أبيض وأسود !

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 6 أبريل 2018 - 8:40 م بتوقيت القاهرة

المشادة الكلامية التى وقعت بين السيناريست وحيد حامد، والإعلامى عماد الدين أديب، على شاشة إحدى القنوات الفضائية الأسبوع الماضى، عندما طرح الأخير فكرة «خلق حوار مع المتعاطفين مع الإخوان»، وهو ما رد عليه حامد بالقول إنه «لا يوجد إخوانى سيغير تفكيره أو قناعته، وبالتالى لا يمكن أن يتم التحاور أو النقاش معه»، تثبت حقيقة لا يزال البعض يتجاهلها، وهى أن «المصالحة مع الجماعة أو المتعاطفين معها»، أصحبت فكرة غير مرغوبة من جانب قطاعات شعبية واسعة فى الوقت الراهن.

فمنذ انتهاء حكم الإخوان عام 2013، يظهر على السطح من آن لآخر، حديث متقطع ودعوات خجولة ومعلومات من مصادر مجهولة، عن إمكانية حدوث مصالحة بين الدولة والجماعة، لكن ذلك كله ما يلبث أن يختفى بسرعة البرق، مثلما ظهر من دون سابق إنذار.

قبل شهرين، ذكرت شبكة «بلومبرج» الإخبارية الأمريكية، نقلا عما أسمته مصادر فى جماعة «الإخوان»، أن الحكومة المصرية تتواصل من خلال قيادات أمنية مع قيادات الجماعة فى السجون، للإفراج عنهم مقابل ابتعادهم عن العمل بالسياسة. بعدها بساعات خرج الكثير من قيادات الجماعة فى الخارج، لنفى ما جاء فى التقرير، والتأكيد على عدم وجود أى نوع من التواصل بين الطرفين.

لم يكن التقرير غير الصحيح الذى نشرته شبكة «بلومبرج» الأمريكية، الأول من نوعه الذى تناول هذا الموضوع، ففى مارس 2016، وعلى مدى أسبوعين، أطلق الدكتور سعد الدين ابراهيم، مدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، دعوات متكررة عن ضرورة إجراء مصالحة بين الحكومة والجماعة، قبل ان يصمت بفعل الرفض التام لكلامه.

أيضا فى يونيو 2016، أدلى المستشار مجدى العجاتى، وزير الشئون القانونية ومجلس النواب السابق، بتصريحات أثارت الجدل وقتها حول قانون العدالة الانتقالية، والتى لمح فيها إلى امكانية طى صفحة الماضى مع الجماعة، إلا أنه قوبل بعواصف عاتية من الرفض والانتقاد.

بالتأكيد الحديث عن إمكانية حدوث مصالحة بين الدولة المصرية وجماعة الإخوان، لن يحدث فى المدى المنظور، لأسباب عدة أهمها على الإطلاق ان الحكومة المصرية، وهى الطرف الأقوى والأهم فى عملية صناعة قرار المصالحة من عدمه، تجد نفسها غير مضطرة لإعطاء «قبلة حياة» لجماعة منهكة مفككة مشتتة وغير قادرة على التأثير فى المشهد السياسى، وذلك لأول مرة فى تاريخها منذ نشأتها قبل 90 عاما.

كذلك إن الدعم الدولى الذى يحظى به النظام المصرى، خصوصا من جانب الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى استقرار علاقاته بالقوى العربية المهمة التى تكن فى الوقت الراهن كراهية حادة للإخوان، يجعله غير مضطر للإقدام على خطوة كهذه، بعدما تمكنت حكومته خلال السنوات الماضية من توجيه ضربات أمنية قوية لقواعد الجماعة، ومحاصرتها ماليا وتعميق نبذها شعبيا وتحميلها فواتير الدم الذى أريق فى العمليات الإرهابية التى هزت البلاد منذ خروجها من السلطة وحتى الآن.

فى الجهة المقابلة، لا تبدو الجماعة حريصة على دفع ثمن المصالحة مع الحكومة، والمتمثل فى وقف خطابات التحريض ضد الدولة المصرية التى تطلقها منصاتها الإعلامية فى الخارج، والاعتراف بثورة 30 يونيو وشرعيتها القائمة الآن، والتوقف عن ترديد نغمة «الانقلاب»، وإدانة حقيقية للعمليات الإرهابية التى تتم فى جميع ربوع الوطن، ونزع الكراهية والعداء الشديدين اللذين زرعتهما فى نفوس شبابها ضد الدولة ومؤسساتها.

صحيح أن السياسة ليست «أبيض وأسود»، لكن توجد دائما بداخلها مساحة رمادية تلجأ اليها مختلف الأطراف، لاتخاذ قرارات صعبة وغير متوقعة، إلا أنه فى الحالة المصرية الراهنة، وبالنظر إلى هذين الطرفين ــ الحكومة والجماعة ــ ومواقفهما المعلنة وطريقة تموضعهما فى المشهد، فنجد أنهما أقرب إلى «الأبيض والأسود» منه إلى «الرمادى»، وبالتالى لا يمكن إنجاز أى مصالحة أو حتى فتح حوار بين الجانبين فى المدى المنظور.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved