضغط والغواية، لإدخال جزء من سيناء ضمن تلك الصفقة، ما لم يكن هناك بديل إقليمى آخر، ولا مفر من الاعتراف بأن مصر فى ظروف ضعفها الاقتصادى، وانقسامها السياسى الداخلى ليست منيعة بما يكفى ضد الضغط أو الغواية.
البديل الآخر موجود بالطبع نظريا، وهو إقامة الدولة الفلسطينية فى الضفة وغزة طبقا لمبدأ حل الدولتين، الصادر به قرارات من القمم العربية، والأوروبية، والأمم المتحدة، وكذلك من الرئيسين الأمريكيين السابقين، باراك أوباما، وجورج بوش الابن، إلا أن احتمالات إقرار صفقة القرن على أساس حل الدولتين تتناقض مع وصف الرئيس الأمريكى لهذه الصفقة بأنها لم تسبق أن بحثت من قبل، وأنها تتضمن مساحات كبيرة (بما يعنى جديدة) من الأراضى، وأنها تشمل العديد من الدول، كما أن هذا البديل الفلسطينى الصرف لايزال غير مقبول من حيث المبدأ من الحكومة الحالية فى إسرائيل، إذا اقتضى هذا الحل تسليم مساحات كبيرة من الضفة للدولة الفلسطينية، بل إن ترامب نفسه سبق أن أعلن عدم إصراره عليه.
ثمة بديل ثالث تلمح إليه المصادر الإسرائيلية، وهو إقامة الدولة الفلسطينية على قطاع غزة وجزء صغير توافق إسرائيل على التخلى عنه من الضفة، بعد ضم الكتل الاستيطانية، وما تحتاج إليه من أراض أخرى لأغراض عسكرية، بموافقة الفلسطينيين والعرب، ولأن هذه الدولة لن تكون قابلة للحياة بما سيتبقى من مساحات شديدة الضيق، وشديدة الكثافة السكانية، وشحيحة الموارد، ومختنقة بالقيود الأمنية، فسيكون على الأردن مسئولية تسهيل حياة الفلسطينين فى الضفة، وعلى مصر تسهيل حياة الفلسطينيين فى غزة، دون حاجة إلى ضم جزء من سيناء، ولكن يكتفى بما يسمى حق «الارتفاق».. أى منح سكان القطاع تسهيلات دائمة فى الدخول والخروج، والوصول إلى العالم الخارجى تجارة وعملا، واستثمارا، من شمال سيناء، أو باختصار يعود الوضع شبيها بما كان عليه قبل حرب عام 1967 بحيث تسلم الضفة إلى الأردن، وتعود غزة مسئولية مصرية، مع فارق شكلى هو استحداث اسم الدولة الفلسطينية، وفارقين جوهريين: الأول هو استيلاء اسرائيل على أجزاء كبيرة من الضفة بموافقه عربية وفلسطينية، والثانى هو إنهاء الصراع، والتزام جميع الأطراف العربية بأمن اسرائيل.
مثل هذه الصفقة سوف تحل كل مشكلات إسرائيل دفعة واحدة، فهى ستزيل عنها صفة الدولة التى تحتل أراضى الغير، والتى تقمع شعب هذه الأرض، وتنكر حقه فى تقريرمصيره، وفى الوقت نفسه ترفع عنها عبء ضم أرض لا تعترف لسكانها بحقوق المواطنة الكاملة، بما يجعلها من الناحية القانونية دولة عنصرية، فإذا اعترفت لهؤلاء السكان بحقوق المواطنة، فسوف تصبح دولة مزدوجة القومية، وهو ما لا يريده أحد فى اسرائيل معتدلا كان، أو متطرفا فى صهيونيته، وثالثا: تحقق هذه الصفقة لإسرائيلى الأمن المطلق بالتزام، ورابعا: تحصل إسرائيل على اعتراف جميع الدول العربية، ومن بعدها جميع الدول الاسلامية، بما فى ذلك حق النفاذ الرسمى إلى الاسواق، وحق الانخراط العلنى فى التفاهمات بل والتحالفات العسكرية مع من تريد هى، ومع من يريد من الدول العربية والاسلامية، وبالطبع فلا حديث عن تحديد للتسلح، وترتيبات أمن للجميع، ولا حديث من باب أولى عن إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل!
سوف تبقى مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بلا حل، إذ لم يشر إليها أحد من قريب أو بعيد فى إطار تلك الصفقة، وبديهى أن حق العودة لم يعد مطروحا للتنفيذ، ولو بصورة رمزية، ومن ثم، وبفرض أن أطراف الصفقة اهتموا بإيجاد حل لمشكلة اللاجئين، فسيكون الحل هو التعويض المالى الذى تتكفل به دول الخليج فى الغالب.
لكن يتحتم أن نعترف أن جميع الحكومات العربية فى أمس الحاجة إلى مساندة سياسية فى مواجهة الأعاصير التى تهب عليها من الخارج، والبراكين التى تتفجر من الداخل.
ففى الخارج، ومادامت إسرائيل ستكون طرفا رئيسيا فى صفقة القرن، لا يتبقى إلا خطر تمدد النفوذ الشيعى الإيرانى، وخطر الاستقطاب التركى للاسلام السياسى السنى، وفى الداخل يأتى خطر الإرهاب على رأس القائمة التى تحتوى على بنود أخرى مثل الانقسامات السياسية، وسوء الأحوال الاقتصادية فى الحالة المصرية، والصراعات المحتملة على السلطة فى السعودية، إلى جانب الصراعات الطائفية القابلة للاشتعال فى كل لحظة فى جميع دول الخليج العربية، بما فى ذلك السعودية نفسها.
وباستثناء تعهد الرئيس الأمريكى للرئيس السيسى علنا بمساندته فى مكافحة الإرهاب، والحديث المرسل عن تشكيل تحالف عربى سنى برعاية أمريكية، وتعاون اسرائيلى لمواجهة إيران، لا تتوافر معلومات عن خطة أمريكية أو صفقة أمريكية عربية لكيفية هزيمة الإرهاب، ممثلا فى تنظيم داعش، وضمان عدم تجدده بعد هزيمة هذا التنظيم، لأن أى خطة جادة لهذا الغرض، لا مفر من أن تتضمن استخدام قوات برية كبيرة،و إعادة بناء الدولة فى كل من سوريا والعراق على أسس راسخة، متوافق عليها شعبيا، وهذان الشرطان غير واردين بالمرة حاليا فى الفكر الاستراتيجى الأمريكى.
وإذا كان ترامب يريد توظيف التحالف العربى السنى الذى يبشر به لإرسال قوات عربية تحمى مشروعا أمريكيا لاعادة بناء العراق وسوريا.. فكيف سيواجه حلفاءه الحاليين من شيعة العراق الذين وضعت فى أيديهم كل السلطة والثروة والسلاح؟
أما هزيمة الإرهاب فى سيناء، فيجب أن تبقى مسئولية مصر أولا وأخيرا، وما دامت هزيمة الإرهاب على مستوى العالم هى مصلحة الجميع، فإن تعاون بقية الأطراف مع مصر ضد الإرهاب فى سيناء يجب ألا يكون له أى مقابل سوى تحقق هذه المصلحة.
كذلك لا تتوافر معلومات عن خطط أو حتى نيات لحل المشكلات الاقتصادية والسياسية فى الأطراف العربية المرشحة للانخراط فى صفقة القرن، بما أن مثل هذه الخطط تدخل فى باب إعادة بناء الدول، على غرار مشروع مارشال الذى أعاد بناء دول أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، وكان هو ما منع سقوط دول أوروبا الغربية فى أيدى الشيوعيين من داخلها، فيما كان حلف الأطلنطى يحميها من التوسع السوفيتى فى الخارج.. إذ لا يريد، ولم يرد فى أى لحظة مثل هذا النوع من الاستراتيجيات فى قاموس ترامب وفريقه، كما سبق القول توا.
بل تغيب عن الصفقة أى خطط جدية لوقف التمدد الإيرانى، ليس فى العراق فحسب حيث بات من المستحيل وقفه، ولكن أيضا فى سوريا ولبنان واليمن، وبقية دول الخليج، إلا إذا اعتبرنا أن انتقادات ترامب للاتفاق النووى مع طهران، وتأمين حرية الملاحة فى مضيق هرمز هما الخطة المأمولة 0
فى انتظار ظهور الغائب من الخطط.. أو التيقن من عدم وجودها.. يبدو أن المطلوب الآن وفقط هو تسوية القضية الفلسطينية بأية طريقة، أو تصفيتها فى قول آخر.. مقابل المساندة الأمريكية غير المشروطة لحكوماتنا فى الداخل، قبل الخارج.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved