النبوات الكبرى

رجائي عطية
رجائي عطية

آخر تحديث: الأربعاء 6 مايو 2020 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

ينصرف معنى النبوات الكبرى إلى الأديان الثلاثة السماوية، اليهودية، والمسيحية، والإسلام.. ورسلها حسب الترتيب الزمنى موسى ثم عيسى ثم محمد، وفى إطار مشروع الأستاذ العقاد الفكرى، كتب عن النبوات الكبرى ولم تفته إلا نبوة موسى التى كان قد ادخر تناولها ثم لم يسعفه الزمن، وكتب لنا عن إبراهيم الخليل أبى الأنبياء عام 1953، وعن المسيح عليه السلام فى عام 1953، وكتب فى الرسالة المحمدية كتابين: أولهما عبقرية محمد الذى صدر سنة 1942، وثانيهما مطلع النور ــ فى طوالع البعثة المحمدية وصدر عام 1955.
وقد تمتعت شخصيا فى تجوالى مع الأستاذ العقاد فيما كتبه فى مدائنه عن النبوات الكبرى، ووجدت فيها ما يضيف إلى الفكر الإنسانى، ويثرى هذه الجوانب التى كتب فيها عمالقة أيضا الدكتور محمد حسين هيكل الذى كتب حياة محمد، والدكتور طه حسين الذى كتب على هامش السيرة، والدكتور شوقى ضيف الذى كتب «محمد»، والأستاذ توفيق الذى كتب بأسلوبه كتاب «محمد».
بيد أن أحدا لم يتناول سيرة أبِ الأنبياء، ولا حياة السيد المسيح، لا سيما بهذا القدر العميق الذى تناولهما الأستاذ العقاد.
أبو الأنبياء
إبراهيم الخليل
خليل الرحمن وخليل الإنسان
البدء بخليل الرحمن توجبه اعتبارات متعددة، فإليه ينتمى أنبياء الرسالات الثلاث الكبرى: موسى، وعيسى، ومحمد، والحنيفية الإبراهيمية، ويتلو المسلمون اسمه وآله فى كل صلاة.
نعم، لم يكن التوحيد مجهولا قبل عصر إبراهيم، فقد آمن المصريون القدماء بالإله الواحد، ولكنها لم تكن دعوة نبوة ورسالة، وعندما جهر «أخناتون» بدعوة التوحيد والمساواة ـ صدرت دعوته من قصر الدولة.
أما الإله الواحد الذى اقترن بدعوة إبراهيم فصادر عن دعوة سماوية، ولم يكن لنبوة واحدة أن تؤدى رسالة التوحيد وتنهض بكل عناصرها وموجباتها فى عمر رجل أو عمر جيل، ولذلك كانت بعد نبوة إبراهيم نبوات، وعن نبوة إبراهيم الخليل عليه السلام، تحدثت المراجع الإسرائيلية، والمراجع المسيحية، والمراجع الإسلامية، كما تحدثت عن إبراهيم مراجع الصابئة ومصادر التاريخ القديم، وإلى هذه المراجع اتجه الأستاذ العقاد فاحصا وباحثا ومنقبا ودارسا ومستخلصا.
وقد أفاض الأستاذ العقاد فى عرض ما ورد بالمراجع الإسرائيلية، وما أفاض فيه سفر التكوين، أول أسفار العهد القديم، من سيرة إبراهيم عليه السلام، مولده فى «أور» الكلدانيين، ورفع نسبه إلى سام بن نوح الذى إليه تنسب السامية اليوم، فهو إبراهيم ابن تارح (آزر) بن سروج بن رعو بن فالج بن عابر بن شالح بن أرفكشاد بن سام ابن نوح.
وتوسع الأستاذ العقاد فى إيراد نصوص ما ورد بالعهد القديم عن سيرة إبراهيم الخليل وأسرته وأسفاره وانتقالاته وأوامر الرب عز وجل إليه، فأورد ما جاء عن هذه السيرة فى الإصحاحات الحادى عشر والثانى عشر والسادس عشر والسابع عشر والتاسع عشر والعشرين والحادى والعشرين والثالث والعشرين والرابع والعشرين والتاسع والعشرين والثانى والثلاثين من سفر التكوين، وأشار إلى ما ذكرته الإصحاحات التالية عن خبر المجاعة التى عمت الأرض.
وأهم ما جاء بإصحاحات سفر التكوين سالفة الذكر ـ ويعنينا فى هذا المقام ـ أن الوعد المحتج به اليوم عن أرض الميعاد كان لنسل أبرام (إبراهيم) بمن فيهم إسماعيل، وليس لنسل إسحق خاصة.
وجاء بسفر التكوين قصة منسوبة إلى إبراهيم عليه السلام، أنه حين نزل مصر وخاف أن يؤدى جمال زوجته (سارة) إلى قتله واستبقائها، اتفق معها على إبداء أنها أخته، إلا أن فرعون الذى كان قد صنع خيرا لإبراهيم بسببها حتى صار له بقر وغنم وحمير وعبيد وإماء وأتن (جمع أتان ـ أنثى الحمار) وجمال ـ اكتشف الحقيقة فأطلق زوجة إبراهيم ولامه لماذا ذكر أنها أخته. (التكوين 12: 14 ـ 19).
ثم عاد العهد القديم، فنسب إلى إبراهيم عليه السلام ذات الصنيع فى واقعة أخرى، فجاء بالإصحاح العشرين من سفر التكوين أن إبراهيم «انتقل إلى أرض الجنوب وسكن بين قادش وشور وتغرب فى جرار (بلدة بين مصر وفلسطين) وقال إبراهيم عن سارة امرأته هى 
أختى، فأرسل (أبيمالك) ملك جرار وأخذ سارة، فجاء الله إلى (أبيمالك) فى حلم الليل وقال له: ها أنت ميت من أجل المرأة التى أخذتها، فإنها متزوجة ببعل، ولم يكن (أبيمالك) قد اقترب إليها».
ومضى الإصحاح العشرون ليقول إن (أبيمالك) اعتذر بأنه تصرف بحسن نية لأنه قيل له إنها أخته لا زوجته وهى نفسها قالت ذلك، ثم إن (أبيمالك) راضى إبراهيم بأن أعطاه غنما وبقرا وعبيدا وإماء، ورد إليه سارة امرأته.
وجاء بالإصحاح الحادى عشر من سفر التكوين، أن ساراى (سارة فيما بعد) زوجة أبرام (إبراهيم) كانت عاقرا، وأن «تارح» أخذ ابنه أبرام ولوط ابن شقيقه هاران وساراى إلى أرض كنعان وأقاموا هناك حيث مات «تارح» فى حاران عن مائتين وخمس سنين. (التكوين 11: 26 ـ 32).
وجاء بالإصحاح السادس عشر من سفر التكوين، أن «ساراى» (سارة فيما بعد) امرأة أبرام لم تلد، فدفعت جاريتها المصرية «هاجر» إلى أبرام وقالت له: «هو ذا الرب قد أمسكنى عن الولادة.. فادخل إلى جاريتى لعلى أرزق منها بنين. فسمع أبرام لقول ساراى». (التكوين 16: 1 ـ 6 )، وروى الإصحاح أن هاجر حينما حملت صغرت مولاتها فى عينيها، فغضبت «ساراى» وتحدثت بغضبها إلى زوجها الذى راضاها، ولكن «ساراى» أذلت «هاجر» فهربت من وجهها، إلى آخر ما ورد بالإصحاح المذكور.
ويفهم من هذه القصة التى تكررت فى موضع آخر، أن مولد إسماعيل ابن «هاجر» كان أسبق من مولد إسحق ابن «ساراى» التى صارت «سارة» والتى ولدته فيما بعد فى قصة رددها سفر التكوين، وأورد أنها ولدت إسحق وهى فى التسعين وزوجها ابن مائة سنة، وأن إبراهيم عليه السلام وعد بأن ابنه «إسماعيل» سيباركه ربه وستكون له أمة كبيرة وكثرة كثيرة جدا، فقام إبراهيم حين تلقى الوعد بختن إسماعيل، وكان آنذاك ابن ثلاث عشرة سنة.
ثم جاء فى الإصحاح الحادى والعشرين أن «سارة» ولدت إسحق، وختنه إبراهيم وهو ابن ثمانية أيام، وكان إبراهيم قد أوفى على المائة.
قصة الفداء
المراجع الإسرائيلية
أورد الإصحاح الحادى والعشرون من سفر التكوين، أن «سارة» هى التى طلبت من إبراهيم أن يطرد الجارية هاجر وابنها، حتى لا يرث مع ابنها إسحق، فاستاء إبراهيم من طلبها من أجل ابنه (إسماعيل)، ولكنه صرف هاجر وابنها بعد أن أعطاهما خبزا وقربة 
ماء، فمضت هاجر وتاهت فى البرية، وبكت لغلامها فناداها ملاك الله من السماء ألا تخاف وأن الله سمع صوت الغلام وأوصاها بأن تحمله وتمضى به وأن الله سيجعله أمه عظيمة. (التكوين 21: 1 ـ 21).
على أنه برغم أن «إسماعيل» عليه السلام أسبق ميلادا بسنين من «إسحق»، فإن الإصحاح الثانى والعشرين من سفر التكوين وصف «إسحق» بمناسبة قصة الفداء التى أسبغها على «إسحق» بأنه «وحيد» إبراهيم، وهو توصيف لا يتفق مع واقع أنه ولد بعد ميلاد إسماعيل، ومن ثم لم يكن قط وحيدا لأبيه، فيقول الإصحاح الثانى والعشرون «وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم، فقال خذ ابنك «وحيدك» الذى تحبه إسحق واذهب إلى أرض المريا..» إلى آخر قصة الفداء. (التكوين 22: 1 ـ 24).
وأفاض الأستاذ العقاد نقلا عن إصحاحات سفر التكوين، فى بيان وفاة سارة، وفى بيان أبناء إبراهيم من «قطورة» التى اتخذها زوجة، وأولاده منها، وفى بيان أولاد إسماعيل، وأولاد إسحق، وما ورد بالعهد القديم من إشارات كثيرة إلى إبراهيم عليه السلام، منها ما 
يذكره ليذكر عهد الرب له ــ لا لإسحق، ومنها ما ورد فى سيرته من إشارات، والتى جاء أغلبها فى سفر التكوين أحد الأسفار الخمسة الأولى فى العهد القديم والتى يطلق عليها فى الغالب اسم «التوراة».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved