«نيجاتيف».. وبسطاء!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 6 مايو 2016 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

كان مشهد «أربعاء الكرامة» أمام نقابة الصحفيين بليغا للغاية.. «حراس الحقيقة» يزحفون فرادى وجماعات إلى بيتهم للدفاع عنه، بعد تعرضه للتدنيس على يد وزارة الداخلية، وفى الجهة الأخرى، رجال الأمن يحاصرون «قلعة القلم» بالسلاح، وفى معيتهم «مواطنين بسطاء» جرى استدعاؤهم تحت وقع العوز والخوف والحاجة، ليوجهوا السباب والإهانات للذين يحاولون الانتصار لقيم دولة القانون.

تفاصيل ودلالات هذا المشهد، ترسم بشكل كبير ملامح «صورة مصر» فى الوقت الراهن، وتعكس بشكل لا لبس فيه طريقتين للتفكير، الأولى تحاول استشراف المستقبل والتعامل معه، وفق قيمه ومبادئه وأدواته ومفردات لغته، والثانية تعيش فى ماض سحيق، مكبل بكل أمراض التخلف والجهل والقهر، وتحاول فرضه على أبناء «يناير ويونيو» الذين انتفضوا من أجل غد أفضل.

فالصحفيون الذين اتوا إلى نقابتهم، للدفاع عن مهنتهم والانتصار لكرامتها، تبنوا طريقة التفكير الأولى، وظهر ذلك واضحا فى مجموعة القرارات التى وافقوا عليها فى جمعيتهم العمومية، وأهمها ــ من وجهة نظرى ــ نشر صورة وزير الداخلية «نيجاتيف»، وهو قرار يحمل الكثير من المعانى، ويؤكد أن لا أحد مهما كان مركزه أو منصبه يستطيع إهانة الصحفيين، أو يستطيع إدخالهم إلى «بيت الطاعة» بقوة السلاح.

أسلوب جديد ومبتكر ومحترم، للرد على من يحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ويسعى إلى خلق «جمهورية خوف» فى هذا الوطن، وهو لا يدرك ان هذا الأمر سقط إلى غير رجعة فى يناير 2011، ولا يمكن السماح بإعادته إلى الحياة مرة أخرى.

طريقة التفكير الثانية، هى التى حاصرت نقابة الصحفيين، وغاب عنها الابتكار والتجديد، ونهلت من إرث عصر مبارك الردىء، فكان أول ما فعلته، شحن البسطاء إلى محيط النقابة لسب أعضائها وتوجيه إشارات خادشة للحياء لهم، واتهامهم بالخيانة والعمالة والعمل على قلب نظام الحكم.

نهج عقيم عفى عليه الزمن، ولم يعد يلجأ إليه أحد فى هذا العالم، لأنه ينشر الخراب والفوضى والانقسام والفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وهو ما حدث بالضبط خلال الفترة الأخيرة، حيث أدى استخدام هذا النهج، إلى اتساع الفجوة بين قطاعات كبيرة فى المجتمع، وبين نظام الرئيس عبدالفتاح السيسى، مثل المحامين والأطباء والصحفيين وقبلهم الشباب.. فهذه القطاعات لم تكن فى يوم من الأيام ضد النظام، بل شاركت فى الثورة التى حملته فيما بعد إلى سدة الحكم.

هذا النهج الأمنى العقيم، لم يؤد فقط إلى الوقيعة بين الرئيس وبين فئات كبيرة من الشعب، بل وضع النظام بكامله تحت مقصلة الضغوط الغربية المتواصلة، بسبب التجاوزات فى ملف حقوق الإنسان، والتعامل الردىء والبيانات المتضاربة التى أضحكت العالم علينا، فى قضية باحث الدكتوراه الإيطالى جوليو ريجينى، الذى عذب وقتل فى مصر، وهو ما يهدد مصالحنا مع الغرب وخصوصا الاتحاد الأوروبى، وربما يعرضنا لعقوبات دولية، أو على الأقل، جعل المنظمات الحقوقية الدولية، مثل العفو الدولية تضع الملف المصرى على أولوياتها.

إن من يصنع الأزمة فى مصر اليوم، ليس نقابة الصحفيين، لكنها وزارة الداخلية بممارساتها وتجاوزاتها وتفكيرها العقيم، الذى يشعل الحرائق ولا يطفئها، ويباعد المسافات بين النظام والشعب، ويخلق حالة من عدم الرضا التى تهدد الاستقرار فى البلاد.

الصحفيون لايزالون يتمسكون بضرورة تنفيذ قرارات جمعيتهم العمومية، وأهمها إقالة وزير الداخلية، والاعتذار عن اقتحام مقر نقابتهم، فى انتهاك واضح وصريح للقانون والدستور، وحتى لو لم يتحقق ذلك، فيكفيهم فخرا أنهم ردوا بشكل سريع وحاسم، على إهانة الوزير بأسلوب راقٍ ومبدع، وهو نشر صورته فى الصحف والمواقع الإلكترونية «نيجاتيف»، ويكفيهم فخرا أيضا أن وزارته لم تجد غير محاصرة نقابتهم بالسلاح، وتحريض المواطنين البسطاء على سبهم وإهانتهم.. فعلا هناك «فرق فى التفكير» بين الكلمة والسلاح.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved