ماذا فعل الاستعمار بنساء أفريقيا؟

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الإثنين 6 مايو 2019 - 10:55 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتبة «رفيف رضا صيداوى» تتناول فيه دور النساء فى أفريقيا فى المجالات المختلفة.. ودورهن قبل الاستعمار والتحديات التى واجهتهن بعد مجىء الاستعمار.

فى عددها الصادر فى 14 مارس 2019، نَشرت دوريّة «كورييه أنترناسيونال» الفرنسيّة مُقتطفا من تحقيق مطوّل حول النساء بقلم الصحفيّة والكاتبة الإسبانيّة أنجيلى جورادو بعنوان: «نحن الأفريقيّات»، وذلك نقلا عن الدوريّة الإسبانيّة «إسغلوبال»، وفيه أنّ النساء الأفريقيّات كنّ يشغلن مراكز سلطة فى المجتمعات التقليديّة، لكنّ وصول المُستعمرين أو المُحتلّين إلى أفريقيا وضعَ حدّا لتحرّرهنّ فى القارّة.

وفى هذه المقالة تنقل الباحثة أبرز ما جاء فى هذا التحقيق، الذى يُعيد الاعتبار للفكر النِسوى الأفريقى ويدقّ «إسفينا» فى مركزيّة النسويّة الغربيّة، بما يخدم الفكر النِسوى العالَمى والتوق إلى رفع المظلوميّة عن كلّ فئة إنسانيّة يُطاولها القهر، أنّى كانت، وأينما وُجدت.

تنتقد الكاتبة الفكرة السائدة فى أنّ النسويّة غير موجودة فى أفريقيا؛ إذ إنّ قصّة تحرُّر النساء ونضالهنّ من أجل المساواة، كما تورِد الكاتِبة، بدأت منذ مرحلة ما قبل الاستعمار؛ بحيث خلَّفت المُجتمعات الأموميّة، أو ذات النسب الأمومى، آثارا فى القارّة الأفريقيّة قبل تجارة الرقيق والاستعمار. ففى بعض هذه المُجتمعات، تميّزت الأدوار المنوطة بالرجال والنساء بتقلّبها وبمرونتها. لكنّ هذه المرونة لم تصمد أمام الصلابة المفروضة من المُستعمِر، المُسلَّح ببندقيّته، وبفكرة مُحدَّدة ومحصورة عن العلاقات بين الرجال والنساء. يكفى أن نعرف أنّ النساء فى المناطق المعروفة اليوم على أنّها الكاميرون أو سيراليون، كنّ رئيسات لعشائرهنّ ولقُراهنّ، وأنّهنّ قُدن هجرات الزولو (أشهر القبائل فى أفريقيا الجنوبيّة) فى القرن التاسع عشر، وشكَّلن فِرقهنّ الخاصّة من ضمن الجيش الجرّار للإمبراطور شاكا، وأنّهنّ شكَّلن أيضا الحرس المقرَّب من الملك داهومى (جمهوريّة بنين الحاليّة).

تُشير المعلومات أيضا إلى المَلكات الأفريقيّات المُقاتلات فى ذلك العصر، مثل ياها أزنتيوا فى مَملكة أسهانتى، وهى غانا الحاليّة، وآنا نزينجا فى مَملكتَى ندونجو وماتامبا، وهُما أنجولا الحاليّة، أو سارّاونيا (ملكة جماعة أزنا، نيجر الحاليّة)، وقد جعلتهنّ الأساطير التى تختلط بالفلكلور مع مرور الزمن مثالا أعلى. ولا يُمكننا إهمال السلطة السياسيّة التى تمتّعت بها مَلكات مصريّات مثل كليوباترا، ونفرتيتى أو حتشبسوت، أو الملكة أمينة فى نيجيريا...إلخ. ولا يُمكننا كذلك إنكار أنّ النساء فى الماضى مثَّلن سلطة دينيّة فى عدد من القرى الأفريقيّة، وأنّهنّ كنّ يتمتّعن بسلطة واسعة ويحظين بالاحترام فى جماعاتهنّ.

***
تُشير الروائيّة والنسويّة النيجيريّة شيماماندا نجوزى أديشى إلى أنّ نساء الإجبو (إجبولاند) تولّين نشاط التجارة، وكنّ نحّاتات وعاملات فى السيراميك، وأنّهنّ لم يكُنّ استثناءً فى القارّة الأفريقيّة، ولا فى الأراضى النيجيريّة.

الاستعمار الاقتصادى والسياسى والدّينى للقارّة الأفريقيّة (بدءا من نهاية القرن التاسع عشر) أدّى إلى عزل القائدات السياسيّات والدينيّات، وإلى احتواء النساء فى المجال الخاصّ. غير أنّ الأفريقيّات لَعبن دَورا أساسيّا فى إنهاء الاستعمار من خلال الكِفاح المسلَّح (جوزينا ماشيل مثلا، قاتلَت من أجل تحرير الموزمبيق من البرتغاليّين) ومن خلال العصيان السِّلمى فى آن (والأمثلة فى هذا الإطار عديدة، من ذلك مثلا ما قامت به مارى كوريه والنساء اللّواتى تظاهرن فى غران ــ بسّام، فى شاطئ العاج، من أجل إطلاق سراح أبناء بلدهنّ المُحتجزين من الفرنسيّين).

حين انتُزعت السلطة السياسيّة من النساء

عندما حصلت البلدان الأفريقيّة على استقلالها بين ستينيّات القرن الفائت وثمانينيّاته، انتقلت السلطة السياسيّة، التى انتزعها المُستعمِرون من النساء للاستئثار بها، إلى الرجال، بعدما قام هؤلاء المُستعمرون بمَنْح فتات من هذه السلطة للمُتعاونات معهنّ من النساء الأفريقيّات؛ بحيث تقاسَم الرجال المسئوليّات من ضمن الحكومات الجديدة، عبر إدماجهم أنماط تفكير المُستعمِر وإعادة إنتاجها بغية فرضها على النساء.

لذا أشارت كاتبة هذا التحقيق إلى أنّ نِسويات كثيرات، من السود أو من المحسوبات على «عرق» أو «سلالة» معيّنة، يُشبّهنَ النسويّة المُسيطِرة بالعبء الزائد الواقع على أكتافهنّ، لأنّها ــ أى النسويّة المُسيطرة ــ تستبعد فى أحيانٍ كثيرة الحقائق التى لا تتناسب مع نموذجها الغربى، مُعتبرةً أنّها الناطقة بلسان نساء الكوكب. وتستشهد الكاتبة كذلك بتصريحات عددٍ من الكاتِبات والناشطات الأفريقيّات فى هذا الصدد، يؤكّدن من خلالها أنّ النسويّات البيض يَفدن من امتيازٍ مرتبطٍ بلَون بشرتهنّ، فى حين أنّ أخواتهنّ السود يخضعن لاضطّهاد مزدوج نتيجة العنصريّة والبطريركيّة معا.

تقول الكاتِبة والناشِطة الفنلنديّة ــ النيجيريّة مينّا سالامى فى هذا الصدد: «إنّ ما لم يفهمه جمْعٌ كبير من المنضوين فى تيّار النسويّة البيضاء، هو أنّ المجتمع الأبوى أو البطريركى فى بلادهم تأسَّس على استغلال أشخاص ملوّنين فى بلدان أخرى. فإذا لم تنضمّ النسويّة الغربيّة إلى الكِفاح ضدّ العنصريّة، والإمبرياليّة واستغلال البلدان الأجنبيّة، فإنّها لا تكون والحالة هذه فى صدد النضال ضدّ المجتمع الأبوى».

وتستشهد أيضا بآراء أكاديميّات نسويّات أفريقيّات، بيَّنَّ كيف أنّ الروائيّة المصريّة نوال السعداوى وعالِمة الاجتماع المغربيّة فاطمة المرنيسى، سبق لهما أثناء ندوة عالَميّة عُقدت فى العام 1976 فى إنجلترا، أن تصدّتا وعارضَتا إرادة النسويّات الغربيّات فى تحديد النسويّة العالَميّة من وجهة نظرهنّ فقط.

النسويّة كانت دائما موجودة فى أفريقيا

أسماء نسائيّة كثيرة من أفريقيا حفرت مَوقعا لها فى الحركة النسويّة العالميّة، منهنّ: جاكلين كى زيربو من بوركينا فاسو، وجان مارتن سيسى من غينيا، وأنجى بروكز من ليبيريا، وأنّا تيبايجوكا وآشا روز ميجيرو وجيرترود مونجيلا من تنزانيا، وعائدة جندى وعزيزة حسين من مصر، وفيلومينا ستيدى من سيراليون. لكنّ النسويّة لطالما كانت موجودة فى أفريقيا، غير أنّها تُعيد الآن اختراع نفسها وتوسيع آفاقها، وتتّجه إلى التنوّع بتأثيرٍ من الأفارقة الموزّعين فى العالَم، والمتحدّرين من أصل أفريقى. ففى سياق استمراريّة تقليد كان قائما قبل إنهاء الاستعمار، نَجد الخيال النسائى الأفريقى مُشبعا بشخصيّات نسائيّة غدت رموزا ونماذجَ تاريخيّة.

المُشاركة السياسيّة للنساء تبدو مسألة أساسيّة أيضا؛ حيث تشكِّل النساء فى البرلمان الرواندى نحو 62 %، أى النسبة الأعلى تقريبا فى العالَم. أمّا بالنسبة إلى رئاسة البلاد، وحدها بلدان مثل ليبيريا، وجمهوريّة أفريقيا الوسطى، وجمهوريّة مالاوى، وجزيرة موريس نصَّبت امرأة فى هذا المَركز. لكنْ فى المقابل، تشغل النساء نصف المَراكز فى مفوّضيّة الاتّحاد الأفريقى، مقابل الثلث فقط فى المفوّضية الأوروبيّة. فقد تولَّت الجنوب أفريقيّة نكوسازانا دلامينى زوما رئاسة مفوّضيّة الاتّحاد الأفريقى لمدّة خمس سنوات، فى حين أنّ الرجال وحدهم هُم الذين تولّوا رئاسة المفوضيّة الأوروبيّة منذ إنشائها. ثمّ إنّ الأنظار كلّها تتجّه صوب إثيوبيا، حيث تمّ فى أكتوبر الفائت انتخاب الرئيسة الأفريقيّة الوحيدة، وتبع ذلك إصلاحٌ تاريخى للحكومة من قبل رئيسها آبى أحمد، الذى قرَّر أن يُدار نصف الوزارات من العنصر النسائى، بما فى ذلك وزارة الدفاع.

فى أفريقيا 80 % من الغذاء تُنتجه النساء، الفقيرات عموما. كما أنّ الاقتصاد غير الرسمى هو فى الأساس نسائى بامتياز، وإن كانت السلطة الاقتصاديّة مخصَّصة دائما للرجال. كما أنّ المساواة الكاملة بين الجنسَين لم تتحقّق بعد: قوانين الميراث فى القارّة الأفريقيّة كلّها لا تزال غير مواتية للنساء، والاستقلال الاجتماعى ــ الاقتصادى لا يزال صعب المنال بالنسبة إليهنّ، ومعدّلات التحاق الفتيات بالتعليم يبقى فى الغالب ضعيفا. وكأنّ هذا لا يكفى، على حدّ تعبير كاتبة المقالة، فإنّ بعض المنظّمات غير الحكوميّة الغربيّة تستفيد من خطاب ينزع الصفة السياسيّة أحيانا عن صراع النساء ويختزله إلى موضوعات سطحية، لأنّ تسليط الضوء على مثل هذه الموضوعات يجذب التمويل الأجنبى، لكنّه يُضعف الحركات المحلّية للنساء، ويُسهم فى دعم الصور النمطيّة السلبيّة عن الحياة فى أفريقيا.

على الرّغم من ذلك كلّه، فإنّ الحركات النسائيّة الأفريقيّة تقترح أفكارا، تَبتدع مساحاتٍ مميّزة، وتُحسِّن مجتمعاتها. يتمّ ذلك فى الغالب عبر تجاهُل النِسويّة، بحسب تحديدها أو تعريفها القائم فى الغرب. أمّا النسويّة الغربيّة، فيُمكنها أن تكسَب القوّة والتخيّل والأهمّية فى حال كانت تأخذ بعَين الاعتبار ما يحدث فى أفريقيا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved